بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

د. حسن الصغير رئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ:

الطعن فى السنة أخطر التحديات الفكرية.. والإفتاء مسئولية دقيقة

بوابة الوفد الإلكترونية

نجمع بين الأصالة والمعاصرة.. ونسعى لمواجهة الشبهات

ﻧﺼﻨﻊ ﺟﺴﺮًا ﺣﻀﺎرﻳًّﺎ ﻟﺮﺑﻂ الجﺎﻟﻴﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻰ اﻟﻐﺮب بمﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ

اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﻣﻨﺼﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﺘﺰوﻳﺪ اﻟﻤﺘﺪرﺑﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ

نتعامل مع الذكاء الاصطناعى بضوابط الشريعة لخدمة القيم الإنسانية

 

الدكتور حسن الصغير أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف، رئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثى الفتوى، قامة علمية كبرى وأحد علماء الأزهر الثقات، وهو أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر والأمين العام السابق لهيئة كبار العلماء والأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية والمشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف.

ولد فضيلته بمدينة قفط فى محافظة قنا بصعيد مصر عام 1967 وتلقى تعليمه الأساسى بالأزهر الشريف ثم التحق بكلية الشريعة والقانون بأسيوط، ثم الدراسات العليا فى شعبة الفقه ليحصل على درجة الماجستير، 1997 ثم العالمية «الدكتوراه» فى الفقه عام 2001 بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبيعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العربية والأجنبية، رحلة علمية ممتدة خاضها فضيلة الدكتور حسن الصغير ليصبح أحد كبار علماء الأزهر الشريف اليوم وليرأس أكاديمية الأزهر والتى تعد منصة عالمية لتدريب الأئمة والوعاظ نشأت فى مصر لتمتد رسالتها للعالم الإسلامى، سافر «الصغير» إلى دول عديدة منها اندونيسيا وفرنسا فى مهمات علمية ممثلًا للأزهر الشريف، كما أن له مؤلفات علمية رصينة تزخر بها المكتبة الإسلامية فى الفقه الإسلامى والقانونى الوضعى «الوفد» حاورت الأستاذ الدكتور حسن الصغير رئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثى الفتوى، وهذا نص الحوار:

< بدايةً.. كيف تقيّمون الدور الذى تقوم به الأكاديمية منذ إنشائها وحتى اليوم؟

<< جاءت نشأة الأكاديمية بتوجيهات كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذى أدرك منذ وقت مبكر أن التحديات التى تواجه الخطاب الدينى فى عصرنا تحتاج إلى مؤسسة متخصصة فى التدريب والتأهيل. ومن هنا نشأت الأكاديمية كمنصّة عالمية تُعنى برفع كفاءة الأئمة والوعاظ، وتزويدهم بالعلوم الشرعية الأصيلة، والمهارات الدعوية المعاصرة، بما يجعلهم قادرين على حمل رسالة الأزهر ونشرها فى العالم كله.. الأكاديمية اليوم - بفضل الله- تعدّ منارة تدريبية فريدة، فمنذ إنشائها وهى تستقبل أئمة ودعاة من مختلف دول العالم. وقدمت برامج نوعية أثبتت أثرها العملى فى الميدان الدعوى. نحن - بفضل الله- نجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين منهج الأزهر الراسخ وأدوات العصر المتطورة، لنُخرّج داعيةً متوازنًا، متمكّنًا من نصوص الوحى، ومواكبًا لقضايا الناس وأزماتهم اليومية.

< ما أبرز الأهداف الاستراتيجية للأكاديمية على المدى البعيد؟

<< تتمحور الأهداف الاستراتيجية للأكاديمية فى النقاط التالية:

- إعداد كوادر دعوية متكاملة التأهيل، من خلال تطوير قدرات الكوادر الدعوية علميًا وفكريًا ومهاريًا، بما يتيح لهم فهم النصوص الشرعية بأسلوب منهجى دقيق، والقدرة على معالجة القضايا المعاصرة، ومواكبة المستجدات الفكرية والاجتماعية، مع تنمية مهارات التواصل والإلقاء والخطابة.

- تصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة الشبهات الفكرية، من خلال بناء برامج علمية ممنهجة لتصحيح المفاهيم الخاطئة والرد على الشبهات الفكرية، وتقديم الحجج الشرعية والمنطقية بطريقة علمية واضحة، بما يعزز فكرًا وسطًا معتدلًا ويقوى الوعى الدينى لدى المستفيدين.

- تعزيز قيم المواطنة والتعايش السلمى، من خلال ترسيخ مفاهيم الانتماء الوطنى والتعايش بين أفراد المجتمع، وتعليم أساليب الحوار البناء واحترام الآخر، بما يسهم فى مواجهة التطرف الفكرى وبناء مجتمع متماسك يسوده الأمن الاجتماعى والانسجام المجتمعى.

- توظيف الأدوات الرقمية والإعلامية لنشر الخطاب الوسطى، من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة ووسائل الإعلام الرقمى لنشر المعرفة الدينية، وإعداد محتوى إبداعى متعدد الوسائط يصل إلى مختلف الفئات العمرية والثقافية، ويتيح التفاعل الإيجابى مع الجمهور على المستويين المحلى والعالمى.

- تخريج داعية عالمى مؤثر قادر على تمثيل الأزهر الشريف، ومخاطبة الناس بلغاتهم وثقافاتهم المتنوعة، مع تزويدهم بالمهارات اللازمة للقيادة الدعوية، وبناء الجسور الفكرية بين الحضارات، والمساهمة فى تعزيز صورة الإسلام الوسطى المعتدل على الصعيد العالمي

< كيف تواكب الأكاديمية التحديات الفكرية المعاصرة، خاصة ما يُثار من شبهات؟

<< منهج أكاديمية الأزهر العالمية يقوم على رؤية علمية دقيقة، تنطلق من ضرورة التمحيص العميق والتحليل المنهجى قبل إصدار أى حكم أو تقديم أى رد. فالمتدربون لا يكتفون بمجرد الاطلاع على الشبهات أو المقولات المثارة فى الساحة الفكرية والإعلامية، بل يتعلمون دراسة هذه الشبهات من جذورها، والبحث فى أصولها ومصادرها الفكرية والتاريخية، وتحليل خلفياتها ودوافعها، ثم الانتقال إلى مرحلة صياغة الردود العلمية الرصينة، المستندة إلى أدلة شرعية محكمة ومنهجية عقلية راسخة، وذلك بلغة واضحة ميسّرة يفهمها المتلقى على اختلاف مستوياته الثقافية.. ولتحويل الجانب النظرى إلى مهارة عملية، تنظّم الأكاديمية ورش عمل تدريبية تقوم على المحاكاة والنقاشات التفاعلية والمناظرات الفكرية، حيث يشارك الدعاة فى تجارب واقعية تحاكى ما قد يواجهونه فى ساحات الحوار ومجالات الدعوة المعاصرة. وبذلك يُكسب الداعية قدرة عملية على المواجهة بالحجة والبرهان، والرد على التساؤلات والمغالطات بروح علمية هادئة، بعيدًا عن مظاهر الانفعال أو التشدد أو الانغلاق.. إن هذا المنهج المتكامل يجسد بوضوح رسالة الأزهر الشريف الممتدة عبر القرون، فى صون الدين من تحريف الغالين، وكشف انتحال المبطلين، وردّ تأويل الجاهلين، مع تأكيد قيمة الوسطية التى عُرف بها الأزهر، وتعزيز مكانة الخطاب الدعوى الذى يجمع بين قوة الحجة ورحابة الصدر.

