سوريا حليف جيوسياسى ووجهة للاستثمارات الأمريكية
»اﻟﺸﺮع« ﻳﻐﺎزل »ﺗﺮاﻣﺐ«.. وﻳﺮﻓﺾ اﻟﺘﻄﺒﻴﻊ اﻟﻔﻮرى ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﻴﻞ
ألقى الرئيس السورى أحمد الشرع بظلال من الحذر على الجهود الأمريكية لدفع بلاده نحو اتفاق سلام مع إسرائيل، قائلًا إن الظروف الحالية لا تسمح ببدء مفاوضات مباشرة حول اتفاقيات إبراهيم، وذلك بعد يوم واحد من زيارته التاريخية للبيت الأبيض كأول رئيس سورى تطأ قدماه واشنطن منذ استقلال سوريا.
فى مقابلة مع قناة فوكس نيوز عقب لقائه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» قال الشرع إن سوريا «لن تدخل فى مفاوضات مباشرة الآن»، مضيفًا أن «الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب يمكن أن تساعدنا فى الوصول إلى هذا النوع من المفاوضات فى المستقبل».
وتعد زيارة الشرع إلى البيت الأبيض لحظة فارقة فى تاريخ العلاقات بين واشنطن ودمشق، حيث أنهى اللقاء عزلة دبلوماسية دامت لعقود، وأكد ترامب بعدها أن بلاده «تريد أن ترى سوريا دولة ناجحة للغاية»، مشيدًا بالشرع ووصفه بأنه «مدافع رئيسى عن السلام».
وكان الشرع، الذى تولى السلطة العام الماضى بعد إطاحته ببشار الأسد إثر هجوم خاطف شنته قواته من شمال غرب سوريا، قد وصل إلى العاصمة الأميركية السبت الماضى، قبل أن يعقد اجتماعه المغلق مع ترامب يوم الاثنين. دخل الشرع إلى البيت الأبيض من مدخل جانبى بعيدًا عن عدسات الصحفيين، فى خطوة بدت حذرة ومنظمة، فيما أكد البيت الأبيض لاحقًا أن اللقاء كان «إيجابيًا للغاية».
خلال المقابلة مع فوكس نيوز، قال الشرع إن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة شهدت تحولًا جذريًا، مؤكدًا أن «سوريا لم تعد تُعتبر تهديدًا أمنيًا بل حليفًا جيوسياسيًا»، مضيفًا أن بلاده يمكن أن تكون «وجهة للاستثمارات الأمريكية الكبرى، خصوصًا فى مجال استخراج الغاز».
وكانت إدارة ترامب قد بدأت جهودًا لتطبيع العلاقات مع دمشق منذ لقائه الأول مع الشرع فى الرياض قبل ستة أشهر، حيث أعلن ترامب حينها خططًا لرفع العقوبات الأمريكية. وبعد الاجتماع الأخير فى واشنطن، كتب الرئيس الأمريكى على منصته الاجتماعية أن الجانبين «ناقشا جميع تعقيدات السلام فى الشرق الأوسط»، واصفًا الشرع بأنه «من أشد دعاة السلام».
ومع أن ترامب لم يوضح تفاصيل الاتفاق المحتمل مع إسرائيل، إلا أنه قال للصحفيين فى المكتب البيضاوي: «يمكنكم توقع بعض الإعلانات قريبًا بشأن سوريا»، مؤكدًا أن بلاده تعمل على تحقيق «التوافق بين الجميع» فى المنطقة. وأشار إلى أن الشرع «يتوافق بشكل جيد جدًا مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان»، واصفًا إياه بـ«الزعيم العظيم»، مضيفًا أن سوريا «تتعامل الآن مع الجميع، بما فى ذلك إسرائيل».
