بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

جشع‭ ‬التجار‭ ‬يهزم‭ ‬المواطن

بوابة الوفد الإلكترونية


مواطنون‭: ‬‮«‬الفراخ‭ ‬واللحمة‭ ‬حلم‭ ‬صعب‭ ‬المنال‮»‬
ضغوط‭ ‬النفقات‭ ‬اليومية‭ ‬جدل‭ ‬دائم‭ ‬بين‭ ‬الزوجين

 


فى‭ ‬ظل‭ ‬تكرار‭ ‬قرارات‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬فى‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬باتت‭ ‬الزيادات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تطال‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬من‭ ‬المواصلات‭ ‬والنقل‭ ‬إلى‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬وتكاليف‭ ‬التشغيل‭ ‬داخل‭ ‬البيوت،‭ ‬هذه‭ ‬الزيادات‭ ‬لم‭ ‬تمر‭ ‬مرورًا‭ ‬عابرًا،‭ ‬بل‭ ‬مست‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬العاديين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬حالة‭ ‬شظف،‭ ‬ويحاولون‭ ‬جاهدين‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬طموحات‭ ‬أطفالهم‭ ‬ودخل‭ ‬يومى‭ ‬غير‭ ‬مستقر،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬لهيب‭ ‬الأسعار‭ ‬كالنار‭ ‬التى‭ ‬تشتعل‭ ‬فى‭ ‬البيوت‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬القلق‭ ‬والضغوط‭ ‬فى‭ ‬حائط‭ ‬واحد‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقه،
فى‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق،‭ ‬نسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬حية‭ ‬لعشرات‭ ‬الأسر‭ ‬والعمال‭ ‬والمواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬كفاحهم‭ ‬اليومى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكرامة‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬تجار‭ ‬متعطشين‭ ‬للربح،‭ ‬ووسطاء‭ ‬ينهشون‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬جيوب‭ ‬الناس،
داخل‭ ‬إحدى‭ ‬الشقق‭ ‬البسيطة‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬يقف‭ ‬سعيد‭ ‬أمام‭ ‬أبنائه‭ ‬الذين‭ ‬يسألونه‭ ‬عن‭ ‬نزهة‭ ‬بسيطة‭ ‬أو‭ ‬هدية‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬التهرب‭ ‬بجملة‭ ‬معتادة‭: ‬‮«‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬الإجازة‮»‬،‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬إن‭ ‬الجيب‭ ‬فارغ،‭ ‬تمر‭ ‬ساعات‭ ‬وهو‭ ‬يحسب‭ ‬الجنيهات‭ ‬المتبقية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬شراء‭ ‬شيء‭ ‬بسيط،‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تعيش‭ ‬نسرين‭ ‬وضعًا‭ ‬مشابهًا،‭ ‬إذ‭ ‬حاولت‭ ‬مرة‭ ‬تجهيز‭ ‬وجبة‭ ‬من‭ ‬الدجاج،‭ ‬وعندما‭ ‬علمت‭ ‬ابنتها‭ ‬بالسعر‭ ‬المرتفع،‭ ‬انفجرت‭ ‬باكية‭ ‬وسألت‭ ‬سؤالًا‭ ‬مؤلمًا‭: ‬‮«‬ليه‭ ‬كل‭ ‬حاجة‭ ‬غالية‭ ‬يا‭ ‬ماما؟‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬كان‭ ‬كالسهم‭ ‬الذى‭ ‬يغرز‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬الأم،‭ ‬ويذكّرها‭ ‬بأن‭ ‬قدرة‭ ‬الأم‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬فى‭ ‬ذهن‭ ‬طفلها‭ ‬عن‭ ‬كرامتها،
