رغم تحسن مؤشرات الاقتصاد .. ارتفاع الاسعار عرض مستمر
مواطنون: مش عايزين تصنيف يفرّح البنوك.. عايز تصنيف يفرّح البيوت
خبراء: التصنيف يقيس الجدارة الائتمانية.. لا الرفاهية
الغايش: الإصلاح الحقيقى يبدأ من جيب المواطن
أبوزيد: التحسّن يحتاج إلى وقتًا ليصل إلى الناس
فى الوقت الذى احتفت فيه المؤسسات المالية الدولية بقرار رفع التصنيف الائتمانى لمصر إلى درجة أعلى، معتبرةً ذلك «إشارة على تحسّن الاستقرار المالى وثقة المستثمرين»، بدت الشوارع والأسواق المصرية وكأنها تعيش فى عالم آخر؛ حيث تتحدث الأسعار بلغة لا تعرف الأرقام المجرّدة، بل وجع الجيوب الفارغة.
وبينما تتحدث التقارير الرسمية عن تعافٍ تدريجى فى مؤشرات الاقتصاد، يقول المواطنون إنّ التحسّن لم يتجاوز صفحات البيانات، وإنّ واقعهم لا يزال أسير الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، تبدو المفارقة صارخة: مؤسسات التصنيف تشيد بالإصلاحات، فيما المواطن البسيط يرى أن ثمار تلك الإصلاحات لم تنضج بعد- وربما لم تُزرع له أصلًا، وهو ما نرصده فى هذا التحقيق.
مشهد من الشارع
على الرغم من بشائر الأخبار الاقتصادية التى تتحدث عن تحسن التصنيف الائتمانى لمصر، يتردد صدى هذه الأرقام كهمس بعيد فى أروقة الأسواق الشعبية، حيث يصارع المصريون يوميًا من أجل البقاء وتُباع أحلام الطبقة المتوسطة بجوار حبات الطماطم، والفجوة القاتلة بين الأداء الكلى للاقتصاد والواقع المعيشى المتردى للمواطن.
إنها حكاية التناقض المرير التى عاشها سيد عبدالعزيز، موظف فى الخمسين من عمره، الذى كان يقف فى أحد أسواق الجيزة، وعيناه لا تجدان موطئ قدم للراحة بين أسعار الخضار الملتهبة وميزانية أسبوعه الهزيلة.. فبصوت مثقل بالمرارة والسخرية التى ولّدتها خيبات الأمل المتكررة، قال عبدالعزيز: «بيقولوا مصر اتقدّر تصنيفها الائتماني؟ حلو.. بس هو ده يخلى كيلو الطماطم يرخص؟ ولا العيش يبقى ببلاش؟ إحنا مش شايفين غير ارتفاع فى كل حاجة». كلماته ليست مجرد شكوى؛ إنها صرخة أب يرى قدرته على إعالة أسرته تتآكل أمام عينيه، ليصبح حقه فى غذاء بسيط ترفًا بعيد المنال.
الركض خلف الأسعار
كانت ملامح العجز محفورة على وجه منال عبدالمجيد، ربة منزل، التى لم تستطع ملء أكياسها التى بدت نصف فارغة. تتحدث منال عن عملية التسوق وكأنها عملية جراحية مؤلمة: «أنا مبقتش أشترى زى زمان.. بقيت أختار اللى ضرورى بس.. الحكومة بتقول فى إصلاحات، بس إحنا بنحس العكس. المرتب زى ما هو، والأسعار بتجرى جري».
هذه الجملة تلخص المأساة العائلية: جهود ربات البيوت المضنية لـ«تحجيم» الاحتياجات وتقليص الوجبات، والمقارنة المؤلمة بين ما كان يمكن شراؤه بالأمس وما يمكن شراؤه اليوم. بالنسبة لمنال، أصبح المرتب شهرًا بعد شهر مجرد نقطة ثابتة لا حول لها ولا قوة أمام فيضان الأسعار الذى يجرف كل مدخر أو أمل.
