بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خطاب انتخابى ردىء

هى قضية قديمة حديثة؛ مع بداية الماراثون الانتخابى لبرلمان 2025 بغرفتيه الشيوخ والنواب، بدا جليا هيمنة الخطاب الخدمى على المرشحين؛ سواء كانوا مرشحين أحزاب أو مستقلين نواب قدامى أو مرشحين جدد، دوائر فردية أو قائمة وطنية، هذا الخطاب كان خافتا إلى حد ما فى انتخابات مجلس الشيوخ لطبيعة المجلس ودوره واتساع نطاق دوائره، إلا أنه مع بداية انتخابات مجلس النواب حضرت الخدمات وغابت السياسة تماماً.
لم يعد الخطاب الانتخابى فى مصر مع شديد الأسف مساحة لعرض الرؤى السياسية أو البرامج التنموية التى تعبّر عن وعى المرشح بطبيعة المرحلة وتحدياتها، أو عن رؤى وبرامج حزبية باختلاف توجهاتها، بل أصبح فى أغلبه محصورًا فى دائرة الخدمات والأغلب منها شخصى فردى، وكأنّ التنافس الانتخابى يدور بين مقاولين للخدمات وليس بين سياسيين يسعون إلى قيادة التشريع والرقابة وصنع السياسات العامة. وهكذا، تحوّل النائب فى نظر المواطن إلى وسيط خدمات أكثر منه صانع سياسات، وتحولت الحملات الانتخابية إلى سباق وعود محلية قصيرة المدى، بدلًا من أن تكون ساحة لتنافس البرامج والرؤى العامة. 
هذا التدهور فى مضمون الخطاب الانتخابى والسياسى ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات لسنوات من تراجع الدور الحزبى الحقيقى فى الشارع، وتحول العلاقة بين الناخب والمرشح إلى علاقة زبائنية. خير مثال ودليل على هذا التراجع؛ ما شهده دور الانعقاد الأخير لمجلس النواب فى فصله التشريعى الثان من مناقشة لقوانين مهمة تمس الصالح العام لكافة فئات المجتمع كقوانين الإجراءات الجنائية وقانون تحرير العلاقة ما بين المالك والمستأجر والمعروف بقانون الإيجار القديم، ثم توجيه الرئيس برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية مرة أخرى إلى مجلس النواب لبحث الاعتراضات على عدد من مواد مشروع القانون، كلها كانت إشارات مهمة تتعلق بمدى جودة التشريع فى مصر، ومدى الحاجة لنواب تشريع لا نواب خدمات فقط. 
صحيح أن الأوضاع الاجتماعية والضغوط الاقتصادية الفترة الماضية إلى جانب الغياب الطويل للمجالس الشعبية المحلية فى مختلف مستوياتها، كلها عوامل ساهمت فى تعزيز النزعة الخدماتية لدى المرشحين والنواب والأحزاب السياسية على حد سواء. لكن ليس هذا هو جوهر وأساس العمل النيابى. هذه الظاهرة، وإن كانت مفهومة فى سياقها الاجتماعى، فإنها تهدد جوهر العملية البرلمانية ذاتها، لأنها تخلط بين الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية، وتفرغ البرلمان من مضمونه الرقابى والتشريعى الحقيقى. فالمرشح الذى لم يتحدث يومًا عن الاقتصاد، أو العدالة الاجتماعية، أو التعليم، أو الأمن القومى، لن يصبح فجأة مشرّعًا ناجحًا أو نائبًا رقابيًا قادرًا على محاسبة الحكومة.
الإصلاح الحقيقى للحياة النيابية فى مصر لن يتحقق فقط بتعديل القوانين أو تغيير نظم الانتخابات، بل بإعادة بناء الثقافة السياسية ذاتها، ثقافة تؤمن بأن النائب ممثل للأمة بأكملها، لا لمجموعة محدودة من الناخبين، وأن التشريع والرقابة هما أولويات النائب، لذلك كنت أتمنى أن يشتمل التعديل الأخير لقانون الانتخابات وقانون مباشرة الحقوق السياسية على خضوع النواب الجدد الذين يخوضون تجربة العمل النيابى للمرة الأولى لبرنامج تدريب مكثف على أدوات الرقابة والتشريع فى الأكاديمية الوطنية للتدريب حتى يعى النائب محددات وواجبات دوره النيابى تشريعياً ورقابياً.