وفى‭ ‬داخل‭ ‬البيوت،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تتحول‭ ‬ضغوط‭ ‬الإنفاق‭ ‬اليومى‭ ‬إلى‭ ‬جدال‭ ‬دائم‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬سماح،‭ ‬ربة‭ ‬منزل،‭ ‬تروى‭ ‬كيف‭ ‬يتهمها‭ ‬زوجها‭ ‬بالإسراف‭ ‬وعدم‭ ‬التوفير،‭ ‬بينما‭ ‬هى‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الأسعار‭ ‬نفسها‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬لها‭ ‬مجالًا‭ ‬لتكون‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وتقول‭ ‬إنهم‭ ‬أحيانًا‭ ‬يتخاصمون‭ ‬ليلًا‭ ‬بسبب‭ ‬تعبير‭ ‬جارح‭ ‬أو‭ ‬اختلاف‭ ‬فى‭ ‬نظرة‭ ‬الميزانية،‭ ‬أما‭ ‬رفيق،‭ ‬العامل‭ ‬اليومى،‭ ‬فيحكى‭ ‬عن‭ ‬لحظات‭ ‬غضب‭ ‬حين‭ ‬يعود‭ ‬متعبًا‭ ‬ليجد‭ ‬الكهرباء‭ ‬مُهدرة‭ ‬والطعام‭ ‬غير‭ ‬كافٍ،‭ ‬بالنسبة‭ ‬له،‭ ‬المال‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة،‭ ‬بل‭ ‬دليل‭ ‬تقدير‭ ‬وتعبير‭ ‬عن‭ ‬الجهد‭ ‬المبذول،‭ ‬وإنكاره‭ ‬يولد‭ ‬شعورًا‭ ‬عميقًا‭ ‬بالغضب‭ ‬والإحباط.


فى‭ ‬الأسواق،‭ ‬الصورة‭ ‬ليست‭ ‬أفضل‭ ‬حالًا،‭ ‬منى،‭ ‬بائعة‭ ‬فى‭ ‬كشك‭ ‬صغير،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الضغوط‭ ‬التى‭ ‬يفرضها‭ ‬التجار‭ ‬الكبار‭ ‬لرفع‭ ‬الأسعار،‭ ‬إذا‭ ‬رفضت،‭ ‬يقللون‭ ‬الكمية‭ ‬أو‭ ‬يتهمونها‭ ‬بالجشع،‭ ‬أما‭ ‬البائع‭ ‬الصغير،‭ ‬فهو‭ ‬بين‭ ‬نارين‭: ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬السعر‭ ‬ويخسر‭ ‬زبائنه،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬ويرفضه‭ ‬المورد،‭ ‬يروى‭ ‬أحدهم‭ ‬كيف‭ ‬أُجبر‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الكرتونة‭ ‬بسعر‭ ‬مرتفع،‭ ‬وأُبلغ‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬البيع‭ ‬بسعر‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬التاجر‭ ‬الكبير،‭ ‬وإذا‭ ‬خالف،‭ ‬يُعاقب‭ ‬بعدم‭ ‬التوريد‭ ‬فى‭ ‬المرات‭ ‬القادمة،
وتُستخدم‭ ‬حجة‭ ‬‮«‬العرض‭ ‬والطلب‮»‬‭ ‬لتبرير‭ ‬كل‭ ‬ارتفاع،‭ ‬أبو‭ ‬كريم،‭ ‬أحد‭ ‬المستهلكين،‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬ناقش‭ ‬أحد‭ ‬التجار‭ ‬حول‭ ‬الزيادات‭ ‬المفاجئة،‭ ‬فقيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬‮«‬أسعار‭ ‬السوق‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬تبرير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بالسوق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المراوغة،‭ ‬الأسعار‭ ‬تُرفع‭ ‬أحيانًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬الدولة‭ ‬زيادات‭ ‬رسمية،‭ ‬وبعض‭ ‬التجار‭ ‬يخزنون‭ ‬البضائع‭ ‬عمدًا‭ ‬ليقللوا‭ ‬المعروض‭ ‬ويهيئوا‭ ‬الأجواء‭ ‬لرفع‭ ‬الأسعار‭ ‬لاحقًا،
