بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

عن فاروق حسني والمتحف الكبير.. سألوني

أيام قليلة وتشهد مصر حدثًا فريدًا ينتظره العالم، حين يُفتح المتحف المصري الكبير على ضفاف التاريخ، تحت شمس نوفمبر، ليعلن عن ميلاد صرح حضاري لا يشبه سواه. 
هنا، حيث يلتقي الحاضر بالماضي، وتعود ملامح الملوك إلى الضوء، يبدأ فصل جديد من حكاية مصر مع الزمان.
سألوني عن صاحب الحلم الأول، عن تلك الفكرة التي وُلدت في عقل فنانٍ رأى أن ذاكرة الأمة لا تُحفظ في الأوراق بل في الحجر والنور والجمال. 
قلت لهم إن اسمه فاروق حسني، لم يكن يومًا وزيرًا تقليديًا، بل عاشقًا للفن يرى في الجمال ضرورة كالهواء، وفي الثقافة سلاحًا لا يقل شأنًا عن كل أسلحة القوة.
في التسعينيات، كان العالم يتغير، وكانت مصر تبحث عن نافذة تليق بتاريخها الممتد آلاف السنين، ومن مكتبه في وزارة الثقافة، انطلقت الفكرة: أن يُقام متحف يليق بالحضارة الأولى، على مقربة من الأهرامات، ليكون شهادة على عبقرية المكان والإنسان، كان المشروع وقتها حلمًا فوق الخيال، يحتاج إلى شجاعة وإيمان.
آمن الرجل أن المتحف ليس جدرانًا من حجر، بل رؤية لوطن يعرف قدر تاريخه، بذل جهده وسنواته في رسم ملامحه الأولى، فتح قنوات التعاون مع متاحف العالم، واستدعى من ذاكرة الفن ما يُعيد صياغة المكان ليغدو أيقونة عالمية.،وعندما خرج من الوزارة، ظل المتحف في قلبه كما يظل الحلم في عيون الحالمين.
واليوم، ونحن على أعتاب افتتاح المتحف في مطلع نوفمبر، يقف التاريخ ليقول كلمته: إن الفكرة تبقى أقوى من أصحابها، وإن الإبداع لا يشيخ، كم من الأسماء مرت بالمكان، وكم من الأيدي امتدت لتكمل البناء، لكن البذرة الأولى كانت له، زرعها بإصرار فنان لا يطلب مجدًا شخصيًا، بل يرى في الإنجاز مجد الوطن كله.
من يزور المتحف الكبير سيجد في كل زاوية توقيعًا غير مرئي لفاروق حسني: في اختيار الموقع، وفي التكوين المعماري، وفي تلك الروح التي تجعل الزائر يشعر أنه يدخل إلى قلب التاريخ لا إلى مبنى من زجاج. هنا يقف رمسيس الثاني شامخًا في البهو الرئيسي، وكأن الزمان عاد ليصافح صانعيه، وتتحرك القطع الأثرية في عرض مهيب يزاوج بين أصالة الماضي ودهشة الحاضر.
لقد أدرك حسني أن الثقافة لا تُختزل في الكتب أو المهرجانات، بل في مشروع يغيّر نظرة العالم إلى مصر، ولذلك لم يكن المتحف مشروعًا أثريًا فحسب، بل مشروعًا حضاريًا، أراد من خلاله أن يقول للعالم: “هذه هي مصر، لا تروي تاريخًا، بل تصنعه من جديد”.
لكن السؤال الذي يلحّ اليوم: لماذا لا تكرم الدولة هذا الرجل الذي بدأ الحلم؟ لماذا لا يُذكر اسمه في سياق الافتتاح، وقد كان أول من رسم ملامح الفكرة ووضع حجرها الأول؟ ليس تكريمًا لشخص، بل اعترافًا بفضل من رأى المستقبل قبل أن يأتي.
إن تكريم فاروق حسني هو تكريم لمرحلة كاملة من الوعي، كانت فيها الثقافة مشروع وطن، وليست نشاطًا عابرًا. فالرجل الذي أطلق مكتبة الأسرة، وجدّد المسارح، ورمم الآثار، وفتح نوافذ الفن على العالم، يستحق أن يُذكر يوم يحتفل المصريون بانتصار فكرته الكبرى.