حكم (استلاف الأموال) إذا تم إعطائها على كراهية؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم إقراض المال للناس على سبيل جبر الخاطر مع وجود كراهية باطنة في النفس، مؤكدة أن هذا الفعل لا يقدح في صحة عقد القرض ما دام قد تم بإيجاب وقبول صريحين، مشيرة إلى أن الإقراض في الأصل من أعظم القربات وأحب الأعمال إلى الله تعالى لما فيه من تفريج الكُرُبات ومساعدة المحتاجين.
القرض من أعظم القربات إلى الله
أكدت دار الإفتاء أن القرض يُعد من الأعمال المندوب إليها شرعًا، لما يتضمنه من رحمة بالناس وتنفيس عنهم في أوقات العُسر، مشيرة إلى قول الله تعالى:﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]
﴿وَمَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
وأضافت الفتوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربط بين تفريج كُرب الناس ونيل رحمة الله يوم القيامة، مستشهدة بحديثه الشريف:«مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»
(رواه مسلم).
حكم إقراض الناس رغم الكراهية
أشارت دار الإفتاء إلى أن الأصل في المعاملات والعقود المالية هو أن تكون قائمة على التراضي وطيب النفس، استنادًا إلى قوله صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (رواه البيهقي).
وأوضحت أن الإيجاب والقبول الظاهريين هما الدليل الشرعي على وجود الرضا بين الطرفين، وأن ما في النفس من كراهية أو ضيق لا يؤثر في صحة العقد طالما لم يظهر أثره في القول أو الفعل، لأن الشريعة تبني الأحكام على الظاهر لا على ما في القلوب.
وقالت الفتوى: "من قواعد الإسلام الثابتة أن الحكم في دار الدنيا إنما هو باعتبار الظاهر، وأما البواطن فحسابها على الله وحده"، مستدلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم» (متفق عليه).
نصيحة دار الإفتاء للمقرضين
وجهت دار الإفتاء نصيحة لمن يُقرض المال وهو يشعر بالكراهية أو الضيق، فقالت إن فعله هذا في حد ذاته عمل عظيم يُثاب عليه، لأنه يجبر خاطر المحتاج ويُعينه على قضاء حاجته، إلا أن الأفضل أن يجاهد المسلم قلبه ليوافق باطنه ظاهره، فيُقرض المال عن رضا واحتساب الأجر عند الله.
وأضافت الفتوى أن من المستحب أن يذكّر المسلم نفسه دومًا بفضل هذا العمل، وبما أعدّه الله للمحسنين من أجر عظيم، حتى يطهر قلبه من الضيق ويجد في نفسه سعادة العطاء، فـ "جميل العطاء يكتمل حين يكون عن طيب نفس ورضا قلبي".
خلصت دار الإفتاء المصرية إلى أن إقراض المال للناس من أعظم القُرُبات، والأصل فيه التراضي، غير أن وجود كراهية باطنة لا يؤثر في صحة العقد ما دام تم بإيجاب وقبول شرعيين، مؤكدة أن الأجر والثواب حاصل للمقرض، وأن الأجمل هو الجمع بين العطاء المادي والنية الصافية.