أما‭ ‬عمال‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد،‭ ‬فمعاناتهم‭ ‬صامتة‭ ‬ومستمرة،‭ ‬محمود،‭ ‬أحدهم،‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬البناء‭ ‬أو‭ ‬النظافة‭ ‬أو‭ ‬النقل‭ ‬حسب‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة،‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الأيام‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬دخل،‭ ‬وفى‭ ‬أيام‭ ‬أخرى‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬بـ‭ ‬50‭ ‬جنيهًا‭ ‬لا‭ ‬تكفى‭ ‬شيئًا،‭ ‬يروى‭ ‬أيضًا‭ ‬كيف‭ ‬عُرض‭ ‬عليه‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬أجر‭ ‬مسبق،‭ ‬ثم‭ ‬انتهى‭ ‬اليوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتلقى‭ ‬شيئًا،‭ ‬أما‭ ‬عصام،‭ ‬فيتنقل‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬وظائف‭ ‬فى‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬السواقة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬ورشة،‭ ‬لكن‭ ‬دخله‭ ‬لا‭ ‬يكفى‭ ‬حتى‭ ‬ثمن‭ ‬المواصلات،‭ ‬كمال،‭ ‬عامل‭ ‬آخر،‭ ‬يحكى‭ ‬عن‭ ‬لحظة‭ ‬ألم‭ ‬حين‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬ابنه‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬دون‭ ‬مصروف،‭ ‬مكتفيًا‭ ‬بقطعة‭ ‬خبز،‭ ‬وشعر‭ ‬حينها‭ ‬أنه‭ ‬يطفئ‭ ‬نور‭ ‬حلم‭ ‬صغير‭ ‬فى‭ ‬عيون‭ ‬طفله،
فى‭ ‬المقابل،‭ ‬تُولد‭ ‬المعاناة‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التضامن،‭ ‬هدى،‭ ‬أم‭ ‬لثلاثة‭ ‬أطفال،‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬سلع‭ ‬بالجملة‭ ‬وتقسيمها،‭ ‬وحتى‭ ‬الطهى‭ ‬المشترك‭ ‬بات‭ ‬وسيلة‭ ‬لتوفير‭ ‬الغاز،‭ ‬كذلك،‭ ‬انتشرت‭ ‬أفكار‭ ‬المقاطعة‭ ‬الجزئية‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬التجار،‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬تنفيذها‭ ‬مع‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬حسناء‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تخفيف‭ ‬الالتزامات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ورفضها‭ ‬حضور‭ ‬دعوات‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬التكاليف،‭ ‬أما‭ ‬أمينة،‭ ‬فتشارك‭ ‬تجربتها‭ ‬مع‭ ‬العائلة‭ ‬فى‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬ديش‭ ‬بارتي‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬يجلب‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬طبقًا‭ ‬مشتركًا،‭ ‬مما‭ ‬يُخفف‭ ‬العبء‭ ‬عن‭ ‬المضيف،‭ ‬ويُعيد‭ ‬روح‭ ‬المشاركة‭ ‬والبساطة،
