حكاية وطن
خرج ولم يعد
بفعل فاعل، هناك جيل كامل من الشباب المصرى لا يعلم شيئاً عن المجالس الشعبية المحلية، رغم أن مصر من أعرق الدول التى عرفت الإدارة المحلية منذ تقسيم أرض الدلتا إلى قسمين رئيسيين هما الريف والحضر فى أعقاب فتح مصر عام 641 ميلادية، كل الذى سمعه هؤلاء النشء الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً من آبائهم أن المجالس المحلية خرجت ولم تعد بعد ثورة يناير 2011، على أثر حكم صدر بعد عشرات الدعاوى التى نظرتها محكمة القضاء الإدارى بحل هذه المجالس، وبعد أن كشفت هذه الدعاوى أن حوالى 1750 مجلساً محلياً يسيطر على 98٪ منها فلول الحزب الوطنى المنحل، تعمل فى إطار من الفساد الإدارى يجعلها لا تعبر بشفافية عن مطالب المواطنين وتنفذ رغبات الحزب المنحل.
هذا الظرف التاريخى الذى نسف بالإدارة المحلية، وفى ظل ما تقوم به الدولة من محاولات لإنقاذ المجالس المحلية وإعادتها إلى الضوء بشكل يجعلها سندا للمواطن وليست عبئاً عليه لا يمنع بأن نشرح لهؤلاء الشباب الذين نعدهم لتحمل المسئولية فى المستقبل، أن البدايات الأولى للنظام المحلى الحديث تعود إلى عهد الحملة الفرنسية، حيث قام نابليون بونابرت بإنشاء ديوان القاهرة ثم عمم الدواوين فى جميع مديريات القطر المصرى، ووفقاً للأمر الصادر فى 26 يوليو 1798، وتقسيم البلاد إلى 16 مديرية، وكان أول اعتراف دستورى بالنظام المحلى المصرى فى المادتين 132، 133 من دستور 1923، والذى نص على أن تشكل جميع المجالس «بلديات - مديريات» عن طريق الانتخاب، كما منح الدستور هذه المجالس اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسات العامة محلياً وإلزامها بنشر ميزانياتها، وأن تكون مجالسها مفتوحة للمواطنين.
توالت أشكال المجالس البلدية حتى صدور قانون نظام الإدارة المحلية بنظام المجلس الواحد رقم 124، لسنة 1960، والذى قسم البلاد إلى 26 محافظة ومدينة واحدة «الأقصر»، وقسم المحافظات الحضرية إلى مستويين هما: المحافظات والأحياء، وقسم المحافظات الريفية إلى 5 مستويات هى: المحافظة - المراكز - المدن - الأحياء - القرى، ثم صدر القانون رقم 57 لسنة 1971، فى شأن الحكم المحلى بتطبيق نظام المجلسين لأول مرة، أحدهما شعبى برئاسة أمين لجنة الاتحاد الاشتراكى فى المحافظة والآخر تنفيذى برئاسة المحافظ. وأعطى هذا القانون الحق فى تقرير مسئولية المحافظ عن أمر معين وقع منه بموافقة ثلثى الأعضاء ليقرر رئيس الجمهورية ما يراه فى شأن المحافظ، وكذلك فيما يتعلق بمسئولية أحد رؤساء المصالح بأغلبية أعضائه ليتخذ رئيس الوزراء ما يراه فى شأن رئيس المصلحة، ثم صدر القانون رقم 43 لسنة 79 بإصدار نظام الحكم المحلى الحالى، والذى ترتب عليه إلغاء اللجنة الوزارية للحكم المحلى، وحل محلهما مجلس المحافظين برئاسة رئيس الوزراء وعضوية جميع المحافظين وحتى تعديل هذا القانون عدة مرات.
الأمل فى إنقاذ المجالس المحلية كان معقوداً على الدستور الحالى (2014)، الذى خصص للإدارة المحلية 9 مواد، تضمنت تقسيم الدولة لوحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وكفالة الدولة لدعم اللامركزية وتمكين الوحدات المحلية ومعاونتها لتحقيق العدالة الاجتماعية.. إلخ، وبما أن الدستور لا ينفذ بذاته ويحتاج إلى تحويل مواده إلى قوانين، وبالفعل هناك أكثر من مشروع قانون أمام مجلس النواب فى شأن الإدارة المحلية منذ الفصل التشريعى الأول، لكن لم ير أحدها النور للشروع فى انتخابات المجالس المحلية. وأصبح مصيرها مجرد وعود، تظهر مع نهاية الفصل التشريعى وفى بداية الفصل الحديد، وتختفى بعد ذلك، أذكر أن رئيس مجلس النواب السابق الدكتور على عبدالعال قال أثناء مناقشة قانون الإدارة المحلية: «إن الإدارة المحلية هى المدرسة التى يتعلم فيها المواطنون فن الحكم فى الدولة، وتعتبر جزءا من البناء الإدارى والاقتصادى للدولة، ولكن هذه المدرسة مازالت مغلقة منذ 14 عاماً حتى الآن، ربما للتجديدات وربما للنسيان».
رغم أهمية دورها فى القيام بالمهام الإدارية المكملة لمهام الحكومة المركزية، باعتبارها أداة للتنمية المحلية تسعى إلى الرفع من الأداء الإدارى للدولة بهدف النهوض بالتنمية المحلية والشاملة فى مختلف المجالات.