< هل يقتصر التدريب على العلوم الشرعية فقط؟

<< نحن فى الأكاديمية ننطلق من قناعة راسخة بأن الداعية العصرى لا يكفيه التحصيل الشرعى وحده، مهما بلغ من عمقه وسعته، بل لا بد أن يُدعّم ذلك بحزمة من المهارات المتكاملة التى تُعينه على القيام بدوره الرسالى فى واقع معقد ومتغير. ومن هنا جاء حرصنا على أن تتضمن مناهجنا إلى جانب العلوم الشرعية برامج تدريبية نوعية فى فنون الخطابة والإقناع وأساليب العرض المؤثر، مع التركيز على لغة الجسد وإدارة الحوار، بوصفها أدوات أساسية تمكّن الداعية من الوصول إلى عقل المتلقى وقلبه معًا.. كما نُولى أهمية خاصة للجوانب النفسية والاجتماعية، فنُدرّب الداعية على فهم جمهوره، واستيعاب اختلافاتهم الفكرية والثقافية، بما يجعله أكثر قدرة على التواصل الفعّال والتعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة. وإلى جانب ذلك، حرصت الأكاديمية على تنفيذ عدد من الفعاليات النوعية، مثل ورش عمل للإسعافات الأولية وإدارة الأزمات، بالتعاون مع كليات متخصصة، وذلك إيمانًا بأن الداعية يجب أن يكون عنصرًا نافعًا لمجتمعه فى شتى الظروف: ينقذ مصابًا، يواسى مكلومًا، ويُرشد حائرًا، كما يعظ ويعلم.. بهذا النهج الشمولى، نصوغ صورة الداعية الذى يجمع بين العلم الراسخ والمهارة العملية والوعى النفسى والاجتماعى، ليصبح بحقّ نموذجًا حيًّا لما تحتاجه الأمة اليوم من قدوات عملية تجمع بين الهداية والإصلاح وخدمة المجتمع

< أطلقت الأكاديمية برنامجًا تدريبيًا بعنوان القدس والقضية الفلسطينية.. فما الهدف من هذا البرنامج؟

<< القضية الفلسطينية لم تغب يومًا عن وجدان الأزهر الشريف، فهى فى صميم رسالته التاريخية وفى مقدمة أولوياته الدعوية والفكرية. وانطلاقًا من هذا الدور، أولت أكاديمية الأزهر العالمية اهتمامًا بالغًا بترسيخ هذه القضية فى وعى الدعاة والأئمة المشاركين فى برامجها التدريبية، إيمانًا بأن الداعية الواعى هو خط الدفاع الأول عن ثوابت الأمة وقضاياها العادلة. وقد خصصت الأكاديمية دورة مستقلة بعنوان “القدس والقضية الفلسطينية”، صُمِّمت لتجمع بين البعد التاريخى والفقهى والسياسى والإنسانى، ولتعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التى يروّجها الاحتلال، وتفنيد الادعاءات الباطلة، وإثبات أحقية المسلمين والفلسطينيين فى أرضهم ومقدساتهم بالدليل الشرعى والتاريخى والقانونى. كما تؤكد هذه الدورة مكانة القدس باعتبارها قضية مركزية فى ضمير الأمة الإسلامية والعربية. وفى هذا السياق، تحرص الأكاديمية أيضًا على تسليط الضوء على الدور المصرى الرائد فى حماية الحقوق والمقدسات الفلسطينية، والدفاع عن القضية فى جميع المحافل الدولية، ووقوف الدولة المصرية – قيادةً وشعبًا – إلى جانب الشعب الفلسطينى فى كفاحه المشروع ضد الاحتلال. فمصر لم تتخلّ يومًا عن دورها التاريخى فى دعم صمود الفلسطينيين ورعاية مقدساتهم، وهو ما يمثل امتدادًا طبيعيًا لدورها المحورى فى القضايا العربية والإسلامية. وبذلك، فإن الأكاديمية لا تُعِدّ الدعاة علميًا وفكريًا فحسب، بل تُغرس فى وجدانهم وعيًا حيًّا بالقضية الفلسطينية وبأبعادها المتعددة، ليخرجوا بخطاب دعوى متوازن يقدم القضية بلغة إنسانية عالمية، تؤكد قيم العدل والحرية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها، وتُبرز الدور المصرى الأصيل فى دعم هذه القضية العادلة وحماية مقدساتها

< فى ظل التحولات الرقمية.. هل هناك دور للأكاديمية فى توظيف الذكاء الاصطناعى لخدمة العمل الدعوي؟

