بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الأمم المتحدة تحذر: العالم يتجه نحو ارتفاع حراري يفوق 2.5 درجة مئوية ومخاطر تهدد الكوكب

بوابة الوفد الإلكترونية

رسم تقرير الأمم المتحدة السنوي حول فجوة الانبعاثات صورة قاتمة لمستقبل الكوكب، مؤكدًا أن المسار المناخي الحالي يسير بعيدًا عن أهداف اتفاقية باريس للمناخ. فبحسب التقرير الصادر يوم الثلاثاء، لا تزال الجهود الدولية لخفض الانبعاثات دون المستوى المطلوب بكثير، مما يُنذر بارتفاع متوسط درجات الحرارة عالميًا بما يتراوح بين 2.3 و2.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن، وهو رقم يتجاوز الحد الآمن الذي حددته الاتفاقية.

ورغم أن توقعات عام 2025 تُظهر تحسنًا طفيفًا مقارنة بتقرير العام الماضي، إلا أن هذا التحسن لا يعكس تقدمًا حقيقيًا في جهود خفض الانبعاثات، إذ تُرجع الأمم المتحدة جزءًا من هذا الفارق إلى تغييرات منهجية في طريقة إعداد التقرير. والأسوأ من ذلك، أن الانسحاب المتوقع للولايات المتحدة من اتفاقية باريس في يناير 2026 سيؤدي، وفقًا للتقرير، إلى إلغاء نحو 0.1 درجة مئوية من التقدم الذي تم إحرازه خلال السنوات الأخيرة.

تؤكد الأمم المتحدة أن هدف اتفاقية باريس هو حصر ارتفاع درجات الحرارة في حدود درجتين مئويتين، مع السعي للوصول إلى 1.5 درجة مئوية فقط. لكن الأرقام الجديدة تُظهر أن العالم يبتعد تدريجيًا عن هذه الأهداف. فحتى الآن، لا تزال السياسات الحالية والتعهدات الوطنية للدول بعيدة كل البعد عن خفض الانبعاثات بالقدر الكافي لتحقيق الاستقرار المناخي.

ويشير التقرير إلى أنه لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، يجب على الدول مجتمعة أن تخفض انبعاثاتها بنسبة 55% بحلول عام 2035. أما للوصول إلى ارتفاع لا يتجاوز درجتين فقط بحلول عام 2030، فيجب تحقيق خفض بنسبة 35%. ورغم وضوح الأرقام، تؤكد الأمم المتحدة أن التعهدات الوطنية الحالية والوضع الجيوسياسي المتأزم لا يُقدمان مؤشرات واقعية على إمكانية الوصول إلى هذه النسب.

ويقول التقرير بنبرة متشائمة: "نظرًا لضخامة التخفيضات المطلوبة، وقصر الوقت المتاح، والمناخ السياسي الصعب، فمن المرجح جدًا أن يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية خلال العقد المقبل." وتضيف المنظمة أن الأمل الوحيد المتبقي هو عكس مسار التغير المناخي بعد وقوعه، وهو ما قد يكون ممكنًا بفضل تقنيات إزالة الكربون أو الابتكارات المستقبلية، لكنه خيار محفوف بالمخاطر، خاصة مع خطر تخطي ما يسمى بـ"نقاط التحول المناخي التي لا رجعة فيها"، مثل انهيار الغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية.

ولا يقتصر الخطر على ارتفاع الحرارة فحسب، بل يمتد ليشمل تداعيات بيئية وإنسانية هائلة. فارتفاع الحرارة يعني خسائر متزايدة في المحاصيل الزراعية، وتفاقم أزمات الأمن الغذائي والمائي، وازدياد حرائق الغابات والفيضانات الساحلية، وانهيار الشعاب المرجانية التي تُعد أساس التنوع البيولوجي البحري. كما يلوّح الأفق بأزمات جيوسياسية وإنسانية مع نزوح ملايين الأشخاص من المناطق غير الصالحة للعيش نحو مناطق أكثر اعتدالًا، ما سيخلق توترات جديدة في الدول المضيفة.

وفي الوقت الذي تزداد فيه الصورة قتامة، رصد التقرير جانبًا إيجابيًا محدودًا يتمثل في النمو السريع للطاقة المتجددة، حيث تجاوزت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التوقعات العالمية من حيث الكفاءة والتكلفة، ما جعل توسع استخدامها أكثر سهولة وواقعية من أي وقت مضى. كما أشار التقرير إلى أن تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون قد تُساهم مستقبلًا في دعم الجهود السياسية إذا تم تطويرها على نطاق واسع، لكنه شدد على أن هذه الحلول لا تزال مكلفة ومحفوفة بالشكوك ولا يمكن الاعتماد عليها كبديل عن خفض الانبعاثات المباشر.

ويؤكد خبراء البيئة أن هذا التقرير يشكل جرس إنذار جديد للحكومات، خاصة مع اقتراب موعد قمة المناخ المقبلة، داعين إلى الانتقال من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ الفعلي. فكل تأخير في التحرك يعني اقتراب العالم أكثر من نقطة اللاعودة المناخية، حيث لن يكون بالإمكان إصلاح ما فسد مهما بلغت التقنيات أو التمويلات.

في نهاية المطاف، يضع تقرير الأمم المتحدة المجتمع الدولي أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها: الوقت ينفد بسرعة، والقرارات السياسية اليوم ستحدد شكل الحياة على الأرض للأجيال القادمة. وبينما يواصل العالم سجالاته حول الاقتصاد والسيادة، يبدو أن المناخ يرسل تحذيراته الأخيرة قبل فوات الأوان.