بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

فخريات

(الهمة… مقام الوعى بين ضعف الجسد وقوة الإيمان)

الهمة يا صديقى العزيز ليست مجرّد طاقةٍ أو اندفاع عابر فى الجسد، بل هى قبس من نور الله (عز وجل) فى الإنسان، يوقظه من غفوته، وينبهه إلى أن وجوده فى هذه الحياة لم يكن عبثًا، بل لرسالةٍ ساميةٍ ينبغى أن يترك أثرًا فيها قبل أن يرحل.

الهمة هى أن تسمع نداء فى داخلك، يدعوك إلى العلوّ كلّما حاولت الأرض أن تُثقل خطاك.

هى أن تسابق فى ميادين الخير، كما قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، وقال أيضًا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}.

فالهمة أن تؤمن أن كل لحظة من عمرك فرصة لأن تكون أقرب إلى الله (عز وجل)، وأن العمل مهما بدا صغيرًا، فإن النية العالية ترفعه إلى السماء. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب معالى الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها»، فالهمة العالية من محبة الله، والركون إلى الدون من صفات الغافلين.

وتأمل كلام سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) حين قال: (لا تُصَغِّروا هِمَمَكُم، فإنِّى لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عن مَعالى الأُمورِ مِن صِغَرِ الهِمَّةِ)، فهو يعلم أن القعود عن المعالى مرض الروح، وأن الهمة إذا ضعفت ماتت معها الإرادة.

إن الهمة ليست اندفاعًا مؤقتًا، بل مقامٌ من مقامات السالكين، لا يناله إلا من صدق فى طلب الحق، واستشعر قوله صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز»، فهى دعوة إلى الجمع بين القوة فى السعى، والتوكل على الله، وترك العجز والكسل.

وانظر إلى سيدنا أبى بكر الصديق (رضى الله عنه)، سابق الأمة إلى كل خير، لا يُغلب فى عزيمة، ولا يُدرك فى تضحية، حتى قيل فى حقه: (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشىء وقر فى قلبه)، أى بالإخلاص والهمة الصادقة.

الهمة هى استمرار السعى مع الإصرار والعزيمة، وارتفاع النفس فوق همّ المادة، وارتقاء الروح رغم صعوبات الطريق. وإذا سكنت الهمة قلبك، رأيت التعب لذة، والابتلاء نعمة، والطريق إلى الله أقصر مما ظننت، لأن الله قال عن عباده المخلصين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ}.

إن الهمة العالية يا صديقى العزيز لا تُستمد من الجسد، بل من الإيمان، ومن معرفة الله حق المعرفة.

هى أن ترفض حياة القعود، وأن تقول كما قال سيدنا يعقوب (عليه السلام) وهو بين الألم والرجاء: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ}. ثم لم ييأس حتى جمع الله شمله بيوسف.

هى أن تحمل يقين سيدنا موسى (عليه السلام) عند البحر، حين قال قومه: « إنا لمدركون» فقال بثبات الهمة: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ}.

فالهمة هى أن تسير فى طريقك وإن قلّ الرفاق، وأن تثق أن الوصول وعدٌ لمن صدق، لأن الله (جلّ جلاله) لا يخذل من عزم وتوكل عليه.

وهذه نفوس العلماء التى كانت مناراتٍ فى الهمة؛ قال الإمام الشافعى: (مَنْ أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم)، فالعلم عنده ثمرة الهمة، والطريق إلى الرفعة فى الدارين.

أما سيدنا عمر بن عبد العزيز فكان يقول: (إن لى نفسًا تواقة، تاقت إلى الزواج فنلته، ثم إلى الإمارة فنلتها، ثم إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسى إلى الجنة).

فتأمل كيف لا تهدأ الهمة حتى تبلغ غايتها فى رضوان الله (عز وجل).

فاللهم ارزقنا همةً تعلو فوق الأهواء، وتثبت عند البلاء، وتجعلنا من أهل المسارعة فى الخيرات، ومن أصحاب النيات العالية، الذين يعملون لك وحدك لا رياءً ولا سمعة، واهدِنا يا ربّ إلى ما تحبّ وترضى.

 

رئيس الإدارة المركزية لشئون القرآن بالاوقاف