همّ الصباح الباكر
بعيدًا عن هموم السوق، وفى حيّ شعبى آخر، يجلس مصطفى شوقى، سائق الميكروباص، على ناصية الطريق. يرى شوقى الأزمة من زاوية من يحملون الناس على عاتقهم يوميًا.
يقول، وعيناه زائغتان: «اللى بيقرروا التصنيفات دى شكلهم ما ركبوش مواصلات ولا دخلوا سوق. كل يوم بنصرف أكتر، والناس بقت تشيل الهم قبل ما تصحى من النوم». همّ شوقى هو تضاعف تكلفة صيانة مركبته، وهمّ زبائنه هو تذكرة المواصلات التى تزيد بلا رحمة. هذا الهم أصبح يسبق الاستيقاظ، يرافق القلق من يوم جديد يفرض فيه التضخم سطوته على الأحلام البسيطة: سقف آمن، ووجبة مغذية، ومستقبل غير مثقل بالديون.
إن هذه المشاهد المأساوية تضع أمام صانعى القرار تحديًا وجوديًا: هل ستُترجم المؤشرات الكلية الإيجابية إلى إغاثة حقيقية وفورية للملايين الذين يواجهون الغلاء، أم ستبقى الأرقام مجرد إحصائيات تقنية لا تلامس جلد المعاناة؟ فما يطلبه الشارع ليس تصنيفًا دوليًا، بل حياة كريمة يستحقها كل مواطن.
الاقتصاد يتعافى على الورق
فى المقابل، تشير بيانات المؤسسات الدولية إلى تحسّن مؤشرات الاقتصاد المصرى خلال النصف الثانى من عام 2025، فقد ارتفع احتياطى النقد الأجنبى، واستقر سعر الصرف بعد فترة اضطراب، وبدأت معدلات التضخم تتراجع من مستوياتها القياسية، فوكالة «ستاندرد آند بورز» رفعت تصنيف مصر من B- إلى B مع نظرة مستقرة، معتبرة أن «الاقتصاد المصرى أظهر مرونة وقدرة على استعادة التوازن المالي».
لكنّ خبراء الاقتصاد فى الداخل ينظرون إلى هذه الخطوة بحذر: «التصنيف الائتمانى يعتمد على قدرة الدولة على سداد التزاماتها، وليس على رفاهية المواطنين.. بمعنى آخر، من الممكن أن يتحسّن التصنيف بسبب نجاح الحكومة فى تقليل العجز أو الحصول على تمويل خارجى، بينما تبقى معاناة المواطن كما هى، لأنّ دخله لم يتحسّن ولا قدرته الشرائية زادت، وباتالى فإن تلك الترقيات لا تعنى بالضرورة تعافى الاقتصاد الحقيقى، بل تعكس الثقة فى الإدارة المالية للدولة أكثر من انعكاسها على الحياة اليومية.
ورغم الاعتراف الدولى الأخير بتحسّن مؤشرات الاقتصاد المصرى، لا يزال المواطن المصرى يتساءل عن مدى انعكاس هذه الأرقام على حياته اليومية. وبينما تتحدث التقارير الدولية عن رفع التصنيف الائتمانى وتراجع معدلات التضخم، يرى الدكتور حسام الغايش، الخبير الاقتصادى، أن الاحتفاء الخارجى لا يعنى بالضرورة تحسنًا ملموسًا فى الواقع المعيشى».
تحسّن بحذر
يقول الغايش لـ«الوفد»: «لا يمكن إنكار أن بعض المؤشرات الاقتصادية فى مصر شهدت تحسنًا نسبيًا خلال العام الجارى، فوكالة ستاندرد آند بورز (S&P) رفعت تصنيف مصر الائتمانى من B- إلى B مع نظرة مستقرة، وهى أول ترقية منذ سنوات، ما يعكس ثقة الأسواق الدولية فى الإصلاحات الجارية».
وأضاف: «هذا التحسّن جاء نتيجة خطوات جادة نحو تحرير سعر الصرف وتوحيده، وإعادة ضبط السياسات المالية، مما عزّز مناخ الثقة لدى المستثمرين، وساهم فى استقرار سوق الصرف».
