بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

وزير التعليم الذي اشترى التليفون

تحكي إحدى النكت عن رجلٍ كان يسكن عمارة يوجد أسفلها مقهى (قهوة)، ولمّا لم يكن لدى هذا الرجل هاتف، فكان يعطي أصحابه ومعارفه رقم تليفون المقهى الذي في الأسفل، وكلما كان يتصل به أحد، كان صاحب المقهى يقف في الشارع لينادي عليه ليرد على الهاتف.. مع تكرار الأمر ضاق صاحب المقهى بكثرة التليفونات، وفي المرة الأخيرة نصح الرجل أن يشتري موبايل يستقبل عليه تليفوناته.. هز الرجل رأسه وذهب.. بعد عدة أيام عاد الرجل مرة أخرى ومعه هاتفه المحمول الجديد، وأعطاه لصاحب المقهى وطلب منه إذا اتصل به أحد أن ينادي عليه لينزل إليه ويرد على المتصل عبر المحمول..
تذكرني القصة السابقة بالسيد المحترم وزير التربية والتعليم في إدارته لمنظومة التعليم في مصر، فمن كرم الله أن وفق زوجتي للتخرج من المرحلة الابتدائية منذ زمن طويل قبل تولي الوزير الحالي، وأنهت حياة الجامعة منذ فترة، وتركت الكتب والتعلم منذ فترة طويلة، ولكنني منذ بداية العام رأيتها تعود يومياً مرة أخرى إلى التعلم بشكلٍ أكثر جدية، فظننت أنها ربما ترغب في استكمال الدراسات العليا، خاصة وأنها كانت تجلس على الكتب من قبيل العصر إلى قرب النوم في الحادية عشرة..
سعدت جداً في البداية حينما ظننت أن بناتي اللاتي في مرحلة الابتدائية ارتفع مستواهن حتى أصبحن يذاكرن مع أمهن، لكنني علمت بعد ذلك أن كل هذا الوقت تقضيه أمهم في مذاكرة بنتيها اللتين في مرحلة الابتدائي.. لم أتمالك نفسي من السؤال عن هذا السر الأعظم الذي يدفعهن لمجالسة كتب الابتدائي كل يوم قرابة الثماني ساعات.
لعلك الآن تسأل ما علاقة الموضوع السابق بقصة التليفون التي جاءت في بداية المقال، ولكنك لن تتفاجأ حينما تعلم أن الوزير اخترع أسلوباً لوزعياً لإجبار التلاميذ على الحضور للمدرسة وعدم التغيب، وذلك من خلال تقييمات يتم تقديمها كل أسبوع في المواد كلها منذ العام الماضي، ولما كانت الأمهات يقمن بنقل التقييمات من الإنترنت شريطة أن تكتب في كراسات التقييمات ولا يجوز أن تطبع فكن ينقلن الأسئلة والرسومات طوال الوقت.. وحلاً لهذا الأمر طبعت الوزارة كتباً للتقييمات، ولكن الكتب ليس بها أماكن لحل الكثير من الأسئلة فيضطر الأطفال لنقل الأسئلة والرسومات وحلها في كشكولٍ خارجي، ناهيك عن أن هذه الأسئلة يأخذها التلميذ من البيت ليحلها داخل الفصل، وقد ذكر لي أحد المعارف أن أبنائه يكتبون حل التقييمات من الإنترنت قبل أن يأخذوها معهم إلى المدرسة.
ما أدهشني أكثر حينما سألت عن سبب كل هذا الوقت للمذاكرة لابنتي تلميذة الصف الرابع، فقد علمت أنها تدرس 11 مادة: عربي، ماث، انجليزي، ساينس، تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات، كامبريدج ،انجليش الوزارة، فرنش،دين،دراسات اجتماعية، أي أكثر من مواد طلاب الجامعة الذين أدرس لهم والذين يتعثر كثير منهم في دراسة سبع مواد فقط، ناهيك طبعاً عن محتوى المقررات الذي فاق في الصف الرابع ما كنت أدرسه في الثانوية العامة، والذي ربما يوازي بعض مواد الكليات في الوقت الحالي، ظناً منه أن كل هذا الحشو لعقول تلاميذ يتطلعون للعب وتفريغ طاقتهم ربما يساعدهم على الحصول على نوبل في المستقبل.
وفي النهاية فلتسمح لي سيادة الوزير الحاصل على شهادة الدكتوراة من الخارج، ألم تخبرك شهادتك للدكتوراة أو أحد مستشاريك أن تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين هم أطفال لم يتجاوز الكثير منهم الثانية عشرة من عمرهم، يحتاجون للعب بنفس قدر احتياجهم للتعلم، ألم تخبرك الدكتوراة أن قضاء اليوم كله منذ العودة من المدرسة حتى ميعاد النوم في المذاكرة يرهقهم ويمنعهم من اللعب وتنفيس طاقاتهم؟ ألم يخبرك أحد أن كتب الوزارة+ كتب التقييمات+ الأداء الصفي+ الواجبات المنزلية+ الامتحانات الشهرية أمرٌ ثقيلٌ على الأطفال وعائلاتهم؟ ألم يخبرك أحد أن الأمهات بتن يذاكرن ويقمن بحل كثير من الدورس والواجبات بدلاً من أطفالهن الذين لا يستطيعون إنجاز كل هذه التكليفات الثي أثقلتهم وأثقلت على أسرتهم؟ ألم يخبرك أحد أن التطوير لا يعني بالضرورة التصعيب ولكنه يعني تنمية المواهب والقدرات بشكل متوازن؟


أستاذ بكلية الآداب- جامعة عين شمس