<< الأزهر الشريف، ومن خلال أكاديمية الأزهر العالمية، يدرك تمامًا أن الدعوة فى عصرنا لا يمكن أن تنفصل عن التحولات الرقمية الجارية ولا عن التقنيات الحديثة التى أصبحت تؤثر بعمق فى وعى الناس وسلوكهم. ومن هنا جاء حرص الأكاديمية على أن يكون لها حضور فاعل فى ميدان الذكاء الاصطناعى، باعتباره أداة يمكن توظيفها فى خدمة العمل الدعوى وتطوير أدواته. فنحن نعمل على إعداد برامج تدريبية تُعرّف الدعاة بكيفية الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى البحث العلمى الشرعى، وفى جمع وتحليل المعلومات، وفى التواصل مع الجمهور عبر منصات رقمية أكثر فاعلية. كما نسعى إلى تدريبهم على استخدام هذه التقنيات فى إنتاج محتوى دعوى متميز، سواء مكتوبًا أو مرئيًا أو تفاعليًا، يقدّم رسالة الإسلام بلغة يفهمها الجيل الرقمى. وفى هذا الإطار، نولى أهمية كبيرة للجانب الأخلاقى، إذ نوضح للدعاة أن التعامل مع الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون منضبطًا بضوابط الشريعة ومقاصدها، وأن يُستخدم بما يخدم القيم الإنسانية، لا بما يهددها. فالتكنولوجيا فى ذاتها محايدة، لكن مسئولية توجيهها تقع على عاتق من يوظفها. إن هدف الأكاديمية من ذلك هو أن نُخرّج دعاة قادرين على الجمع بين الأصالة والمعاصرة: يحفظون التراث، ويتمسكون بالثوابت، وفى الوقت نفسه يستخدمون أحدث أدوات العصر ليصلوا برسالة الإسلام الوسطية إلى العالم أجمع، عبر لغات وأساليب وتقنيات يفهمها إنسان اليوم.

< كيف تهتم الأكاديمية بتنمية مهارات الإفتاء لدى الوعاظ وأعضاء لجان الفتوى؟

<< الإفتاء أمانة كبرى ومسئولية دقيقة، تتطلب علمًا راسخًا وفهمًا عميقًا لفقه النصوص ووعيًا نافذًا بفقه الواقع، حتى تصدر الفتوى محققة لمقاصد الشريعة ومراعية لأحوال الناس وظروفهم. ومن هذا المنطلق أولت أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ عناية خاصة بمجال الإفتاء، فخصصت له مجموعة من الدورات المتخصصة، التى تهدف إلى إعداد مفتين يجمعون بين الأصالة والمعاصرة.

وقد أطلقت الأكاديمية ضمن برامجها التدريبية عددًا من الدورات النوعية، منها:

دورة “مهارات الفتوى العملية”، التى تركز على تنمية الجوانب التطبيقية للمفتين والواعظات، وتدريبهم على كيفية تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع الحياتية المعاصرة، مع صقل مهاراتهم فى التعامل مع المستجدات والأسئلة اليومية التى تشغل الناس، ودورة «تنمية مهارات المفتى المعاصر»، والتى تعنى بتأهيل الكوادر الدعوية للإحاطة بضوابط الفتوى، وتنمية مهارات المفتى فى الربط بين النصوص الشرعية ومقتضيات الزمان والمكان، بما يعزز قدرتهم على مواجهة القضايا الفكرية والاجتماعية المستجدة بوعى شرعى وبصيرة علمية.

وبذلك تسعى الأكاديمية إلى تخريج مفتين ودعاة قادرين على الجمع بين الفقه العميق للنصوص الشرعية وفهم الواقع، بما يرسخ مكانة الإفتاء كأداة راشدة لهداية الناس وتحقيق الاستقرار الفكرى والمجتمعى.

