علي جمعة: التصوف منهج التربية يرقى به المسلم إلى مرتبة الإحسان
التصوف.. قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن التصوف هو منهج التربية الروحية والسلوكية الذي يرقى به المسلم إلى مرتبة الإحسان، التي عرَّفها النبي ﷺ: «أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك». فالتصوف برنامج تربوي يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل، وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله، ومع الآخر، ومع الذات.
منهج التصوف:
وأوضح جمعة أن الطريقة الصوفية هي المدرسة التي يتم فيها ذلك التطهير النفسي والتقويم السلوكي، والشيخ هو القيِّم أو الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد.
وأضاف أن النفس البشرية بطبيعتها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل: الكِبْر، والعُجْب، والغرور، والأنانية، والبخل، والغضب، والرياء، والانتقام، والكُره، والحقد، والخداع، والطمع، والجشع، قال تعالى حكايةً عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ ومن أجل ذلك فطن أسلافنا الأوائل إلى ضرورة تربية النفس، وتخليصها من أمراضها؛ لتتوافق مع المجتمع وتفلح في السير إلى ربها.
طريق التصوف:
والطريقة الصوفية ينبغي أن تتصف بأمور، منها:
أولًا: التمسك بالكتاب والسنة؛ إذ إن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فليس من الطريقة، بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه.
ثانيًا: لا تُعَدُّ الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة، بل هي جوهرها.
مظاهر التصوق:
وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث عليها القرآن الكريم، وهي:
أولًا: الاهتمام بالنفس، ومراقبتها، وتنقيتها من الخبيث، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
ثانيًا: كثرة ذكر الله عز وجل، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. وقال النبي ﷺ: «ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله».
ثالثًا: الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بها، والرغبة في الآخرة، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
التصوف
أما عن الشيخ الذي يُلقِّن المريدين الأذكار، ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث، وشفاء قلوبهم من الأمراض، فهو القيِّم أو الأستاذ يرى منهجًا معينًا هو الأكثر تناسبًا مع هذا المريد أو ذاك.
وكان من هدي النبي ﷺ أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلى الله وفقًا لتركيبته النفسية المختلفة؛ فيأتيه رجل فيقول: يا رسول الله، أخبرني عن شيء يبعدني عن غضب الله، فيقول النبي ﷺ: «لا تغضب». ويأتيه آخر يقول: أخبرني عن شيء أتشبث به، فيقول له النبي ﷺ: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله». وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يكثر من القيام بالليل، ومنهم من يكثر من قراءة القرآن، ومنهم من يكثر من الجهاد، ومنهم من يكثر من الذكر، ومنهم من يكثر من الصدقة.
التصوف في الإسلام
وهذا لا يعني ترك شيء من العبادة، وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلى الله توصله إلى الله عز وجل، وعلى أساسها تتعدد أبواب الجنة، ولكن في النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة، يقول النبي ﷺ: «لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يُدعون بذلك العمل، ولأهل الصيام باب يُدعون منه يقال له: الريان». فكذلك الطرق تعد المداخل والأساليب وفقًا للشيخ والمريد نفسه؛ فمنهم من يهتم بالصيام، ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر، ولا يهمل الصيام، وهكذا.