وأشار الغايش إلى أن معدلات التضخم التى كانت قد بلغت ذروتها عند نحو 38% فى سبتمبر 2023، بدأت فى التراجع إلى 14.9% فى يونيو 2025، متوقعًا أن تنخفض تدريجيًا إلى نحو 12.5% خلال العام المالى 2025/2026، ثم إلى 9.5% فى العام التالى، وهو ما يراه «مؤشرًا على بدء استعادة التوازن النقدى».
المواطن لم يشعر بالتحسن
لكن الغايش يؤكد أن هذه المؤشرات «لا تكفى وحدها»، قائلًا: حين ننتقل من لغة الأرقام إلى واقع الشارع، نجد أن المواطن لا يشعر بتحسّن فى معيشته، فأسعار السلع الأساسية والطاقة والمواصلات ما زالت مرتفعة، والرواتب لم تواكب هذه الزيادات.، موضحا أن التضخم المعلن «قد يكون متوسطًا عامًا يخفى وراءه تفاوتًا كبيرًا بين السلع»، مضيفًا أن «الطعام والدواء تحديدًا يشهدان ضغوطًا أكبر، ما يدفع الأسر إلى خفض استهلاكها أو التخلى عن بعض احتياجاتها الأساسية».
لمس حياة الناس
ويرى الغايش أن الإصلاح الاقتصادى الحقيقى يجب أن يُوجَّه نحو تحسين القطاعات الحيوية التى تمس المواطن مباشرة، موضحًا: تحسين التعليم، ودعم الغذاء والطاقة والصحة والمواصلات، سيُحدث أثرًا فوريًا يشعر به الناس.
كما شدد على أهمية «تعزيز الإنتاج المحلى وتقليل الاعتماد على الواردات»، عبر دعم الصناعات الزراعية والتصنيع والابتكار، إلى جانب توسيع شبكات الحماية الاجتماعية للفئات المتوسطة والفقيرة.
وأضاف الغايش: الشفافية والمساءلة فى تنفيذ المشاريع ضرورية لاستعادة الثقة، وعلى الحكومة أن تضع خططًا مرنة لمواجهة أى صدمات اقتصادية مستقبلية، مع مراقبة الأداء وقياس الأثر الاجتماعى للإصلاحات بشكل دورى، يختتم حديثه قائلًا: ما نحتاجه ليس فقط نموًا فى الأرقام، بل تحسنًا فى نوعية الحياة. الإصلاح الناجح هو الذى يشعر به المواطن فى قدرته على الإنفاق وجودة الخدمات التى يحصل عليها.
أكد الدكتور مصطفى أبوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، أن التقارير الدولية الأخيرة التى أشادت بتحسن التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى مجموعة من المؤشرات الإيجابية التى تعكس تحسنًا حقيقيًا فى الأداء الاقتصادى خلال العام المالى 2024/2025.
وأوضح أبوزيد لـ«الوفد»، أن قرار وكالات التصنيف جاء مدعومًا بتحقيق معدل نمو اقتصادى بلغ 4.4%، مدفوعًا بقطاعات حيوية مثل السياحة، والصناعات التحويلية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأضاف أن هذه القطاعات كانت من أبرز محركات التعافى الاقتصادى، إلى جانب الزيادة الملحوظة فى التدفقات الدولارية من إيرادات السياحة التى ارتفعت إلى 12.6 مليار دولار، والصادرات المصرية التى بلغت 40.2 مليار دولار، فضلًا عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى سجلت 12.2 مليار دولار، وتحويلات المصريين بالخارج التى وصلت إلى 36.5 مليار دولار.
وأشار إلى أن الاحتياطى النقدى الأجنبى ارتفع إلى نحو 49.5 مليار دولار، مع تحسن صافى الأصول الأجنبية بالبنك المركزى ليصل إلى 10.6 مليار دولار، وهو ما يعكس قوة الجهاز المصرفى المصرى وقدرته على دعم استقرار الجنيه أمام الدولار.