< وماذا عن دور الأكاديمية فى النزاعات الأسرية والاجتماعية وفض الخصومات؟

<< تؤمن أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ بأن الداعية ليس مجرد خطيب يعتلى المنبر، بل هو وسيط إصلاحى يسهم فى تحقيق السلم المجتمعى وترسيخ الأمن الاجتماعى. وانطلاقًا من هذه الرؤية، حرصت الأكاديمية على إدراج برامج تدريبية متخصصة فى مهارات الوساطة وإدارة النزاع، ليكون الداعية قادرًا على التدخل الحكيم فى معالجة الخلافات الأسرية والاجتماعية. ومن أبرز هذه البرامج دورة “فض الخصومات الثأرية”، التى تستهدف تمكين الأئمة والوعاظ من مواجهة واحدة من أعقد القضايا التى تهدد التماسك الاجتماعى فى بعض البيئات، وهى ظاهرة الثأر. حيث يتلقى المشاركون تدريبًا عمليًا على أساليب تهدئة النزاعات، وصياغة الخطاب الدعوى الذى يغرس قيم التسامح والعفو، مع الاستفادة من النماذج الميدانية الناجحة فى هذا المجال. وبذلك تؤكد الأكاديمية دورها الريادى فى تخريج دعاة صانعى سلام، قادرين على مواجهة التحديات المجتمعية المعاصرة، وتجسيد رسالة الأزهر الشريف فى حفظ النفوس وصون المجتمعات من الفتن والاضطرابات

< لماذا تخصص الأكاديمية دورات فى علوم الحديث؟

<< لأن السنة النبوية هى المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم، فإن العناية بها تمثل ركيزة أساسية فى برامج الأكاديمية. وقد أدركنا أن الطعن فى السنة والتشكيك فى حجيتها من أخطر التحديات الفكرية المعاصرة، لذلك جعلنا علوم الحديث جزءًا جوهريًا من مناهجنا التدريبية، حفاظًا على مرجعية الأمة وصيانة لتراثها العلمى. فقد خصصت الأكاديمية دورات معمقة فى علوم مصطلح الحديث، تُمكّن الدعاة من فهم القواعد الدقيقة التى اعتمدها العلماء فى ضبط الرواية والنقل. كما يتم تدريبهم على مباحث الجرح والتعديل، ليتعرفوا على معايير التوثيق والتضعيف التى صاغها الأئمة بدقة بالغة، بما يتيح لهم التمييز بين الحديث الصحيح والضعيف، والرد بعلم ومنهجية على محاولات التشويه والتحريف.. وتتضمن هذه الدورات أيضًا ورش محاكاة عملية، يتم فيها تدريب الأئمة على كيفية مواجهة الشبهات المثارة حول السنة، باستخدام الحجة العلمية والبرهان المنطقى، مع ربط ذلك بالواقع الفكرى الذى يعيشونه.. هذه البرامج تعيد وصل المتدربين بسلسلة العلم المتصلة التى ورثها الأزهر جيلًا بعد جيل، وتغرس فيهم روح الأمانة العلمية التى تميز بها علماء الأمة. وبهذا تسهم الأكاديمية فى إعداد دعاةٍ يحملون مشعل الدفاع عن السنة النبوية، ويؤدون دورهم فى حماية ثوابت الدين من التشويه والتأويل المنحرف.

< ما أهم القضايا التى تركز عليها الأكاديمية فى برامجها التدريبية؟

<< إن القضايا التى تتصدر أجندة أكاديمية الأزهر العالمية تعكس رؤية شاملة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتستجيب لتحديات الواقع بكل أبعاده. ومن أبرز هذه القضايا:

أولًا: تصحيح المفاهيم المغلوطة، من خلال تحليلها وإعادة بنائها وفق المنهج الأزهرى الوسطى، بما يحصّن العقول من الانجرار خلف التفسيرات الخاطئة أو القراءات المشوهة للنصوص الشرعية.

ثانيًا: مواجهة الفكر المتطرف، عبر إعداد دعاة يمتلكون أدوات علمية رصينة تؤهلهم لتفنيد خطاب الغلو والتكفير بالحجة والبرهان، وإبراز القيم الحقيقية للإسلام فى الرحمة والتعايش والسلام.

ثالثًا: ترسيخ قيم المواطنة والعيش المشترك، حيث تسعى الأكاديمية إلى إعداد دعاة قادرين على مخاطبة الواقع المتنوع، والتأكيد أن الأديان جاءت لبناء المجتمعات لا لهدمها، وللسلام لا للصراع.

