نبض الكلمات
المشهد الانتخابي وهندسة القوائم! "٢"
مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات رسميًا عن الجدول الزمني لانتخابات مجلس النواب، انطلق ماراثون أهم معركة سياسية في وقت شديد الصعوبة يعاني فيه الشعب من أزمة اقتصادية طاحنة لاختيار ممثلين عن الشعب ليس لهم علاقة بدوائرهم، ويكون الستار قد فُتح رسميًا أمام ما يفترض أنه أهم معركة سياسية في البلاد... تأتي هذه الانتخابات في وقت هو الأصعب اقتصاديًا على المواطن المصري منذ سنوات طويلة، ويختلف تماماً عن الانتخابات البرلمانية السابقة، فالغلاء ينهش جيوب الناس، الأسعار ترتفع بشكل يومي، الجنيه يفقد قيمته، والقدرة الشرائية تتآكل بلا رحمة، الأسر تعاني من ضغوط معيشية خانقة، والهم اليومي أصبح تأمين الطعام والدواء، لا التفكير في البرامج الانتخابية ولا الشعارات السياسية، فكيف يمكن الحديث عن "ماراثون انتخابي" في بلد يعيش أزمته الاقتصادية بكل تفاصيلها؟، وكيف يُطلب من المواطن أن يتفاعل سياسيًا وهو لا يستطيع أصلا أن يوازن بين دخله وإنفاقه؟
في الشارع والأسواق، يتحدث الناس عن سعر السكر والزيت والخبز، لا عن المرشحين ولا عن البرلمان القادم، وفي البيوت، لا حديث عن السياسة، بل عن الفواتير التي تتضاعف، والأجور التي لم تعد تكفي حتى منتصف الشهر، تتحدث عن واقع مرير في الوقت الذي نسمع فيه عن أرقام بملايين كثمن صورة في قائمة محسومه مقدماً، لقد أصبحت الانتخابات بالنسبة لكثيرين حدثًا بعيدًا عن الواقع المعيشي، وكأنها تُقام في عالم موازٍ لا علاقة له بما يجري في الشارع، وبينما يُنفق البعض الملايين على الدعاية الانتخابية، هناك ملايين من المواطنين لا يجدون ثمن احتياجاتهم اليومية، إنها مفارقة قاسية تكشف عمق الفجوة بين السياسة والناس.. انتخابات تقام في زمن لا يحتمل الشعارات، بل يحتاج إلى حلول حقيقية، وإلى ممثلين يعرفون أن صوت الشعب اليوم ليس ورقة في صندوق، بل صرخة وجع تبحث عن من يسمعها، ولكن أي معركة تلك التي تُدار بينما الشعب يختنق من الأزمة الاقتصادية، والأسعار تلتهم دخله، والهموم اليومية أثقل من أن تُحتمل؟ ، خاصة بعد الزياده الأخيرة للوقود غير ابمبررة تليها ارتفاعات غير مسبوقة في السلع الغذائية والمواصلات، بينما تنطلق الحملات الانتخابية على شاشات التلفاز لقوائم وصفحات التواصل الاجتماعي، فيتساءل المواطن البسيط: من هؤلاء المرشحون؟ من يمثل من؟ وكيف يمكن لمن لا يعرف معاناة الناس في دوائرهم، ولم يطرق بابًا فيها، أن يتحدث باسمهم تحت قبة البرلمان؟، والمفارقة الصارخة أن معظم الأسماء المتداولة في السباق الانتخابي هي ذاتها التي فقدت ثقة الناس منذ دورات سابقة، وجوه لا يعرفها المواطن إلا في موسم الانتخابات فقط ، تأتي محمّلة بالشعارات الرنانة، وتغيب بعد الفوز وكأنها لم تكن ،فأي تمثيل هذا؟ وأي ديمقراطية تُقام على أنقاض اللامبالاة الشعبية؟.