الأرقام‭ ‬تعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬ما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬الناس،‭ ‬الزيادات‭ ‬الأخيرة‭ ‬فى‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬12‭% ‬و33‭%‬،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬فى‭ ‬تكاليف‭ ‬النقل‭ ‬بنسبة‭ ‬تقارب‭ ‬20‭%‬،‭ ‬التضخم‭ ‬بدوره‭ ‬التهم‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للناس،‭ ‬بينما‭ ‬بقيت‭ ‬الرواتب‭ ‬شبه‭ ‬ثابتة،‭ ‬بعض‭ ‬الأسواق‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعًا‭ ‬حادًا‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬البيع،‭ ‬وصار‭ ‬الباعة‭ ‬يبيعون‭ ‬بمبالغ‭ ‬بسيطة‭ ‬لا‭ ‬تكفى‭ ‬حتى‭ ‬لتغطية‭ ‬الإيجار‭ ‬أو‭ ‬الكهرباء،
فى‭ ‬عمق‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬تقف‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬متشابكة،‭ ‬الحكومة،‭ ‬ضمن‭ ‬خططها‭ ‬للإصلاح‭ ‬المالى،‭ ‬بدأت‭ ‬بتقليص‭ ‬دعم‭ ‬المواد‭ ‬البترولية‭ ‬لتقليل‭ ‬العجز،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحميل‭ ‬المواطن‭ ‬النهائى‭ ‬تكلفة‭ ‬الزيادات،‭ ‬فى‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬تتواكب‭ ‬الرواتب‭ ‬مع‭ ‬معدل‭ ‬التضخم،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬فجوة‭ ‬متزايدة‭ ‬فى‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية،‭ ‬أما‭ ‬السوق،‭ ‬فباتت‭ ‬ساحة‭ ‬احتكار‭ ‬واستغلال،‭ ‬حيث‭ ‬تُخزّن‭ ‬السلع‭ ‬وتُرفع‭ ‬الأسعار‭ ‬وفقًا‭ ‬لتوقعات‭ ‬الجشع‭ ‬لا‭ ‬ضرورات‭ ‬الواقع،‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬شبكة‭ ‬حماية‭ ‬اجتماعية‭ ‬قوية،‭ ‬يواجه‭ ‬الفقراء‭ ‬يومهم‭ ‬بلا‭ ‬سند،‭ ‬والعامل‭ ‬بلا‭ ‬تأمين،‭ ‬والمستهلك‭ ‬بلا‭ ‬حماية،
‮«‬ميزانية‭ ‬الربع‭ ‬كيلو‮»‬‭ ‬أصبحت‭ ‬واقعًا‭ ‬يعيشه‭ ‬الملايين‭. ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬شعبى‭ ‬بالدقى،‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬أم‭ ‬أحمد‮»‬‭ ‬تتنقل‭ ‬بين‭ ‬البائعين‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬أقل‭ ‬سعر‭ ‬للحوم،‭ ‬وتقول‭: ‬‮«‬كنت‭ ‬أشترى‭ ‬كيلو‭ ‬لحم‭ ‬أسبوعيًا،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فلا‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬كيلو،‭ ‬أقطّعه‭ ‬وأضيفه‭ ‬للخضار‭ ‬حتى‭ ‬يكفى‭ ‬الأسرة‮»‬‭.‬
هذا‭ ‬التحول‭ ‬فى‭ ‬العادات‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬أسرة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬نمطًا‭ ‬عامًا‭. ‬كثيرون‭ ‬اتجهوا‭ ‬نحو‭ ‬تقليل‭ ‬الكميات‭ ‬التى‭ ‬يشترونها،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬بروتين‭ ‬أرخص‭ ‬مثل‭ ‬العدس‭ ‬والفول،‭ ‬لتوفير‭ ‬وجبات‭ ‬مشبعة‭ ‬بأقل‭ ‬تكلفة.