فى الأثناء، قالت مصادر مطلعة إن الولايات المتحدة تتوسط بالفعل فى مفاوضات حول اتفاق أمنى بين سوريا وإسرائيل، وسط مخاوف إسرائيلية من علاقات الشرع السابقة بالجماعات المتطرفة وانتقادات غربية لسجل حكومته فى حقوق الأقليات. وكانت إسرائيل قد نشرت قوات مؤقتة فى مواقع جنوب غرب سوريا بعد سقوط الأسد، فى خطوة وصفتها بأنها «إجراء أمنى مؤقت».
بالتوازى مع هذه التطورات، ذكرت وكالة رويترز أن واشنطن تخطط لإنشاء وجود عسكرى جديد فى قاعدة جوية قرب دمشق، فيما أكدت مصادر فى وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه الخطوة تهدف إلى «ضمان استقرار العمليات المشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية». وأشار الشرع فى المقابلة إلى أن بلاده والولايات المتحدة «بحاجة لمناقشة هذه المسائل للوصول إلى اتفاق شامل بشأن داعش».
وفى تصريحاته، تطرق ترامب بشكل عابر إلى الوضع فى غزة، قائلًا إن حماس أعادت «جثث عدد كبير من الرهائن المتوفين»، مضيفًا: «لقد عمل الجميع بجد لتحقيق ذلك، وهكذا أصبح لدينا سلام فى الشرق الأوسط»، على حد تعبيره.
خارج البيت الأبيض، استقبل حشد من الأمريكيين السوريين الشرع، وهم يلوحون بالأعلام ويهتفون باسمه فى ساحة لافاييت. ولوّح الشرع لهم لفترة وجيزة قبل أن يغادر المكان، فيما أكد عدد من مؤيديه أن «الزيارة تمثل لحظة فخر وعودة لسوريا إلى الساحة الدولية».
لكن الزيارة لم تخلو من التهديدات الأمنية، حيث كشفت مصادر فى الأجهزة السورية والدولية عن إحباط مؤامرتين منفصلتين لتنظيم الدولة الإسلامية لاغتيال الشرع خلال الأشهر الماضية، فى حين شنت وزارة الداخلية السورية حملة أمنية موسعة نهاية الأسبوع أسفرت عن اعتقال أكثر من 70 مشتبهًا بهم فى مختلف المحافظات.
من الناحية الاقتصادية، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية بالتزامن مع الزيارة تعليقًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر لمدة 180 يومًا، باستثناء المعاملات التى تشمل روسيا وإيران. وذكرت الوزارة أن هذا التعليق «يحل محل الإعفاء السابق الصادر فى مايو الماضي».
ويعد قانون قيصر الذى صدر عام 2019 أحد أكثر القوانين الأمريكية صرامة بحق دمشق، ولا يمكن إلغاؤه إلا بقرار من الكونغرس. ومع أن ترامب رفع العقوبات الرئاسية الأخرى عبر أمر تنفيذى فى مايو، إلا أن خبراء حذروا من أن استمرار الإغلاق الحكومى قد يؤخر رفع القيود بشكل كامل قبل نهاية العام.
أما على الصعيد الإقليمى، فإن إدارة ترامب تسعى لربط ملفات سوريا وغزة ضمن استراتيجية موحدة للسلام فى الشرق الأوسط. فقد كشف تقارير إعلامية أن جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، زار إسرائيل هذا الأسبوع للقاء رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث ناقشا الاتفاق الأمنى المحتمل مع سوريا إلى جانب التطورات فى غزة. كما طلب نتنياهو من كوشنر «الضغط على دمشق للمضى قدمًا فى الاتفاق الأمني»، باعتباره خطوة تمهيدية لانضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم.
وبينما قال الشرع إنه «لن يدخل فى مفاوضات مباشرة الآن»، فإن مراقبين يرون أن مجرد جلوسه مع ترامب فى البيت الأبيض يفتح الباب أمام مرحلة جديدة فى العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، وقد يمهد لاحقًا لتسوية مع إسرائيل لم يكن أحد يتخيلها قبل عام واحد فقط.