رابعًا: قضايا الأسرة والشباب، بما تمثله من تحديات مصيرية، إذ يتم تزويد الدعاة بالمعارف والمهارات التى تمكنهم من معالجة مشكلات مثل التفكك الأسرى، العنف، الإدمان، والبطالة، مع إبراز دور الشريعة فى بناء الأسرة السوية وحماية النشء.

خامسًا: دعم القضايا العادلة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث تركز الأكاديمية على إبقاء هذه القضية حاضرة فى وجدان الأئمة والدعاة، وتزويدهم بالخطاب الشرعى والإنسانى الذى يعزز حق الشعب الفلسطينى، ويرفض كافة صور الاحتلال والعدوان.

سادسًا: التفاعل مع التحولات الرقمية، إذ لم يعد المجال الدعوى محصورًا فى المنابر التقليدية، بل أصبح الفضاء الرقمى ساحة رئيسية للتأثير. ومن هنا، تعمل الأكاديمية على تمكين الدعاة من استثمار التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعى فى خدمة رسالتهم.

سابعًا: تنمية الوعى الإعلامى، من خلال تقديم برامج فى مهارات التعامل مع وسائل الإعلام، وصياغة الرسائل المؤثرة، وفنون الخطابة والإقناع، ليكون الداعية حاضرًا فى المشهد العام بفاعلية واقتدار.

وبذلك يتضح أن الأكاديمية لا تقتصر على تقديم علوم ومعارف نظرية، بل تنتهج مسارًا متكاملًا يجمع بين العلم والمهارة والتطبيق العملى، بما يضمن تخريج دعاة مؤثرين قادرين على مواجهة تحديات العصر وبناء جسور التواصل مع مختلف فئات المجتمع

< كيف تخدم الأكاديمية الجاليات المسلمة فى الغرب؟

<< تواجه الجاليات المسلمة فى شتى أنحاء العالم تحديات كبرى تتعلق بالحفاظ على هويتها الدينية والثقافية، وفى الوقت ذاته الاندماج الإيجابى داخل المجتمعات التى تعيش فيها. ومن هنا يأتى دور أكاديمية الأزهر العالمية، حيث نستقبل أئمة ودعاة من هذه الجاليات ونعمل على تأهيلهم بخطاب دعوى متوازن؛ خطاب يرسخ الثوابت الإسلامية ويحفظ القيم الدينية، مع مراعاة القوانين والأعراف السائدة فى تلك البلدان.. كما نولى عناية خاصة بتزويدهم بمهارات التعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، والقدرة على مواجهة الصور النمطية السلبية عبر الحوار الراقى، والتعريف بالإسلام وقيمه الحضارية بلغة يفهمها المتلقى الغربى، وبأسلوب يعكس الرحمة والسماحة التى جاء بها الدين. وبذلك نصنع جسرًا حضاريًا يربط بين المسلمين ومجتمعاتهم، ويقدم صورة مشرقة عن الإسلام فى المحافل الدولية.

< هل يوجد تعاون بين أكاديمية الأزهر العالمية والمؤسسات الدينية المصرية، وكيف يتم هذا التعاون وما أثره على رفع جودة العمل الدعوى والتدريبي؟