‮«‬عم‭ ‬حسن‮»‬،‭ ‬سائق‭ ‬وأب‭ ‬لثلاثة‭ ‬أطفال،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬ربع‭ ‬كيلو‭ ‬لحمة‭ ‬يخلينى‭ ‬أحس‭ ‬إنى‭ ‬ما‭ ‬حرمتش‭ ‬عيالى،‭ ‬والباقى‭ ‬بنعتمد‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬البقوليات‮»‬‭.‬
فى‭ ‬البيوت،‭ ‬أصبحت‭ ‬مهمة‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬عبئًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اقتصاديًا‭. ‬تقول‭ ‬‮«‬منى‮»‬،‭ ‬ربة‭ ‬منزل‭: ‬‮«‬بدل‭ ‬الطبخ‭ ‬المتنوع،‭ ‬بقيت‭ ‬أكتفى‭ ‬بطبق‭ ‬رئيسى‭ ‬وخضار‭ ‬بسيط،‭ ‬نحاول‭ ‬نطوّل‭ ‬بالكميات‭ ‬بأى‭ ‬طريقة‮»‬‭.‬
البقالون‭ ‬لاحظوا‭ ‬بدورهم‭ ‬تغيرات‭ ‬واضحة‭ ‬فى‭ ‬سلوك‭ ‬الزبائن‭. ‬يشير‭ ‬أحدهم‭: ‬‮«‬الناس‭ ‬بقت‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬السعر‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬تشترى،‭ ‬ويطلبوا‭ ‬كميات‭ ‬صغيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬أحيانًا‭ ‬حبة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الفاكهة‮»‬‭.‬
الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تجاوزت‭ ‬الجانب‭ ‬المادى،‭ ‬لتطال‭ ‬الجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬‮«‬محمد‮»‬،‭ ‬موظف‭ ‬حكومى،‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬شعوره‭ ‬بالحزن‭: ‬‮«‬أطفالى‭ ‬بيطلبوا‭ ‬حاجات‭ ‬بسيطة،‭ ‬وما‭ ‬بقدرش‭ ‬أحقق‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بقيت‭ ‬أحسب‭ ‬كل‭ ‬جنيه‮»‬‭. ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط،‭ ‬ظهرت‭ ‬بعض‭ ‬مبادرات‭ ‬التضامن‭. ‬تقول‭ ‬‮«‬هدى‮»‬،‭ ‬أم‭ ‬لثلاثة‭ ‬أطفال‭: ‬‮«‬بنتشارك‭ ‬أنا‭ ‬وجيرانى‭ ‬فى‭ ‬شراء‭ ‬كميات‭ ‬أكبر،‭ ‬وبنطبخ‭ ‬سوا‭ ‬عشان‭ ‬نوفّر‭ ‬غاز‭ ‬وكهرباء‮»‬‭.‬
لم‭ ‬تعد‭ ‬المعاناة‭ ‬محصورة‭ ‬فى‭ ‬محدودى‭ ‬الدخل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬طالت‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬أيضًا‭. ‬‮«‬أبو‭ ‬سامي‮»‬،‭ ‬موظف‭ ‬فى‭ ‬شركة‭ ‬حكومية،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬بتنقل‭ ‬بين‭ ‬الأسواق‭ ‬عشان‭ ‬ألقط‭ ‬العروض،‭ ‬أوقات‭ ‬بستنى‭ ‬تخفيضات‭ ‬عشان‭ ‬أشترى‭ ‬رز‭ ‬أو‭ ‬زيت‮»‬‭.‬
حتى‭ ‬اللقاءات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعزائم‭ ‬بدأت‭ ‬تتأثر‭. ‬تقول‭ ‬‮«‬أمينة‮»‬‭: ‬‮«‬بقينا‭ ‬نعمل‭ ‬ديش‭ ‬بارتى،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يجيب‭ ‬معاه‭ ‬طبق،‭ ‬وده‭ ‬خفف‭ ‬علينا‭ ‬كتير،‭ ‬وخلانا‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬اللمة‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‮»‬‭.‬
فى‭ ‬المقابل،‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬البعض‭ ‬مكتوفى‭ ‬الأيدى‭ ‬أمام‭ ‬موجات‭ ‬الغلاء‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬بل‭ ‬بدأوا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬مبتكرة‭ ‬داخل‭ ‬نطاق‭ ‬إمكانياتهم‭ ‬المحدودة،‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬إيمان‮»‬،‭ ‬موظفة‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭: ‬‮«‬اتعلمت‭ ‬أعمل‭ ‬الجبنة‭ ‬فى‭ ‬البيت،‭ ‬وأخبز‭ ‬العيش‭ ‬بدل‭ ‬ما‭ ‬أشتريه،‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬عشان‭ ‬أوفر،‭ ‬كمان‭ ‬عشان‭ ‬أضمن‭ ‬الجودة‮»‬،‭ ‬وتضيف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬يومها‭ ‬العادى،‭ ‬لكنها‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭.‬
