«مصر.. هبة الله للأرض ومهد الأنبياء والتاريخ»
منذ فجر الخليقة، ومصر تتربع على عرش الحضارة كأول دولة عرفها كوكب الأرض قبل أكثر من عشرة آلاف عام. إنها الأرض التى باركها الله وذكرها فى كتابه العزيز خمس مرات صراحة، وخصّها بالأمن والأمان فقال تعالى: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». مصر لم تكن مجرد مكان على الخريطة، بل كانت وما زالت رمزاً للبداية، ومصدراً للنور الإلهى والعلمى والإنسانى.
سُميت مصر بوحى من الله، وعلى اسمها سمّى نبى الله نوح حفيده مصرايم، لتبقى هذه التسمية شاهدة على مكانتها الأزلية. وعلى أرضها وُلد نبى الله إدريس عليه السلام، أول من خط الحروف بيده وأول من فصل الملابس ليستر بها الإنسان جسده، وهو ذاته الذى بنى بيت الله الحرام بسواعد المصريين الأوائل. ومنذ ذلك الزمان البعيد، كانت مصر مصنع الحضارة ومهد العلم والإبداع.
هى أيضاً أول من صك النقود قبل آلاف السنين، ولا تزال بعض الشعوب تسمى المال بـ«المصارى» نسبة إلى مصر. ومن رحمها خرجت الأميرة هاجر، زوجة نبى الله إبراهيم وأم نبى الله إسماعيل، والتى خلدت شعائرها فى مناسك الحج، حين سعت بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء لابنها، ففجّر الله زمزم ببركتها.
فى مصر عاش نبى الله يوسف، الذى أنقذ البشرية من المجاعة حين جعلها الله خزائن الأرض، فكانت مصر منقذة الأمم من الجوع والقحط. وفيها نشأ نبى الله موسى، وكلمه الله فى الواد المقدس طوى، وهى المرة الأولى والأخيرة التى سُمع فيها صوت الله على الأرض. ومن نسائها السيدة آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون، أول امرأة بنى الله لها قصراً فى الجنة.
ثم جاءها نبى الله عيسى عليه السلام وأمه مريم العذراء، ليحتميا بها سبع سنوات من بطش الطغاة، لتظل مصر ملجأ الأنبياء وملاذ المؤمنين. وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بأهلها خيراً فإن لهم نسباً وصهراً، وإن جندها خير أجناد الأرض»، لتبقى كلماته دستوراً خالداً فى فضلها.
وفى عهد الصحابة، قال عنها عمرو بن العاص: «إن إمارة مصر تعدل الخلافة كلها»، وعندما اشتد الجوع فى الجزيرة العربية، استغاث عمر بن الخطاب بأهلها، فلبى المصريون النداء وأرسلوا قافلة غوثٍ أولها فى المدينة وآخرها فى القاهرة.
ولم تكن عظمة مصر قاصرة على تاريخها الدينى فقط، بل تجسّدت فى حضارة خالدة تُبهر العالم حتى اليوم. فقد شيّد أجدادنا الأهرامات الشامخة التى تعد إحدى عجائب الدنيا السبع وبقيت الوحيدة منها صامدة عبر العصور، وامتدت يد الإبداع المصرى إلى معابد الأقصر والكرنك وأبوسمبل التى تحدثت بلغة الخلود عن حضارةٍ علّمت الإنسانية معنى التنظيم والبناء والإيمان.
ويزيد مصر جمالاً وبهاءً نهر النيل الخالد، شريان الحياة الذى وهبه الله لها ولشعبها، فكان مصدر الخير والنماء منذ الأزل. قال المؤرخون أن «مصر هبة النيل»، لكنه فى الحقيقة نيلٌ وهبه الله لمصر لأنها هبة الله للأرض. من ضفافه قامت الزراعة، وازدهرت الصناعة، وولد الإبداع، وتكوّنت الحضارة التى أضاءت للعالم طريق البقاء والعطاء. إنه النهر الذى يفيض حباً وعطاءً كما يفيض ماءً، ليبقى رمزاً للخصب والخلود فى قلب كل مصرى.
هكذا تظل مصر أم الدنيا وسيدة الأوطان، أرض الأنبياء ومصنع الأبطال، وطن الأمن والخير والعطاء.
اللهم احفظ مصر وجيشها ورئيسها وشعبها، واجعلها دوماً منارة للعالمين.
تحيا مصر العظمى.