مشكلة المياه في إيران
خرج الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في تصريح مثيرٍ ليعلن عن الأزمة المائية بالعاصمة الإيرانية طهران، والذي سوف يتبعها من انقطاع متكرر للمياه ببعض المناطق، كما أعلن عن احتمال إخلاء العاصمة في حالة استمرار الواضع المائي على ما هو عليه واستمرار تدفق الأمطار، وقد أثار هذا التصريح العديد من ردود الأفعال الغاضبة، حيث اعتبره البعض تعبيراً عن عدم عن تقدير الحكومة لأبعاد الأزمة، وكيف يتم إخلاء العاصمة التي يقارب سكانها ثلاثة عشر مليون نسمة.
الحقيقة أن تصريح الرئيس الإيراني رغم تأثيره على الاستقرار في إيران لكنه يحمل الكثير من الصراحة والمصداقية، فالوضع المائي في إيران- ولا سيما العاصمة طهران- بات يشكل أزمة كبرى، يمكن أن تعصف بالأمن المائي في البلاد إذا لم يتم التعامل معها بدقة.
تعتمد إيران في تأمين احتياجاتها المائية على الأمطار إلى جانب المياه الجوفية وذوبان الجليد فوق جبال ألبرز، وحسب تقرير وكالة أنباء مهر الإيرانية، تواجه الدولة صعوبات مائية غير مسبوقة بسبب الجفاف المتلاحق، نقص الأمطار وزيادة السحب على المياه والزراعة. ويمكن تقسيم أسباب أزمة المياه في إيران إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أسباب بيئية، سوء الاستهلاك وثالثاً سوء إدارة الموارد المائية:
أسباب بيئية:
قلة الأمطار:
يعتبر انخفاض سقوط الأمطار هو السبب الأول في الأزمة المائية في إيران، فقد تراجع سقوط الأمطار في إيران بأكثر من 80%، ولم تشهد 20 محافظة أي هطول للمطر حتى الآن؛ وكان الوضع في طهران من بين جميع المحافظات، أكثر إثارة للقلق، حيث تحتاج طهران إلى 40 ألف لتر/ الثانية من الماء يوميًا، ويشير أحدث تقرير لشركة إدارة مصادر المياه بالدولة أن مجموع احتياطات السدود الإيرانية يسع حوالي 17 مليار متر مكعب، ممتلئ منها فقط 33% من قدرتها، بانخفاض 25% عن العام الماضي. وعلى المستوى الوطني، كانت الأمطار منذ بداية العام المائي حتى منتصف آبان/ مايو فقط 2.3 مللي لتر، بينما سجلت العام الماضي في الفترة نفسها 16.5 وفي المتوسط طول المدى 14.8 ملي لتر.
ويصرح كذلك نعمت حسنی عميد كلية الهندسة والمياه والبيئة في جامعة الشهيد عباسبور أن منسوب الأمطار في إيران في بداية القرن الحادي والعشرين كان 240 مللي لتر سنويًا، وسوف ينخفض إلى 180 ملم بنهاية القرن الحادي والعشرين؛ أي بانخفاض قدره 60 ملم، أي ما يعادل انخفاضًا بنسبة 25% من هطول الأمطار.
تبخر المياه:
كان متوسط حجم الأمطار السنوي في إيران يبلغ حوالي 406 مليار متر مكعب في بداية القرن الحادي والعشرين، يتبخر منه حوالي 68% قبل وصوله الأنهار بفعل الحرارة، حيث تبلغ نسبة التبخر في المناخ الرطب ٣٠٪، وفي المناخ الجاف ٩٠٪، وفي شبه الجاف ٦٠٪، ونظراً لوقوع جزئين من إيران ضمن نطاق المناطق القاحلة أو شبه القاحلة، يتبخر قرابة الـ 70% من هذه المياه؛ أي حوالي 280 مليار متر مكعب من المياه، مما يعزز الحاجة إلى وجود خطة دقيقة للمحافظة على المياه.
سوء الاستهلاك:
يقول عبد الجلال إيري عضو لجنة التعمير بالبرلمان الإيراني إن نسبة استهلاك المياه إلى الموارد ارتفعت إلى حوالي 90%، بينما لا ينبغي أن تتجاوز نسبة الاستهلاك إلى المصادر 40% وفقًا للمعايير الدولية. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 60% من المشتركين في طهران على سبيل المثال يستهلكون ضعف نمط الاستهلاك (260 لتر في اليوم لكل شخص) من المياه، وحوالي 5% يستهلكون أكثر من ضعفي هذا المعدل. وقد أخطرتهم وزارة الطاقة بقطع المياه فترات طويلة عنهم إذا استمر استهلاكهم بتلك المعدلات.
المياه الجوفية:
يوجد لدى إيران 2.5 ضعف الآبار في كل دول الشرق الأوسط، حيث يبلغ مجموع الآبار في دول الأوسط جميعها 400 ألف بئر، بينما يتجاوز عدد الآبار في إيران وحدها مليون بئر، نصفها غير مرخص، وقد أدى الإفراط في استخدام الآبار واستخدام أساليب الزراعة الخاطئة إلى سحب المياه الجوفية وأدت بالتالي إلى جفاف العديد من الأنهار والبحيرات التي حُفرت بجانبها تدريجياً، حتى بحيرة أرومية عانت من آثار هذه الآبار".
سوء إدارة موارد المياه:
لازالت إيران تستخدم شبكات مياه مهترئة، وتستخدام الأنابيب الفولاذية التي يبلغ عمرها الافتراضي 20 عامًا، وهو ما يؤدي إلى هدر وتسرب كميات كبيرة من المياه.
الزراعة،
يرى البعض مثل محمد درويش الخبير في شئون المياه أن القطاع الزراعي يستهلك معظم المياه، فعلى سبيل المثال تستهلك الزراعة في محافظة طهران حوالي 1.8 مليار متر مكعب من المياه، وإذا ازداد الوضع سوءً، فيجب وقف الزراعة لمدة عام ودفع تعويضات مباشرة للمزارعين؛ نظراً لأن الضرر الناتج عن ذلك أقل بكثير من تشجيع الناس على الهجرة من طهران".
ورغم أن إيران تمر بإحدى أشد أزمات المياه في تاريخها، إلا أن صادراتها من المنتجات كثيفة الاستهلاك للمياه مستمرة، وتستهلك الكثير من المياه، فوراء كل كيلوجرام من البطيخ أو الخيار أو البرتقال يعبر حدود إيران، تكمن آلاف اللترات من المياه المخفية. وبحسب التقديرات، فإن كل دولار من النقد الأجنبي الذي تحصل عليه البلاد من صادرات الفاكهة والخضروات يؤدي إلى فقدان نحو 5800 لتر من المياه الجوفية، وهو ما يعني أن إيران في واقع الأمر "تبيع الماء بدلا من الفاكهة".
بحسب المتخصصين فإن السبيل الوحيد لتقليل أزمة المياه هو إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك، أي الانتقال من حالة العجز إلى التخطيط الدقيق (بالحد من الاستهلاك، وليس مجرد النصح بالتوفير، بل من خلال إدارة حقيقية ومنهجية لاستهلاك المياه إلى جانب توعية المواطنين بأبعاد الأزمة وضرورة الترشيد؛ وكذلك إصلاح منظومة إدارة المياه المهترئة، وتقنين حفر الآبار، وكذلك استخدام الطرق الحديثة في الري لتوفير المياه، والحد من زراعة وتصدير الخضر والفواكه عالية الاستهلاك للماء.
أستاذ الدراسات الإيرانية- كلية الآداب- جامعة عين شمس