بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خارج السطر

معجزة مصباح قطب

فى يناير 2004 ولد مصباح قطب من جديد، وهو فى عقده الخامس. 

حقق مصباح قطب معجزة لافتة ومنح كلمة الأمل دفعات إلى الأمام، أسس لمدرسة جديدة فى الإصرار والعزيمة والتشبث بالأمل فى مواجهة الأمراض المميتة، بعد أن صار إحدى أولى الحالات الناجحة فى زراعة الكبد بمصر، رغم انتمائه لعامة الشعب. 

مصباح قطب كاتب صحفى مشاكس، أمهر الصحفيين فى الحصول على الأخبار والمعلومات، بسيط ونزيه وذكى، أثبت وجوده ولمعانه فى جريدة الأهالى وقت أن كانت للكلمة قوة، وللخبر الصحفى تأثير، وللصحافة عموماً سلطة حقيقية. 

مثل كثيرين من بنى مصر، فتتته البلهارسيا، وهو القادم من ريف بائس، معزول عن اهتمامات ولاة الأمور، سرى الفيروس الجامح فى كبده فأتلفه تماماً، قبل أن يغيب فى نوبات غيبوبة متكررة بعد انتفاخ بطن، وصفرة عينيه، وهزال مثبط، وهلاوس عجيبة كعلامات مبدئية على موت مرجح لمرضى الكبد فى مصر قبل الألفية الثالثة. 

بين مشفى ومشفى، وفى ظل تردى الأوضاع الطبية والصحية للفقراء تعذب مصباح، كنموذج لعشرات الآلاف من المصريين العامة المرضى الذين كانت عليهم كتابة وصاياهم فور التهام فيروس سى لأكبادهم. 

وقتها لم تكن مصر تحترف عمليات زراعة الأعضاء، أفتى بعض علماء الدين المتسرعين بحرمتها، تباطأت المنظومة المصرية فى الاستفادة من تقدم العلوم، وقضى ملايين البشر نحبهم بسبب تأخر إضاءة وفهم. وكان الحديث عن زراعة كبد جديد خارج مصر، بمثابة حديث عن مغامرة خيالية مستبعدة التحقق، نظراً للتكلفة الضخمة، والخطورة الشديدة. لكن مصباح، الصحفى اليسارى المغامر اختار أصعب الحلول، ماضياً نحو آخر أمل فى زراعة الكبد فى بريطانيا، بعد أن فتح محبوه حساباً للتكافل لجمع تكلفة العملية التى اقتربت وقتها من مليون جنيه مصرى (ما يعادل 300 ألف دولار وقتها). سار الأمر بتدبير إلهى عجيب ليسمح حساب التبرعات بتحمل سفر المريض إلى لندن، لينتظر دوره فى طابور للحصول على كبد متوفى يسمح باستخدام أعضائه. 

شهور مضت وهو على حافة الموت، ينتظر مجهولاً، ويتشبث بخيط أخير فى أمل نجاة بعيد، وفجأة يتم استدعاؤه للحصول على كبد مسن إنجليزى تجاوز ثمانين عاماً، رحل فجأة، بعد أن قرر بالتبرع بأعضائه لمن ينتفع بها. قضى مصباح مائة ساعة مخدراً داخل عملية شديدة الصعوبة والخطورة، ليخرج من نصف موت، كإحدى حالات نادرة زرعت الكبد بنجاح فى ذلك الوقت. وبعد فترة نقاهة عاد إلى القاهرة ناثراً الأمل وباعثاً العزيمة فى نفوس المرضى، صائلاً فى بلاط صاحبة الجلالة، تاركاً تجربة إنسانية فريدة معلمة ونافعة. 

على مدى سنوات طويلة حاول صاحب التجربة ترجمة حكايته كدرس للمرضى والبائسين والموجوعين فى ريف مصر وحضرها، وكنا أصدقاؤه ومحبوه- نطالبه بالحكى والتدوين والتوثيق، سعياً لبث علم نافع يبقى للأجيال القادمة. 

وأخيراً استجاب، فدوَّن كل شىء ليصدر خلال أيام قليلة عن دار ريشة للنشر كتاب يحوى التجربة برمتها بعنوان «فى انتظار معجزة».

وهو كما يقول ناشره أحد تجليات نشيد الألم فى مصر، إذ يركز على لقطة مكثفة من الأوجاع المصرية المستدامة، من خلال تجربة واقعية بعد رحلة معاناة جعلت المسافة بين الموت والحياة أقل من ملليمتر زمنى إن جاز الوصف. 

صحيح أن الطب تطور، وأن زراعة الكبد حققت خطوات نجاح واسعة فى بلادنا، لكن التجربة فى حد ذاتها تحفز على الإصرار، وزراعة الأمل، والانتصار للعلم. 

والله أعلم 

[email protected]