بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رادار

الفاشر.. إبادة علنية أمام العالم

فى مدينة الفاشر المنكوبة - لم تعد السماء تمطر سوى نار، ولم يعد الليل يخفى شيئا من الرعب - فالدماء تسيل فى الطرقات والأطفال يختبئون خلف جدران منهارة والنساء يودعن أبناءهن كأنهن يعرفن أن الموت أقرب إليهم من الماء.. ما يجرى فى الفاشر ليس حربًا عابرة، بل إبادة جماعية ممنهجة تنفذ أمام العالم فى وضح النهار، دون أن يرف جفن لمجلس أمن، أو تهتز ضمائر العواصم الكبرى.

منذ مايو 2024 تحولت مدينة الفاشر إلى سجن كبير يطوقه الموت.. قوات الدعم السريع - تلك الميليشيا التى خرجت من عباءة (الجنجويد) سيئة السمعة - فرضت حصارا خانقا على المدينة، قطعت عنها الغذاء والدواء وقصفت الأحياء السكنية والمساجد ومخيمات النازحين.. فى إحدى الغارات على مسجد الفجر بحى الدارجة الأولى، قتل أكثر من 75 مصليًا وهم ساجدون لله، أى دين أو إنسانية تبرر هذا الدم.. فالأمم المتحدة وثقت مقتل ما لا يقل عن 782 مدنيًا خلال الشهور الأولى من الحصار، لكن الأرقام لا تجسد الحقيقة كاملة.. الحقيقة أن جثث الأطفال تدفن بلا كفن، وأن الأمهات يطبخن أوراق الأشجار بعد أن نفد الدقيق والماء وكل شيء، اليوم فى الفاشر - النجاة معجزة والحياة تُشترى بالدعاء.

فالممول واليد الخفية وراء هذا الدم الذى يسيل دون انقطاع.. معروف للجميع - يدعم مرتزقة الدعم السريع - فهؤلاء المرتزقة أصبحوا قوة جوية عاتية ليس من فراغ.. هناك تمويل خارجى ضخم مكنها من امتلاك طائرات مسيرة وأسلحة متطورة، فى وقت يعجز فيه جيش نظامى عن توفير الغذاء لمقاتليه.. فهناك تقارير دولية وإقليمية عديدة أشارت إلى دعم مالى ولوجستى من بعض القوى الخليجية، المعروفة للقاصى والدانى، التى وفرت لقادة الدعم السريع الغطاء المالى والتحرك السياسى، بينما تنكر أى علاقة رسمية بذلك. لكن الوقائع على الأرض لا تكذب.. كيف لميليشيا قبلية أن تمتلك هذا التسليح وهذه التكنولوجيا من دون دعم خارجى؟.

فما يجرى فى مدينة الفاشر وغيرها من المدن والولايات ليس عشوائيا.. إنه مخطط لإفراغ دارفور وغيرها من المدن السودان من مكوناته الأصلية - الهدف هو إعادة رسم خريطة بشرية جديدة، تقصى من تبقى من الشعب السودانى الحر، وتحكم السيطرة على الأرض والثروات عبر وكلاء محليين.. إنها وصمة عار على جبين العالم - فالمأساة ليست فى القتلة وحدهم، بل فى الصمت المريب للمجتمع الدولى.. فالأمم المتحدة ما زالت تكتفى بالقلق، والدول الكبرى تصدر بيانات باهتة، بينما يموت الأبرياء جوعًا وقصفًا.. فالعالم الذى انتفض من أجل أوكرانيا، يتجاهل السودان كأنه بلد خارج الإنسانية - كما تجاهل أهل غزة على مدار عامين من الإبادة والتجويع الممنهج.

كيف يمكن أن تُقصف المساجد والمستشفيات أمام الأقمار الصناعية وشاشات الأخبار، ولا يتحرك جندى واحد لإنقاذ الأرواح.. أليست هذه إبادة معلنة؟.. أليس السكوت عن القتل مشاركة فيه؟.. فما يجرى فى الفاشر هو أكثر من مأساة، إنه فصل جديد من جرائم القرن، المدنيون يبادون بالذل والمهانة والجوع والقصف، والمجرمون يتفاخرون بانتصاراتهم على جثث هؤلاء الأبرياء - نعم إنها محاولة لمحو هوية، لطمس تاريخ، بل لاقتلاع شعب من جذوره.. فالتاريخ سيسجل أن العالم شاهد - ولم يفعل.. وأن الفاشر نزفت حتى الرمق الأخير، تنادى الضمير الإنسانى فلا أحد لبى النداء.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى 

 

[email protected]