بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

108 أعوام من وعد «بلفور»

إبادة غزة.. وإجهاض صهيونى لإقامة الدولة الفلسطينية فى الضفة

بوابة الوفد الإلكترونية

عَسْكرة الاستيطان.. و«البقرة الحمراء» قربان الهيكل لتهويد الأقصى

على مدار 108 أعوام من نكبة العرب التى بدأت بوعد «بلفور» وليس من نكبة فلسطين عام 1948 ولا تزال الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى مستمرة تصاعدت منذ السابع من اكتوبر 2023 فى قطاع غزة ما أسفر عن أكثر من 240 ألف شهيد ومصاب ومفقود ومعتقل حتى الآن فيما تجرى مخططات التهجير والتقسيم على نار هادئة على الرغم من خطط السلام.

يشكل وعد بلفور الموقع بمداد الدم العربى الفلسطينى فى الثانى من نوفمبر 1917، خطيئة تاريخية وكارثة تسببت بمعاناة الشعب الفلسطينى، المستمرة، عندما منح من لا يملك لمن لا يستحق، مؤسسًا للاحتلال والاستعمار والتهجير القسرى، الذى تعرض له الفلسطينيون ولا يزالون يواجهون آثاره حتى اليوم.

كان وزير خارجية بريطانيا «آرثر بلفور» قد وجه فى الثانى من نوفمبر عام 1917، رسالة إلى اللورد «ليونيل والتر روتشيلد»، أحد زعماء الحركة الصهيونية، أبدت فيها حكومة بريطانيا دعمها لإنشاء «وطن قومى للشعب اليهودى» فى فلسطين.

وجاء فى نص الرسالة أن الحكومة البريطانية ستعمل على تسهيل تحقيق هذا الهدف، مع التأكيد على أن هذا الدعم لن يمس الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية فى فلسطين، ولا الوضع السياسى لليهود فى الخارج.

وتزامن الوعد مع احتلال بريطانيا لكامل أراضى فلسطين التاريخية عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى. وفى الأعوام التالية، حصل الوعد على موافقات دولية متتالية، حيث أيدته إيطاليا وفرنسا فى 1918، ثم تبعته الولايات المتحدة واليابان عام 1919، والذى منحت بموجبه العصابات الصهيونية حقوقا على حساب الشعب الفلسطينى فى أرض فلسطين التاريخية، أراضى وقفية لا يجوز التنازل عنها أو الانتفاع بها، منذ ذلك الوقت.

وشهدت فلسطين موجات متتالية من المجازر والاعتداءات التى أودت بحياة مئات آلاف المدنيين الأبرياء. ورغم مرور أكثر من قرن على تلك الواقعة، يواصل الاحتلال الإسرائيلى، بدعم أمريكى وأوروبى، ومقابل صمت عربى ودولى مخجل إلا من مصر التى لا تزال تقبض على الجمر وتقف وحدها فى وجه العاصفة كسد منيع إجهاضا لتهجير الشعب الفلسطينى ومنعا لتصفية قضيته فى ظل انتهاكات الاحتلال اليومية ضد الفلسطينيين، فى قطاع غزة والضفة المحتلة.

ويصف الفلسطينيون هذا اليوم بـ «اليوم الأسود»، معتبرين أن الوعد كان البداية لاقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم، وسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.

كما أطلق الفلسطينيون على الوعد اسم «وعد ما لا يملك لمن لا يستحق»، فى إشارة إلى بريطانيا من جهة، ولليهود من جهة أخرى.

ويطالب الشعب الفلسطينى بريطانيا بالاعتذار عن هذا الظلم التاريخى وتصحيح ما تسبب به الوعد من مأساة إنسانية، لكن بعد أكثر من مئة عام، يبقى السؤال: هل ستتحمل بريطانيا مسئوليتها أخيرا؟

وتتصاعد اعتداءات المستعمرين ومصادرة الأراضى وتدمير الممتلكات تحت حماية حكومة الاحتلال كما عادت قضية البقرة الحمراء العاشرة فى باحات المسجد الأقصى إلى الواجهة بشكل مستمر، ليس كطقس دينى فحسب، بل كعامل سياسى واستراتيجى مرتبط بجماعات الهيكل داخل الصهيونية الدينية. ووفق المعتقدات اليهودية، تمثل هذه البقرة شرطًا أساسيًا لإتمام طقس التطهير الذى يمهد لإعادة بناء الهيكل الثالث، وهى طقوس نادرة ومعقدة بسبب الشروط الصارمة على البقرة نفسها، ومن سيؤدى الطقس، ومتى وأين؟.

