شرطة مائلة
طوفان الأقصى من التأريخ إلى الانبعاث
منذ اندلاع طوفان الأقصى قبل عامين، انقسمت الساحة الإسرائيلية – السياسية والعسكرية والإعلامية – حول اسم الحرب، فاستخدمت السردية الإسرائيلية في البداية اسم عملية "السيوف الحديدية، في حين فضّل آخرون تسميتها "حرب السابع من أكتوبر" تأكيدًا على لحظة الصدمة والانكسار، بينما استخدم بعض اليمينيين المتطرفين مصطلح "حرب التكوين" للدلالة على "الخلاص والبعث الروحي".
صوّت وزراء الحكومة الإسرائيلية في جلستها يوم الأحد على تغيير اسم الحرب من "السيوف الحديدية" إلى "حرب الانبعاث" (ملحيمت تِقوما)، وهو الاسم الذي يُترجم "حرب النهضة" في السرديات الإعلامية العربية، وهي ترجمة غير دقيقة، لأن المقصود بالاسم كما يريده نتنياهو هو "الانبعاث" المرتبط بالقيامة القومية اليهودية، ويسعى لتسطيره منذ أكثر من عام، عبر تأطير حدث الحرب وجعله فصلًا ذا مغزى رمزي في السرد الإسرائيلي، فيما نقلت الصحافة عن الحملة الطويلة لنتنياهو لدفع هذا الاسم وعن معارضات وتعديلات داخل الائتلاف.
يحاول نتنياهو، بصفته رئيسًا لحكومة تمرّ بأزمة سياسية، أن يمنح حربه على غزة معنى خلاصيًا، فهو، ابن المؤرخ بن تسيون نتنياهو، يعي أن الاسم ليس مجرد دلالة لغوية، بل أداة لصياغة الوعي وتوجيه الذاكرة الإسرائيلية الجمعية، و"الانبعاث" ليست اختيارًا بريئًا، بل محاولة من بيبي لتجميل الفشل وإعادة صياغة تاريخ الحرب.
ليس الجميع راضين عن الاسم الجديد، فقد نشرت صحيفة يسرائيل هايوم أن الوزير أوفير سوفر كان يقترح اسمًا بديلًا هو "شعب كلبوةٍ" وهو المصطلح التوراتي الذي جاء فقرة سفر العدد "هُوَذَا شَعْبٌ يَقُومُ كَلَبْوَةٍ، وَيَرْتَفِعُ كَأَسَدٍ. لاَ يَنَامُ حَتَّى يَأْكُلَ فَرِيسَةً وَيَشْرَبَ دَمَ قَتْلَى"، وهي الفقرة التي قام نتنياهو بوضعها في حائط البراق قبل الهجوم على إيران، ويرى سوفر أن الاسم "حرب الانبعاث" لا يعبّر بما فيه الكفاية عمّا مرّت به إسرائيل.
وينضم سوفر إلى عضو حزب هاليكود الوزير عمّيحاي شيقلي، الذي قال مسبقًا إنه لن يدعم اسم "حرب الانبعاث"، وقال شيكلي: " تُعرف حرب الاستقلال (حرب 1948) أيضًا باسم حرب الانبعاث القومي بمبادرة دافيد بن جوريون، ومن الناحية الجوهرية؛ كلمة تِقوما (الانبعاث) ثقيلة ذات دلالة تاريخية عميقة في التاريخ اليهودي، تمثّل الانتقال من حالة المنفى وانتهت بالمحرقة الرهيبة إلى تجديد السيادة اليهودية في أرض إسرائيل (فلسطين)، ينبغي أن نترك هذا الاسم لمقاتلي عام 1948 ولزعماء المشروع الصهيوني وعلى رأسهم بن جوريون."
غير أن قرار نتنياهو لا ينفصل عن استراتيجيته التي تهدف إلى إعادة بناء شرعية مفقودة، فبعد عامين من الانتقادات حول مسؤوليته المباشرة عن التقصير الأمني والسياسي في 7 أكتوبر، يسعى بيبي إلى تحويل الرواية من سردية الانهيار الإسرائيلي إلى الانبعاث، ومن هنا فالاسم الجديد إذًا ليس توصيفًا للواقع، بل محاولة لصناعته.
إسرائيل، كما يصفها باحثون مثل إيلان بابِه ويوآف جيلبر، لا تنفصل في بنيتها عن الذاكرة، فكل حرب جديدة تحتاج إلى أسطورة جديدة تبرر استمرار المشروع الصهيوني نفسه، والذاكرة هنا ليست انعكاسًا للماضي، بل وسيلة للبقاء، ومن ثم؛ فإن ثمة تحويل طوفان الأقصى / السابع من أكتوبر/ السيوف الحديدية من "هاجس فاجعة" إلى سردٍ يصوغ استمرارية تاريخيّة، وانبعاثًا لنتنياهو، بعدما أعلن – وهو أطول رئيس حكومة إسرائيلية بقاءً في الحكم – نيته الترشح مجددًا في الانتخابات القادمة، مع تهرّبه المستمر من المحاكمة في قضايا الفساد والرشى.
كاتب وشاعر، صحفي حر، أكاديمي، مُدرس الأدب العبري الحديث والدراسات الإسرائيلية، كلية الآداب، جامعة المنصورة، مصر
https://www.facebook.com/MoHendam
https://x.com/MoHendam
[email protected]