رؤية
أدب الاختلاف
يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: «إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (أخرجه البخارى)، فالفُجْرُ فى الخصومة من أخص صفات المنافقين.
وقد علمنا ديننا الكريم الصفح والعفو والإعراض عن الجاهلين فقال سبحانه: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» (الحجر: ٨٥)، وقال سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (الأعراف: ١٩٩)، وحتى فى حالة الاضطرار إلى الهجر فليكن هجرا جميلا بلا أذى، حيث يقول الحق سبحانه: «وَاصْبِرْ عَلَىمَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا» (المزمل: ١٠).
ولم يكن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم سبابا ولا لعانا ولا فاحشا فى قول أو فعل، فقد أخرج الإمام البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبَّابًا، ولَا فَحَّاشًا، ولَا لَعَّانًا»، وأخرج عن عبدالله بن عمرو رضى اللّه عنهما أنه قال: «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا»، وأخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالَ: «إنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً»، فمن أحبّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اتّبع هديه وعمل بسنته.
ثم إن القرآن الكريم يبين لنا أننا محاسبون على كل لفظ وكلمة، يقول سبحانه: «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(ق: ٢٨)، ولما سأل سيدنا معاذ بن جبل سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟» قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:»ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ فى النَّارِ على وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم» (أخرجه الترمذى والنسائى)، ويقول الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم فى المقابر من قتيل لسانه
كانت تهابه لقاءه الشجعان
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِى لها بالًا يَهْوِى بها فى جَهَنَّمَ» (اخرجه البخارى).
فما أحوجنا إلى العفة فى القول، وفهم أدب الاختلاف دينيا كان أم سياسيا، والتعامل مع الأمور بعقلانية وموضوعية، بعيدا عن الشتم والسباب وقذف الأعراض، والخروج عن نقد القول إلى ازداء قائله أو إرهابه، أو تسليط كتائب المخالفين له لنهش عرضه وربما سفك دمه، فالحجة تواجه بالحجة لا السباب، والفكر يواجه بالفكر لا سفك الدماء طالما أن صاحبه لم يحمل سلاحا ولم يروع آمنا.
لقد دعانا ديننا الحنيف إلى استخدام العقل واحترامه ونهانا عن العصبية المقيتة العمياء وعلمنا أدب الحوار فى مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأمرنا أن ندعو إلى الله عز وجل على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة وإذا اضطررنا إلى المحاججة، فبالتى هى أحسن، يقول الحق سبحانه: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَن ُإِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل: ١٢٥)، ويقول سبحانه: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّه ِعَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (يوسف: ١٠٨).
الأستاذ بجامعة الأزهر
 
            
       
                  