وتفرض الشريعة اليهودية أن تكون البقرة أنثى، حمراء بالكامل تقريبًا، بلا شعرة بيضاء أو سوداء، لم تُحلب أو تُستخدم فى أى نشاط سابق، ولا تحمل أى عيب جسدى. يتم ذبحها، وحرق جسدها، ثم خلط الرماد مع الماء لاستخدامه فى طقس التطهير، ما يمكّن اليهود من أداء الطقوس الدينية فى الهيكل.

وارتبط نشاط جماعات الهيكل مباشرة بالتصاعد فى الاقتحامات السنوية للمسجد الأقصى، حيث ارتفع عدد المقتحمين من نحو أربعة آلاف إلى نحو 50 ألفًا بينما تعتبر تربية البقرات جزءا من المشروع الاستراتيجى الدينى والسياسى.

كما تمثل البقرة الحمراء لدى اليهود مفتاحا لإتمام طقس التطهير، وتلعب دورا مركزيا فى تعزيز النفوذ الرمزى للمجموعات المتطرفة.

وقد أثارت قضية البقرة الحمراء ردود فعل فلسطينية وعربية واسعة. ناقش الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وملك الأردن «عبدالله الثانى» استيراد البقرات، فيما حذرت كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة المقاومة الفلسطينية حماس من تداعيات ذلك، مشيرة إلى أن هذه الخطوة أحد أسباب تصعيد بعد حرب غزة. ويخشى الفلسطينيون أن يؤدى تقديم البقرة إلى تغييرات ملموسة فى الوضع القائم، بما يشمل إعادة توزيع المساحات داخل الأقصى وفرض واقع جديد على الأرض.

ففى الوقت الذى ينشغل فيه العالم بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى فى قطاع غظة رغم اتفاق وقف اطلاق النار فى اكتوبر الماضى، تدفع سلطات الاحتلال بخطة ضم متسارعة فى الضفة المحتلة تبدو وكأنها الحرب الأكثر حسما فى مستقبل الصراع.

وتستثمر حكومة الاحتلال الانشغال الدولى لترسيخ سيطرتها على الضفة بهدوء استراتيجى، انطلاقا من رؤية تعتبر أن اللحظة الراهنة هى نافذة تاريخية لتغيير قواعد الصراع. ولا يهدف هذا التغيير إلى الاحتلال فقط بل إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية ومنع قيام الدولة الفلسطينية نهائيا.

ومنذ احتلال الضفة عام 1967، لم يكن الأمن الإسرائيلى مجرد ذريعة عسكرية لاحتلال مؤقت، بل تحول إلى المنظور البنيوى الذى تعاد من خلاله صياغة الجغرافيا والسيادة. وتسيطر إسرائيل فعليا اليوم على أكثر من 60% من مساحة الضفة المحتلة ولم تعد المستوطنات الصهيونية مجرد تجسيد لأيديولوجيا «أرض الميعاد»، بل أصبحت خطوط دفاع متقدمة فى بنية الأمن القومى الإسرائيلى. بل تعمدت الحكومات المتعاقبة إلى إنشاء مستوطنات ضخمة على المرتفعات الشرقية والغربية للضفة مثل «آريئيل» و«معاليه أدوميم»، لتعمل كـ«حواجز طبيعية» تفصل المدن الفلسطينية عن بعضها البعض.

ولم تؤدٍ هذه الاستراتيجية فقط إلى بتر أوصال الضفة وتحويلها إلى جزر سكانية محاصرة، بل أسست لمنظومة أمنية ميدانية متكاملة تغنى عن الوجود العسكرى المباشر. ومع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، دخلت خطة الضم بالضفة إلى مرحلة جديدة تعرف بـ «عسكرة الاستيطان»

ومنحت حكومة «بنيامين نتنياهو» الضوء الأخضر لتسليح المستوطنين وتشكيل ميليشيات محلية تحت إشراف وزارة الأمن القومى التى يقودها المتطرف إيتمار بن غفير. وهكذا تحولت المستوطنات إلى وحدات دفاعية ميدانية، والمستوطن إلى «جندى مدنى» فى خدمة المشروع القومى.