وفيما يتعلق بمؤشر التضخم، أوضح أبوزيد أنه تراجع إلى 11.7% بعد أن كان قد بلغ ذروته عند 38% فى سبتمبر 2023، مشيرًا إلى أن هذا الانخفاض يعكس نجاح السياسات النقدية والمالية فى كبح جماح الأسعار وإعادة الاستقرار للأسواق.
وأضاف قائلًا: «الأزمة التى مر بها الاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين كانت نتيجة نقص السيولة الدولارية وتكدس مستلزمات الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع كبير فى الأسعار، لكن مع تطبيق إجراءات الإصلاح الاقتصادى وتحرير سعر الصرف وفق آليات العرض والطلب، بدأت دورة الإنتاج تستعيد توازنها تدريجيًا».
وأشار إلى أن تحسن القوة الشرائية للمواطنين بات ملموسًا مع تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار، لافتًا إلى أنه كلما انخفض معدل التضخم إلى رقم أحادى- أى دون 10%- سيشعر المواطن بتحسن أكبر فى معيشته.
واختتم بالقول: «استدامة النمو الاقتصادى تتطلب استمرار الحكومة فى دعم القطاع الخاص لزيادة المعروض السلعى، وتحفيز التصدير، وتنويع مصادر الدخل، إلى جانب الحفاظ على استقرار الأوضاع الإقليمية والعالمية التى تؤثر فى جزء من التضخم المستورد».
ومن جانبه، أكد الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادى، أن رفع التصنيف الائتمانى لمصر يعكس بوضوح مدى تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطنى وزيادة ثقة المؤسسات الدولية فى أداء الدولة المالى والاقتصادى، مشيرًا إلى أن هذا التطور يمثل رسالة طمأنة قوية للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
وأوضح خضر لـ«الوفد»، أن التصنيف الائتمانى الإيجابى ينعكس بشكل مباشر على سمعة الاقتصاد المصرى عالميًا، ويؤكد أن الدولة تسير فى مسار مستقر للإصلاح المالى، مما يساهم فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتقليل المخاطر أمام المستثمرين.

تعزيز ثقة المستثمرين
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن تحسين التصنيف الائتمانى يسهم فى تقليل تكلفة الاقتراض سواء للحكومة أو الشركات، نتيجة انخفاض معدلات الفائدة على القروض، الأمر الذى يؤدى إلى توسيع النشاط الاقتصادى وتمكين القطاع الخاص من تنفيذ مشروعاته التنموية بسهولة أكبر.
وأضاف أن التصنيف المرتفع يساعد فى تسهيل الحصول على التمويلات الدولية، حيث تنظر المؤسسات المالية إلى الدول ذات التصنيف المرتفع على أنها أكثر استقرارًا وقدرة على السداد، مما يفتح الباب أمام مشروعات كبرى فى مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة.
خلق فرص عمل جديدة
وقال خضر إن رفع التصنيف يمثل حافزًا مباشرًا لـتحفيز النمو الاقتصادى من خلال زيادة الاستثمارات وتوسيع قاعدة الإنتاج، ما يؤدى إلى خلق فرص عمل جديدة ورفع معدلات التشغيل، إضافة إلى دعم بيئة الأعمال الابتكارية وتشجيع الشركات الناشئة على دخول السوق بثقة.
وأضاف أن هذا النمو ينعكس أيضًا على تحسين المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل معدلات التضخم والبطالة، وتعزيز الاستقرار المالى العام، ما يجعل الاقتصاد أكثر قدرة على مواجهة الأزمات والصدمات الخارجية.
انعكاس إيجابى
وأوضح خضر أن رفع التصنيف الائتمانى لمصر لا يقتصر أثره على المؤسسات المالية فقط، بل يمتد إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، إذ يؤدى النمو الاقتصادى إلى زيادة الدخول وتحسين الخدمات العامة، وخاصة فى مجالات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
وأشار إلى أن زيادة الإيرادات الحكومية الناتجة عن النشاط الاقتصادى تسهم فى تعزيز الإنفاق التنموى وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدًا أن هذه التطورات تضع مصر على مسار تنمية مستدامة توازن بين النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية.
