يا خبر!
فى الشارقة.. الكتاب بطل الحكاية
فى كل مرة أزور فيها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أثناء إقامة معرض الشارقة الدولى للكتاب وعلى مدار ما يزيد على العشر سنوات يتأكد لى أن الرهان على الثقافة والمعرفة لا يخسر حتى لو تغيرت ظروف المجتمعات وتغير بالطبع إيقاع الحياة بها، فالثقافة يمكن اعتبارها مشروعا قوميا بامتياز، مشروعا لا يتقادم، ويسهل مواكبته لأى تحديث تقنى يطرأ على المجتمعات، الثقافة بإمكانها أن تبنى أمة وتكسبها طابعها الخاص، وهذا ما يتحقق بالفعل فى إمارة الشارقة لما يزيد على النصف قرن من الزمان على يد حاكمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، الرجل الحكيم المحب للعلم والثقافة، والذى اتخذ من المعرفة طريقا للنهوض بإمارته وآمن بأن الكتاب هو البطل الحقيقى فى كل الحكايات، منه نتعلم وبه نرتقى، لذلك اعتبر المكتبة فى البيت أساس التنشئة وتأتى قبل قطع الأثاث المعيشية المتعارف عليها، والشارقيون الذين يبدأون حياتهم يتسلمون بيتا به مكتبة مجهزة، فالآن لا نبالغ لو قلنا إن معظم بيوت الشارقة بها مكتبات عامرة بالكتب، فالكتاب صار فردا من أفراد الأسرة الكل يتواصل معه وبه، فلم يعد (بينك وبين الكتاب) من مسافة سوى أن تفتحه، مع الإشارة إلى أن الكلمات بين القوسين هى شعار هذا العام من معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى يعد الآن أكبر معرض للكتاب فى العالم وقد انطلقت دورته الـ ٤٤ قبل أيام قليلة، وهو المعرض الذى يعتبره أهل الشارقة بوجه خاص وأهل الإمارات عموما احتفالية قومية معرفية، فيها كل الأعمار والفئات والطبقات، الآن أوجدت فى الشارقة ثقافة اقتناء الكتاب، والصغار يقتطعون من مصروفهم طوال العام حتى يأتى معرض الشارقة ليشتروا الكتب، صار المعرض (فسحة محببة) تعطى فسحة من الأمل للأجيال الجديدة.
على مدار ما يزيد على نصف قرن من الزمان أنجزت الشارقة مشاريع كبيرة ومهمة فى دروب المعرفة وإن شئنا دقة التوصيف فنقول مشاريع عالمية باللغة العربية، كلها تؤكد عظمة وروعة اللغة العربية وآدابها وفنونها وتميزها عن سائر اللغات بديمومتها، وعمق التراث العربى والإسلامي، ففى معرض الشارقة هذا العام على سبيل المثال أعلن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الانتهاء من المرحلة الأولى للموسوعة العربية الشاملة فى العلوم والآداب والفنون والإعلام، بعدد 44 مجلّداً، ومبشرا بأنه بإذن الله ستنتهى المرحلة الثانية فى نوفمبر 2026، والثالثة فى نوفمبر 2027، والرابعة فى نوفمبر 2028، لتكتمل بالكامل وتربط الجيل المعاصر بتاريخ أسلافهم، الموسوعة تهدف إلى التعريف بالعلوم والآداب وجميع الفروع العلمية المتعلقة باللغة العربية والعلوم الشرعية والعلوم الإنسانية وفيها عرض لتراجم وسير كل العلماء والفلاسفة والأدباء والشعرء واللغويين والمفسرين والخلفاء والملوك وغيرهم منذ نشأة تاريخ العرب مروراً بالحضارة الإسلامية وعلمائها وفلاسفتها وأعلامها الذين أغنوا المكتبة المعرفية الإنسانية بشتى المصنفات والكتب بمختلف المعارف والعلوم والآداب.
سبق هذه الموسوعة فى دورات سابقة لمعرض الشارقة للكتاب إنجاز المعجم التاريخيّ للغة العربية حيث اكتملت أجزاؤه ال ١٥٠.. وفى كل دورة من المعرض هناك مفاجأة عبارة عن إنجاز جديد.
فى الشارقة ستكتشف أنك حقا من تصنع الخبر فيما يخص اللغة العربية وفنونها، فإذا كنت من سكان الشارقة فأنت دائما فى جملة عربية مفيدة سواء كانت جملة فعلية أو اسمية، ستكون أنت دائما المبتدأ والخبر.
من الأخبار المفرحة فى النسخة الـ44 من معرض الشارقة الدولى للكتاب، اختيار الكاتب المصرى الكبير محمد سلماوى شخصية العام الثقافية والاحتفاء به وبإبداعه وتجربته وتاريخه ورحلته، واختيار دولة اليونان ضيف شرف المعرض الذى يقام بمشاركة 2350 دار نشر و250 مبدعاً وأديباً ومفكراً من 66 دولة، يقدمون 120 فعالية ثقافية وإبداعية وفنية.
المشاريع الثقافية التى تشهدها إمارة الشارقة حالياً هى تكملة لمشوار طويل بدأ منذ عشرات السنين، يكفى مثلا أن نتذكر أن هذا العام ستحتفل الشارقة بمئوية المكتبة، حيث مر قرن من الزمان على تأسيس أول مكتبة عامة فى الشارقة فى العام 1925
أثبت الشيخ الدكتور سلطان القاسمى أن كلمة مشاريع ليست قاصرة على التشييد والبناء الحجرى أو حتى الاستثمار فى الاقتصاد وحديث المال.
الرجل أثبت أن الاستثمار فى العقول وبناء الإنسان وتشييد المشاريع الثقافية تحقق ربحا لا يقدر بثمن، ربحا يقاس بمقاييس من نور وبه تعلو حسابات الإنسان الحقيقية وترتفع.