فى‭ ‬أسواق‭ ‬الخضار،‭ ‬تغيّرت‭ ‬المشاهد،‭ ‬البائعون‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬سماع‭ ‬جملة‭: ‬‮«‬عايز‭ ‬بنص‭ ‬جنيه‭ ‬بس‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬هات‭ ‬لى‭ ‬اتنين‭ ‬بس‭ ‬من‭ ‬دول‮»‬،‭ ‬فى‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الخضار‭ ‬أو‭ ‬الفاكهة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬بدأ‭ ‬يعرض‭ ‬الكميات‭ ‬حسب‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬الجديدة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬كيس‭ ‬خضار‭ ‬بجنيه‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬طبق‭ ‬عدس‭ ‬صغير‭ ‬بـ‭ ‬5‭ ‬جنيه‮»‬‭.‬
فى‭ ‬إحدى‭ ‬عربات‭ ‬الفول،‭ ‬كان‭ ‬‮«‬سامي‮»‬،‭ ‬شاب‭ ‬ثلاثينى،‭ ‬ينتظر‭ ‬دوره،‭ ‬وعندما‭ ‬سُئل‭ ‬عن‭ ‬وجبته‭ ‬اليومية‭ ‬قال‭: ‬‮«‬فطار‭ ‬فول،‭ ‬غدا‭ ‬فول،‭ ‬عشا‭ ‬عدس‮»‬،‭ ‬وضحك‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬‮«‬المهم‭ ‬نعيش‭ ‬ونضحك،‭ ‬بدل‭ ‬ما‭ ‬نغرق‭ ‬فى‭ ‬الهم‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬الساخرة‭ ‬صارت‭ ‬وسيلة‭ ‬للتعايش،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬حجم‭ ‬الألم‭ ‬الداخلى‭ ‬الذى‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬كثيرون‭.‬
تغير‭ ‬النمط‭ ‬الغذائى‭ ‬امتد‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬أطفال‭ ‬المدارس،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭ ‬معلمة‭ ‬فى‭ ‬مدرسة‭ ‬ابتدائية‭: ‬‮«‬لاحظنا‭ ‬أن‭ ‬كتير‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬بيجوا‭ ‬بدون‭ ‬سندويتشات،‭ ‬أو‭ ‬معاهم‭ ‬قطعة‭ ‬صغيرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬الخبز‮»‬،‭ ‬وتحكى‭ ‬عن‭ ‬طفلة‭ ‬طلبت‭ ‬أن‭ ‬تشرب‭ ‬من‭ ‬زجاجة‭ ‬ماء‭ ‬زميلتها‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تحضر‭ ‬حتى‭ ‬زجاجة‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭. ‬الجانب‭ ‬النفسى‭ ‬يتفاقم‭ ‬أيضًا،‭ ‬مع‭ ‬شعور‭ ‬متزايد‭ ‬لدى‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬بالعجز‭ ‬أمام‭ ‬متطلبات‭ ‬أبنائهم،‭ ‬‮«‬سعيد‮»‬،‭ ‬يعمل‭ ‬فنى‭ ‬صيانة،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬ابنى‭ ‬طلب‭ ‬منى‭ ‬جزمة‭ ‬جديدة،‭ ‬وما‭ ‬قدرتش‭ ‬أقول‭ ‬له‭ ‬لأ،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬نستنى‭ ‬شوية‭ ‬لحد‭ ‬ما‭ ‬ينزل‭ ‬عليها‭ ‬خصم،‭ ‬قلبى‭ ‬اتكسر‭ ‬لما‭ ‬شفته‭ ‬ساكت‭ ‬بس‭ ‬زعلان‮»‬،‭ ‬مشهد‭ ‬يتكرر‭ ‬فى‭ ‬آلاف‭ ‬البيوت،‭ ‬حيث‭ ‬يتحول‭ ‬كل‭ ‬طلب‭ ‬بسيط‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬نفسى‭ ‬وقرار‭ ‬اقتصادى‭ ‬صعب‭.‬