بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مراجعات

جناب العمدة

مع تطور الزمن، تبقى صورة «العُمدة» النمطية، متجذِّرِّة في الذاكرة الشعبية، على امتداد الريف المصري، كرمزٍ حيٍّ للسُّلطة، والهَيْبة، والوجاهة الاجتماعية، خصوصًا أن هذا المنصب «قديمًا»، كان ينحصر فقط في بعض العائلات.. يتوارثونه جيلًا بعد جيل.
خلال العقود الماضية، لم تتوانَ السينما والدراما المصرية، عن تناول شخصية «العمدة»، في عشرات الأعمال، بـ«الجلابية والعباية»، وإن كان الراحلان «صلاح منصور» في فيلم «الزوجة الثانية»، و«صلاح السعدني» في مسلسل «ليالي الحلمية»، أبرز الفنانين الذين قدموا تلك الشخصية.
الآن، تطور شكل «العمودية» التقليدية، بشكل لافت، ولم تعد ـ كما في السابق ـ رمزية الدلالة، من خلال ما تابعناه مؤخرًا من أحداث مشوِّقَة، في مسلسل «ليالي نيويورك»، مع «جناب العمدة» الشاب «زُهران محمود ممداني»!
إنه نموذج عصريٌّ لـ«العمودية»، حيث يمتلك القُدرة على مواجهة المشكلات المعقدة، والذكاء الاجتماعي في بناء العلاقات مع الناس، كما يختلف عن نظرائه من «العُمَد» التقليديين، بأسلوبه الفريد في استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة. 
«جناب العمدة» الجديد لـ«نييويورك»، ليس فقط حاكمًا لأغنى وأهم مدينة أمريكية، بل أصبح رمزًا ناضجًا للتعددية الثقافية، في وقتٍ يُعاني فيه العالم، والولايات المتحدة خصوصًا، من تصاعد موجات العنصرية ضد المهاجرين.
نتصور أن فوز «العمدة زُهران»، لم يعد مجرد مسألة تخص نيويورك وحدها، أو حتى عموم الولايات المتحدة، إذ أصبح رمزًا للفُرص المُتاحة ـ في عالمٍ تتزايد فيه أبشع أنواع العنصرية والتمييز ـ خصوصًا أنه لا يمتلك «وراثة العمودية»، التي كان عليها سَلَفه ومنافسه الأبرز «أندرو كومو».
إذن، استطاع «عمدة نيويورك» الفوز في مدينة تضم أكبر جالية لليهود في العالم، خارج «إسرائيل»، والتغلب على أباطرة المال والأعمال، وحملات التشويه الممنهجة، التي يمولها «اللوبي الصهيوني»، بعد أن حظيَ بدعم واسع من «المُهَمَّشين» الذين يتوقون للعدالة الاجتماعية وتخفيف الفجوة الطبقية.
إن المتابع ـ على مدار أشهر ـ لأحداث مسلسل «ليالي نيويورك» المثيرة، يلحظ بوضوح، إصرار «العمدة زُهران» على تأكيد ارتباطه العميق بجذوره، ورفضه التبرؤ من أصوله العِرقية والدينية، رغم الضغوط الهائلة التي مارسها «دونالد ترامب» و«اللوبي الصهيوني»، بالمال والإعلام.
لقد اختار «زُهران ممداني» أن يُقَدِّم نفسه كنموذج عصري للمواطَنَة، متعددة الأبعاد، التي يمكن فيها أن تكون الهوية الثقافية والدينية جزءًا من قوة المجتمع وليست عبئًا، وبالتالي يستطيع الإنسان أن يكون فاعلًا ومؤثرًا في محيطه، من دون التخلي أو التبرؤ من هويته الأصلية.
أخيرًا.. يبقى فوز «العُمدة زُهران ممداني» درسًا مهمًا للتحولات الديموقراطية والمنافسة الحرة، وانتصارٌ للهوية والجذور، والقدرة على تحقيق الحلم، كما يوجه رسالة ملهِمَة بأن التنوع قوة، إضافة إلى قدرة الشباب الطموح على إحداث تغيير حقيقي لقلب نظام الحكم السياسي التقليدي.

فصل الخطاب:

يقول «جلال الدين الرومي»: «إذا كنت لا تعرف من أين أتيت، فكيف يمكنك أن تعرف إلى أين تذهب»؟

[email protected]