<< تسعى الأكاديمية دائمًا إلى مد جسور التعاون مع مختلف المؤسسات الدينية المصرية، إدراكًا منها لأهمية تكامل الجهود الدعوية والعلمية فى خدمة رسالة الأزهر الشريف عالميًا. وقد أثمر هذا التعاون عن تنظيم عدد من الدورات المتخصصة التى تعكس عمق التنسيق وروح الشراكة الفاعلة.. فعلى سبيل المثال، نُظمت دورة “التميُّز الدعوي” بالتنسيق مع وزارة الأوقاف المصرية، وكانت من الدورات البارزة التى التحق بها نخبة متميزة من أئمة الوزارة إلى جانب عدد من وعاظ الأزهر الشريف، حيث هدفت إلى رفع كفاءة الدعاة وتطوير أدواتهم الخطابية والتربوية بما يتلاءم مع متطلبات الواقع المعاصر.. كما نظمت الأكاديمية دورة «القواعد الفقهية» الموجهة إلى أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية، والتى ركزت على تعميق فهم القواعد الكلية الفقهية وتطبيقها على النوازل والمسائل المستجدة، بما ينعكس على جودة الإفتاء وضبطه بالمنهج الوسطى الرصين.. وفى إطار التعاون المستمر مع المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، نظمت الأكاديمية عدة برامج نوعية، منها دورة “تفكيك الفكر المتطرف” التى تستهدف تحصين العقول من الانحرافات الفكرية، وكذلك دورة “علوم الحديث” التى تُعنى بتمكين الأئمة والدعاة من أدوات التعامل مع السنة النبوية ومصادرها الأصيلة.. إن هذا التنسيق الوثيق والتكامل العملى بين الأكاديمية وتلك المؤسسات لا يقتصر على عقد الدورات فقط، بل يمتد ليؤسس لنهج تكاملى يحقق الإجادة فى العمل، ويعزز الدور الريادى لمصر والأزهر فى خدمة الإسلام ونشر قيمه السمحة فى العالم.

< اعتادت أكاديمية الأزهر العالمية تنظيم لقاءات فكرية أسبوعية تتمثل فى جلسات قراءة الكتب، إلى جانب لقاءات فكرية شهرية على هيئة ندوات تثقيفية للأئمة والدعاة. ما الهدف والجدوى التى تسعى الأكاديمية إلى تحقيقها من وراء هذه الفعاليات والإقراءات الفكرية المنتظمة؟

<< اللقاءات الفكرية تمثل جزءًا أساسيًا من منهجنا فى إعداد الأئمة والدعاة والوعاظ. فهى تنقسم إلى محورين رئيسيين:

- أولًا: اللقاءات الأسبوعية (قراءة الكتب):

نخصص فى كل أسبوع كتابًا من مؤلفات كبار العلماء والمفكرين، مثل: النبأ العظيم لفضيلة الدكتور عبد الله دراز، وحوار مع صديقي الملحد، وسلسلة العبقريات للأستاذ عباس محمود العقاد، والإسلام كبديل للدكتور مراد هوفمان، فضلًا عن كتب الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، مثل مقومات الإسلام وأهل السنة والجماعة، وغيرها من المؤلفات الأخرى.. ويتم تشكيل لجان علمية من كبار الأساتذة المتخصصين فى مجالات متنوعة، يناقشون الأئمة والدعاة فى مضامين هذه الكتب، وينقلون لهم خبراتهم، مع إجراء اختبارات شفهية وتحليلية لقياس مدى استيعابهم للمحتوى وقدرتهم على توظيفه فى الواقع الدعوى. وهذا يحول القراءة من مجرد اطلاع إلى ممارسة حية للحوار والتحليل والنقد البنّاء.

ثانيًا: اللقاءات الشهرية (الندوات الفكرية):

- أما على المستوى الشهرى، فتنظم الأكاديمية ندوات تثقيفية كبرى لمناقشة قضايا علمية، ودينية، وثقافية تمس المجتمع والدعاة معًا، وذلك من خلال استضافة نخبة من العلماء والمتخصصين. فعلى سبيل المثال، عقدت الأكاديمية ندوة بعنوان العلاج بالخلايا الجذعية: الأبعاد الطبية والشرعية، وندوة أخرى بعنوان المسكوت عنه فى قانون الأحوال الشخصية: رؤية فقهية. وفى هذه الندوات يتم فتح باب النقاش وطرح الأسئلة أمام الأئمة والوعاظ ليشاركوا فى حوار مباشر مع المتخصصين، بما يسهم فى تكوين وعى عميق ورؤية متكاملة تربط بين العلوم الدينية والقضايا المعاصرة.. وبذلك، فإن هذه اللقاءات الأسبوعية والشهرية معًا تضمن إعداد جيل من الأئمة والدعاة والوعاظ يمتلك ثقافة واسعة، وفكرًا متوازنًا، وأدوات حوارية قوية، تمكنه من خدمة المجتمع، ومعالجة قضاياه بوعى علمى ودينى متكامل.