نحو اقتصاد أكثر تنافسية
واختتم الدكتور سيد خضر تصريحه بالتأكيد أن رفع التصنيف الائتمانى لمصر يعد خطوة استراتيجية نحو اقتصاد أكثر تنافسية واستقرارًا، قادر على جذب الشركات العالمية وتوطين التكنولوجيا الحديثة، بما يعزز من مكانة مصر كواحدة من الأسواق الواعدة فى المنطقة خلال السنوات المقبلة.
تصنيفات أم رسائل؟
لم يتوقف الجدل عند حدود التحليل المالى، بل امتد إلى التشكيك فى دوافع وكالات التصنيف الدولية.. يرى خبراء الاقتصاد، إن بعض هذه المؤسسات «لا تنفصل عن مراكز النفوذ السياسى والاقتصادى للدول الكبرى»، مضيفون: حين نرى ترقية فى التصنيف لدولة تعانى من أزمة معيشية حادة، يجب أن نسأل: هل هذا التقييم فنى بحت، أم أنه رسالة سياسية لتشجيع الاستثمارات فى لحظة معينة؟ كثير من القرارات تُتخذ بناءً على اعتبارات جيوسياسية وليس على مؤشرات العدالة الاجتماعية.. فالدول النامية غالبًا ما تُقيّم بعيون المصالح الغربية، لا بعيون مواطنيها، وأنّ «التحسّن فى الأرقام لا يساوى شيئًا إذا لم يشعر به الناس فى جيوبهم ومائدتهم اليومية».
اقتصاد يتنفس بصعوبة
من المثير أن يتزامن رفع التصنيف الائتمانى مع موجة جديدة من الشكوى من الغلاء، تقول أميرة رمضان، موظفة فى شركة خاصة: «كنا زمان بنقول الأسعار بتزيد كل سنة، دلوقتى بتزيد كل أسبوع. حتى بعد ما قالوا إن التضخم نزل، أنا مش شايفة أى فرق فى السوبرماركت»، وتوضح أن كثيرًا من الأسر تغيّرت عاداتها الاستهلاكية بالكامل: «بطلنا نشترى لحمة كل أسبوع، وبنحسب كل حاجة بالجنيه. مش فاهمة التصنيف ده بيفيد مين، بس أكيد مش إحنا.
وفى جولة ميدانية لأحد محال السلع الغذائية فى الجيزة، رصدت «الوفد»، أن المستهلكين أصبحوا أكثر حرصًا على مقارنة الأسعار، وأن البيع بالتقسيط أو الدفع الإلكترونى بات وسيلة لتخفيف عبء الشراء، حتى فى احتياجات أساسية مثل الأجهزة المنزلية والملابس.
صوت الشارع مقابل صوت المؤسسات
فى الوقت الذى تحتفى فيه النشرات الاقتصادية الأجنبية بـ«عودة الثقة فى الاقتصاد المصري»، تبدو الثقة داخل الشارع المصرى هشّة ومشروطة، المواطن يريد أن يرى تحسنًا فى الأجر قبل أن يصدق أرقام النمو، وأن يشعر بانخفاض فى الأسعار قبل أن يحتفل بتقارير الخارج.
بين السماء والأرض
بين تصنيف يعلو فى السماء وواقع يئن على الأرض، تقف مصر فى مفترق طرق. المؤسسات المالية الدولية ترى فى البلاد نموذجًا لـ«الاستقرار المالى النسبى»، بينما يرى المواطن أن الاستقرار لا يسكن المائدة الخالية ولا الجيب الفارغ.
إن رفع التصنيف الائتمانى، مهما كانت أهميته، لن يكون ذا قيمة حقيقية ما لم يتحوّل إلى إصلاح معيشة ملموس، يشعر به العامل قبل المستثمر، والموظف قبل المحلل. فالمواطن لا يهتم بالرموز والأحرف التى تكتبها المؤسسات على الورق، بل بكمّ السلع التى يستطيع شراؤها بجنيهٍ واحد.
وربما يمكن تلخيص المشهد بعبارة قالها أحد المواطنين أثناء إعداد هذا التحقيق: «مش عايز تصنيف يفرح البنوك.. عايز تصنيف يفرّح البيت».