بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الجمهور يعانق الشيطان.. لماذا سرق الأشرار القلوب على الشاشات ؟

بوابة الوفد الإلكترونية

قلبت الشخصيات الشريرة قواعد التقدير، حيث أعادت تعريف العلاقة بين الجمهور وحب الشر، لتصبح الشخصية الشرير هي الأكثر تعاطفاً وجذب للانتباه.

واعتمد صناع الأعمال على عمق الخلفيات والذكريات المعذبة للشخصيات الشريرة، ما جعل المشاهدين يرون الجريمة كنتيجة لتراكمات اجتماعية ونفسية، وليس طبيعة فطرية.

أضافت السيناريو المعقد إنسانية للشخصيات الشريرة، ما دفع الجمهور لإعادة النظر في أحكامه، من الانتقاد اللاذع إلى التساؤل عن الأسباب والظروف، واستغل المنتجون هذه الظاهرة، فارتفعت نسب المشاهدة وتحول الشر إلى عنصر تنافسي بين الأعمال، بينما دفع هذا النقاد لإعادة قراءة المعايير، فباتت القيمة الفنية تُقاس بقدرة العمل على صناعة شخصية معقدة تثير النقاش، بدل تقديم شر أحادي الأبعاد.

وخلال تلك الاتجاهات، دفعت المؤلف إلى جوانب الشر القابلة للغفران، حيث يبرز الجوانب التي وصلت هذه الشخصية لهذا السوء، وذلك على حساب المسؤولية الأخلاقية، مما أثار تعاطف الجمهور المشاهد، ليصبح مجسد هذه الشخصية هو الأكثر احترافيه في العمل الدرامي. 

 

أثبتت التجربة الحاجة إلى نقد مهني يفرق بين التقدير الفني للتعقيد النفسي ومسؤولية خطاب يحترم القيم المجتمعية، وإلا فإن "الشر" يتحول إلى سلعة تفقد العمل روحه النقدية.

وقدم مجموعة من النجوم، على صعيد التاريخ السينمائي، مثل محمود المليجي الشر الكلاسيكي الهادئ، حيث حوله إلى حضور متزن يربك المشاهد، كما في أفلامه مثل الأرض، بينما أعاد عادل أدهم تعريف الشرير المحبوب بالأناقة والكاريزما في أفلام مثل الشيطان يعظ وأسياد وعبيد.

أما محمود حميدة قدم شخصيات شريرة ذات بعد فلسفي وألم داخلي، مثل بوابة إبليس واللعب مع الأشرار، فيما قدم فتحي عبد الوهاب نموذج الشر المبرر بالفكر والأيديولوجيا في أعمال مثل القاهرة كابول ولص بغداد.

ورسخ خالد الصاوي  الشر كحالة فنية معقدة، تحمل تضاربًا داخليًا دفاعيًا نفسيًا في أفلام مثل عمارة يعقوبيان وأبو علي، بينما جسدت سعاد حسني وهالة صدقي وغادة عبد الرازق ومنى زكي الشر الأنثوي بطرق متعددة، من الألم والانتقام إلى الدفاع عن النفس والنجاة، مع جذب تعاطف الجمهور.

وفي الدراما الحديثة، مثل أحمد أمين في ما وراء الطبيعة ومحمد رمضان في جعفر العمدة، أصبح الشر أداة لفهم النفس والمجتمع، لم يعد عيبًا بل اختبارًا حقيقيًا لموهبة الممثل، إذ يكشف التعقيد الإنساني ويطرح أسئلة عن الأخلاق والظروف.

وهذه الظاهرة تؤكد أن الفن لم يعد يقدم "الصواب والخطأ" فحسب، بل يفكك النفس البشرية، حيث أصبح من يجرؤ على مواجهة ظله أكثر إثارة مِن "من يرفع سيف الفضيلة"، معيدًا تعريف البطولة والمكانة الفنية للشخصيات الشريرة.