رسالة حب
زهران ممدانى يضرب الثوابت
لم تخضع انتخابات عمدة نيويورك للقواعد الطبيعية فى المعارك الانتخابية وجاءت خارج السياق من البداية حتى النهاية.
سقطت النظريات وتحطمت الثوابت وتبدلت القواعد وتغيرت الاستراتيجيات حتى أصبحنا أمام نظريات وقواعد واستيراتيجيات وأسس جديدة لن يتوقف تأثيرها على أمريكا وحدها.. بل سيمتد ليشمل دول أخرى وقد تكون أوروبا هى الأقرب لذلك.
وإذا كان التغيير الإيدلوجى فى المقدمة لكون ممدانى «مسلم اشتراكى».. لكن فى رأيى أن هناك ثوابت لا تقل أهمية عن الجانب الإيدلوجى قد سقطت وأحدثت زلزالًا مدويًا، وفى مقدمة هذه الثوابت دور اللوبى الصهيونى فى صنع الرؤساء والقادة.. كان من المعلوم أن رضاء هذا اللوبى يكون بمثابة جواز مرور لمنصب الرئيس أو حاكم الولاية أو العمدة.. تلك كانت قاعدة ثابتة ومن المسلمات والبديهيات التى ظلت تحكم السياسة فى عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة.. حتى أن ترامب اعترف مؤخرًا بدور رأس المال اليهودى فى تمويل حملته الانتخابية ومساندته بقوة فى معركته الأخيرة، وطبعًا هذا ما قاله فى العلن.. لكن الشىء المؤكد أن هناك معلومات وأسرارًا أخرى فى هذا الإطار لم ولن تخرج إلى النور لأنه ببساطة غير مسموح بنشرها على الأقل فى الوقت الحالى.
ولهذا السبب نجد كل المرشحين للمناصب الكبرى فى الولايات المتحدة يتبنون الخطاب اليهودى ويتسابقون لمساندة إسرائيل مهما فعلت ومهما بلغت جرائمها الوحشية، وذلك من أجل الوصول إلى السلطة.. لكن ما فعله زهران ممدانى كان مختلفًا.. فقد ذهب يضرب بقوة بلا مبالاة.. لم يتراجع أمام إرهابهم ولم يخش تهديداتهم.
أفزعتهم مواقفه المنتقدة لإسرائيل واستخدامه كلمة «إبادة جماعية» لوصف ما كان يجرى فى غزة، ورفضه إدانة مصطلح «عولمة الانتفاضة».. قابلوه بعاصفة من الاحتجاج والتهديد والوعيد لكنه ظل صامدًا حتى أصابهم فى مقتل.
الغريب أن ممدانى حصل على حوالى ثلث أصوات اليهود فى نيويورك، بينما ذهبت أصوات الثلثين إلى المنافسين.. الذين أيدوه كانوا من جيل الشباب الذين تعاملوا مع الموقف بمنطق المصلحة.. فقد وجدوا مصلحتهم معه فصاروا خلفه ولم يلتفتوا إلى تهديدات ترامب ولا إلى حالة الانفلات التى وصل إليها عندما وصف اليهود الذين يصوتون لـ«ممدانى» بالغباء.
ضرب ممدانى الثوابت فى مقتل وكشف القوة الزائفة لليهود وأثبت أنها وهم، وأن ما روجوا إليه طوال السنوات الماضية لا يعدو كونه صناعة خوف وترويج نظريات وهمية تحولت إلى حقيقة بفعل آلة الإعلام الجهنمية المسخرة لخدمتهم ليل نهار.. وحتى ندرك حجم الزلزال الذى أحدثه نجاح زهران ممدانى فى نيويورك علينا أن نعود إلى إحصائيات تركيبة السكان فى هذه المدينة التى تعد عاصمة المال والأعمال للولايات المتحدة، هذه التركيبة التى تقول إن اليهود فى نيويورك يمثلون أكبر تجمع يهودى خارج حدود إسرائيل، وهذا يعنى أنهم يتمتعون بقوة كبيرة وحضور فاعل، ومن الطبيعى أن يتحكموا فى أى انتخابات داخل الولاية.. فهم قراصنة مال فيها.. لكن ممدانى لم يهتز ولم يعبأ بهذا وصال وجال وكانت النتيجة أنه نجح رغم أنف اليهود وترامب وأباطرة الحزب الجمهورى.