حكم إقامة صلاة الجمعة في الزوايا المتقاربة
الجمعة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل أن تصلى الجمعة في المسجد الكبير الذي يسع المصلين، فإن ضاق أو بعدت المسافة بحيث لا يستطيع المصلُّون الذهاب إليه إلا بمشقة فحينئذ تجوز صلاة الجمعة في الزوايا ولا حرج فيها، على أنَّه ينبغي مراعاة ضوابط الجهات المنظمة لإقامة الجمعة في الزوايا.
بيان اختصاص الأمة المحمدية بصلاة الجمعة:
وأوضحت أن صلاة الجمعة من الفضائل التي اختص الله بها الأمة المحمدية، وشَرَّفها بها، وحَثَّها على السَّعْي إليها والاجتماع فيها والاحتشاد لها، ومما يزيد في فضلها وشَرَفها ثبوت فرضيتها بقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]؛ وذلك توخِّيًا لمعنى الترابط والائتلاف بين المسلمين.
قال العَلَّامة أبو الحسن ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 475، ط. مكتبة الرشد) متحدثًا عن فضيلة هذا اليوم وهداية الله هذه الأمة إليه: [يوم الجمعة ذَخَرَه لهذه الأمة، وهداهم له تَفَضُّلًا منه عليها؛ ففضلت به على سائر الأمم] اهـ.
مكان إقامة صلاة الجمعة:
ومن الأحكام الخاصة بصلاة الجمعة -ومنها صورة السؤال- مكان إقامتها، أي: المكان الذي تُؤدَّى فيه، والحديث في هذه المسألة يأتي من جهتين:
الأُولى: من حيث حكم صلاة الجمعة في الزوايا.
الثانية: من حيث حكم تعدد الجمعة في البلدة الواحدة.
حكم صلاة الجمعة في الزوايا:
وأضافت الإفتاء أن أداء صلاة الجمعة في الزوايا جائزةٌ، إذ ليس من شروط صحتها المسجد، بل تجوز في الفضاء الخالي من البناء وفي الزوايا وفي المصلَّى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أَنَّهُمْ كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ فَكَتَبَ: جَمِّعُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ". رواه ابن أبي شيبة في "مُصنَّفه".
وهذا يدل على أَنَّ إقامة الجمعة تجوز في أي مكان من القُرَى والـمُدن والفِنَاء وغير ذلك مِن الأماكن.
قال العظيم آبادي في "عون المعبود" (3/ 281، ط. دار الكتب العلمية): [وذهب البعض إلى اشتراط المسجد، قال: لأنها لم تقم إلا فيه، وقال أبو حنيفة والشافعي وسائر العلماء: إنه غير شرط، وهو قوي إن صحَّت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي، وقد روى صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير، ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسجد على اشتراطه] اهـ.
قال الإمام أبو بكر الحدَّادي في "الجوهرة النيرة" (1/ 88، ط. المطبعة الخيرية) عند الكلام على أحكام صلاة الجمعة: [(قوله: أو في مُصَلَّى الـمِصْر) لأنّ له حكم الـمِصْر، وليس الحكم مقصورًا على الـمُصَلَّى، بل تجوز في جميع أفنية الـمِصْر، وقَدَّروه بمنتهى حد الصوت] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (4/ 501، ط. دار الفكر) عند كلامه أيضًا على أحكام صلاة الجمعة: [قال أصحابنا: ولا يشترط إقامتها في مسجد، ولكن تجوز في ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة معدودة من خطتها، فلو صَلَّوْهَا خارج البلد لم تصح بلا خلاف، سواء كان بقرب البلدة أو بعيدًا منه، وسواء صلوها في كِنٍّ أم ساحة؛ ودليله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا كَمَا رَأيتُمُوني أصَلِّي»، ولم يُصلِّ هكذا] اهـ.