فى مهب الإهمال
فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة إلى توفير سكن كريم يليق بمحدودى الدخل، وتُطلق مبادرات الإسكان الاجتماعى لتكون بمثابة طوق نجاة لآلاف الأسر، يبرز نموذج مساكن دهشور فى حدائق أكتوبر، أو ما يعرف بمشروع الـ16008 وحدة، كأحد المشاريع القومية التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع بداية ولايته الأولى، بهدف الارتقاء بحياة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية فى توزيع الخدمات، إلا أن هذا المشروع، الذى كان يفترض أن يتحول إلى مجتمع عمرانى نموذجى، يعانى اليوم من تردٍ واضح فى الأوضاع على كافة المستويات، ما يهدد بفشل أهدافه وتحويله إلى بؤرة جديدة من الإهمال والعشوائية.
ورغم وجود «وديعة صيانة» تم تحصيلها من السكان مع بداية تسليم الوحدات، مخصصة لضمان استدامة المرافق العامة وصيانة البنية التحتية للمشروع، إلا أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك، فالساحات العامة بين العمارات، المخصصة أصلًا كجراجات لخدمة السكان، تحولت إلى مساحات خاصة يسيطر عليها بعض الأفراد الذين وضعوا حواجز حديدية فى تعدٍ صارخ على الملكية العامة، أضف إلى ذلك انتشار السيارات القديمة والمتهالكة التى تُركت فى هذه الساحات، ما حرم مئات السكان من حقهم فى أماكن انتظار آمنة.
وفى ظل غياب الرقابة الفعالة من جهاز مدينة حدائق أكتوبر، تفشت مظاهر الإهمال بشكل صارخ، حيث شوارع المدينة تغرق فى ظلام دامس، ما يشكل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا، خصوصًا مع تزايد وقائع السرقة والتحرش وتبادل المواد المخدرة علنًا بين الشباب على نواصى الشوارع.
وعلى الجانب البيئى، تعانى المدينة من انتشار القمامة بسبب نقص الصناديق المخصصة لها، وتجاهل صيانة الحدائق العامة التى تحولت إلى مساحات جرداء، بعدما كانت مصدرًا للجمال ومتنفسًا للأطفال والأسر.
ولم تقف المعاناة عند هذا الحد، فوسائل النقل العامة شبه منعدمة، ما يضع عبئًا كبيرًا على الطلاب فى الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم خارج المدينة، كما يعانى السكان من نقص حاد فى نقاط توزيع العيش البلدى، ما يفاقم من أزمة المعيشة اليومية، وكذلك انتشار سكان مجهولى الهوية من جنسيات مختلفة دون رقابة أو أوراق ثبوتية، وهو ما يمثل تحديًا أمنيًا واجتماعيًا خطيرًا.
ما يحدث فى مساكن دهشور هو مثال واضح على فشل الجهات التنفيذية المسؤولة عن إدارة مدينة حدائق أكتوبر فى الحفاظ على مكتسبات الدولة ومشروعاتها الكبرى، فالمشروع الذى تم بناؤه وفق أعلى المستويات من التخطيط والتمويل، تحول بفعل الإهمال وسوء الإدارة إلى بيئة طاردة وغير آدمية.
إن الحفاظ على هذه المشروعات القومية لا يقل أهمية عن إنشائها، بل قد يكون أصعب، لذلك يجب إعادة النظر فى أداء جهاز مدينة حدائق أكتوبر، ومحاسبة المقصرين، وتفعيل الرقابة الشعبية والرسمية، قبل أن يتحول هذا المشروع الطموح إلى عبء إضافى على الدولة والمجتمع.
[email protected]