لقد تحوّل البرلمان، في نظر الشارع، إلى مؤسسة بعيدة عن نبض الناس، تكرر الخطاب الرسمي وتنسى من أرسلها، بينما لا يجد المواطن من يرفع صوته داخل المجلس دفاعًا عن لقمة عيشه أو عن حقه في حياة كريمة.
الانتخابات اليوم تبدو وكأنها سباق على المقاعد لا على خدمة الناس، أموال تُنفق بسخاء على الدعاية، ولافتات تملأ الشوارع، بينما هناك من لا يجد ثمن وجبة لأطفاله، أين العدالة في مشهد كهذا؟ كيف يتحدث البعض عن "تمثيل الشعب" وهم لا يعرفون حجم وجعه الحقيقي؟..الشعب يريد من يسمع صوته، لا من يستخدمه. يريد من يعيش مشكلاته، لا من يطل عليه من برج عاجي ثم يختفي أربع سنوات في صمت مريب، والمأساة الكبرى أن الناس فقدت الإيمان بالعملية السياسية ذاتها، كثيرون باتوا يرون الانتخابات مجرد "مشهد شكلي"، لا يغير في واقعهم شيئًا. فهل يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقية في غياب الثقة؟ و إذا كانت الانتخابات تُجرى فقط لتجميل الصورة أمام الخارج، فلن تُصلح ما في الداخل، الديمقراطية ليست لافتات ولا بيانات رسمية، بل احترام لإرادة الناس وتمثيل حقيقي لهم، لا صفقات ولا ولاءا، الانتخابات الحقيقية تبدأ من الناس، لا من فوقهم ، تبدأ حين يشعر المواطن أن صوته يصنع فرقًا، وأن النائب الذي ينتخبه سيحمله همّه لا استعراضاته، أما إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فسيظل البرلمان بلا روح، والديمقراطية بلا معنى، والناس بلا أمل ، فلا أثر لحراك انتخابي حقيقي، ولا تفاعل شعبي يُشبه ما يُفترض أنه “أهم استحقاق سياسي” في البلاد، الصمت يخيّم على الدوائر، والناس تمضي في همومها اليومية، بينما اللافتات تتحدث عن معركة لا يشعر بها أحد ، وغياب كامل للنشاط الميداني ، ففي السابق، كانت فترة الانتخابات تشهد حراكًا واضحًا في الشوارع والقرى والمراكز، وندوات ومؤتمرات ولقاءات بين المرشحين وأهالي دوائرهم. أما اليوم، فالمشهد باهت إلى حدّ الملل ، نواب ومرشحون غائبون عن دوائرهم، لا يُرَون بين الناس، وكأن التواصل مع المواطن بات أمرًا غير ضروري. وكأن النتيجة قد حُسمت سلفًا، والمنافسة لا تتعدى كونها إجراءً شكليًا لإكمال الصورة ، اللامبالاة الشعبية هذه المرة ليست كسلاً، بل نتيجة مباشرة لفقدان الثقة. المواطن العادي لم يعد يرى في الانتخابات وسيلة للتغيير، بل مجرد مشهد يتكرر كل دورة دون أن يتغير شيء في واقعه ، فما الذي يدفعه للاهتمام بمرشحين لا يعرفهم، أو بخطابات ووعود سمع مثلها من قبل ولم يتحقق منها شيء؟ ، الناس مشغولة بلقمة العيش، بفاتورة الكهرباء، بارتفاع الأسعار، بأزمات المواصلات، بمدارس لا تتسع لأبنائهم، ومياه لا تصل بانتظام. وسط كل ذلك، يأتي الحديث عن الانتخابات كترف سياسي بعيد عن الواقع ، إنها مفارقة قاسية تكشف عمق الفجوة بين السياسة والناس ، انتخابات تُقام في زمن لا يحتمل الشعارات، بل يحتاج إلى حلول حقيقية، وإلى ممثلين يعرفون أن صوت الشعب اليوم ليس ورقة في صندوق، بل صرخة وجع تبحث عن من يسمعها.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]