بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

تعذيب الأسرى بسجون إسرائيل وقانون إعدام الفلسطينيين

في الوقت الذي تناقش فيه الأوساط الإسرائيلية مشاريع قوانين تتعلق بإعدام الأسرى الفلسطينيين، تتكشف على الجانب الآخر فضائح متكرّرة تمسّ ما يسمّى بـ"العدالة العسكرية"، بدءًا من اعتقال المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية المستقيلة يفعات تومر يروشالمي، على خلفية فيديو مسرب يظهر الاعتداء على أسير فلسطيني، وصولًا إلى منظومة كاملة تغذّي ثقافة الإفلات من العقاب، وتشرعن التعذيب والإبادة تحت شعار "الأمن القومي".
ليست بالتأكيد الحادثة التي تسرّب تسجيلها واقعة معزولة؛ فحادثة تعذيب أسير فلسطيني على أيدي خمسة من ضباط الجيش الإسرائيلي داخل معتقل قاعدة سديه تيمان سيئة السمعة تكشف عن واقعٍ ممنهج، إذ تحوّلت هذه القاعدة في الأشهر الأخيرة إلى مركز احتجاز وتعذيب مغلق للفلسطينيين الذين أُسروا خلال الحرب الأخيرة على غزة.
وفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية وحقوقية، فإن الأسير الفلسطيني نُقل إلى المستشفى في حالة خطيرة بعد أن تعرض للاغتصاب بآلة حادة عند فتحة الشرج، وظهرت على جسده آثار جروح وكدمات خطيرة. ورغم هول الجريمة، حاولت المؤسسة العسكرية التغطية على الحادثة، وجرى التعامل معها في البداية بوصفها "حادثاً فرديًا"، قبل أن تتضح بشاعتها وطابعها المنهجي، إذ أكدت شهادات من داخل القاعدة أن التعذيب اليومي أصبح ممارسة اعتيادية بإشراف ضباط في جهاز الأمن العسكري.
منذ عقود؛ لم يتوقف الحديث عن ممارسات التعذيب المنهجية التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، سواء خلال التحقيق أو في مراكز الاعتقال الميدانية، وثّقت تقارير منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش وبتسيلم والعفو الدولية، مئات الحالات التي استُخدِم فيها الضرب المبرّح، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والعزل الانفرادي لفترات طويلة، والاعتداءات الجنسية والنفسية.
اعتبر بنيامين نتنياهو أن تسريب مقطع تعذيب الأسير هو "أخطر هجوم دعائي ضد إسرائيل عبر تاريخها"، والحقيقة أن هذه الحادثة ليست استثناءً في سجل الجيش الإسرائيلي، بل امتداد لسياسةٍ متجذّرة منذ عقود، تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم أهداف أمنية لا بشرية،  فخلال الحرب الأخيرة على غزة، أُعلن عن احتجاز عشرات الفلسطينيين أحياء ثم إعادة جثامينهم مشوهة بعد إقرار وقف إطلاق النار، في انتهاك صارخ معتاد للقانون الدولي الإنساني، وقد وثقت منظمات دولية أن بعض الجثث أعيدت بعد تعرضها لكسور وتعذيب وحروق وتشويه، مما يؤكد أن القتل جرى بعد الأسر، لا خلال الاشتباك.
وفي هذا السياق؛ مرّ بالقراءة الأولى مشروع قانون في الكنيست يكرّس الإعدام على الهوية، فقد أقرت لجنة الأمن "القومي" مشروع "قانون الإعدام للإرهابيين "الذي تقدّمت به عضو الكنيست ليمور سون هر-ملك، عن حزب عوتسما يهوديت الذي يتزعمه ايتمار بن جفير، وهو مشروع يثير عاصفة أخلاقية وسياسية داخل إسرائيل نفسها.
المشروع، الذي يُتوقع التصويت عليه في جلسة الأربعاء، يجعل عقوبة الإعدام إلزامية دون سلطة تقديرية للقضاة، وهو أمر لا يوجد في أي دولة غربية، حتى في الولايات المتحدة التي ما زال بعض ولاياتها تطبّق العقوبة، الأخطر أن القانون يربط تنفيذ الإعدام بالدافع "العدائي تجاه دولة إسرائيل ونهضة الشعب اليهودي في أرضه"، ما يعني عمليًا أنه سيُطبق على الفلسطينيين والعرب فقط، بينما يُستثنى "الإرهابيون" اليهود لأنهم – وفق تعريف القانون نفسه – لا ينوون "الإضرار بدولة إسرائيل".، كما يهدف المشروع إلى تسهيل فرض عقوبة الإعدام في الضفة الغربية، بل تحويلها إلى عقوبة لا يمكن تخفيفها إطلاقًا، في تناقض صريح مع القانون الدولي المطبق على الأراضي المحتلة.
بهذا المعنى، يتحول القانون إلى تشريع عنصري بامتياز، يكرّس الفصل بين دم يهودي ودم فلسطيني عربي، إنه ليس مجرد قانون عقابي، بل خطوة لإضفاء الشرعية على سياسة القتل والتصفية الجسدية، سواء داخل السجون أو خارجها، تضاف إلى خطوات إسرائيل وجيشها لإبادة الفلسطينيين.
لا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن البنية الأيديولوجية للجيش الإسرائيلي الذي لطالما استخدم الدين و"القومية" لتبرير جرائمه ضد الفلسطينيين، اليوم، تنتقل إسرائيل من مرحلة القتل والإبادة "بحكم السلاح" إلى القتل "بحكم القانون"، ومن التعذيب في الظل إلى التشريع العلني له في الكنيست.

كاتب وشاعر، صحفي حر، أكاديمي، مُدرس الأدب العبري الحديث والدراسات الإسرائيلية، كلية الآداب، جامعة المنصورة، مصر
[email protected]