شبكة طيران وطنية موحدة.. مركزها القاهرة وجناحاها البحران الأحمر والمتوسط
مطارات مصر تتكامل لا تتنافس فى خريطة الطيران الجديدة
وزارة الطيران: هدفنا التكامل بين المطارات لا تركيز النشاط فى العاصمة
استراتيجية «المطارات المتخصصة» تفتح آفاقًا جديدة للتنمية فى المحافظات السياحية
الغردقة تواصل الصعود: 13 مليون راكب مستهدف وصدارة للسياحة الأوروبية
«شرم الشيخ» يرسخ مكانته كأكثر المطارات أمانًا وجذبًا للسياح فى الشرق الأوسط
برج العرب.. توسعة يابانية لتحويله إلى أول مطار أخضر فى مصر
خطة ربط متكاملة بين المطارات والطرق الذكية والسكك الحديدية السريعة
تتحرك مصر بخطى واثقة نحو تحديث بنيتها التحتية الجوية، إذ يشكل مشروع مبنى الركاب الجديد بمطار القاهرة الدولى (مبنى 4) أحد أبرز ملامح الجمهورية الجديدة فى مجال الطيران المدنى. المشروع الذى تصل طاقته الاستيعابية إلى 30 مليون راكب سنويًا، يمثل نقلة تاريخية تهدف إلى رفع القدرة الإجمالية للمطار إلى 60 مليون راكب سنويًا، بتكلفة تقارب 4 إلى 4.5 مليار دولار.. لكن ما وراء هذه الأرقام هو سؤال أعمق: كيف سيؤثر هذا التوسع الضخم فى مطار العاصمة على اقتصاد المطارات الإقليمية فى الغردقة وشرم الشيخ وبرج العرب؟
هل سيتحول «القاهرة» إلى المركز الجوى الأوحد، أم أن مصر تتجه نحو شبكة متكاملة من المطارات المتخصصة؟

أولاً: مركز جوى ضخم يغيّر خريطة الحركة
يرى خبراء الطيران أن مبنى الركاب الرابع سيحوّل مطار القاهرة إلى مركز عبور (HUB) رئيسى فى الشرق الأوسط وأفريقيا، بفضل سعة التشغيل الجديدة وأنظمة الإدارة الذكية. وبحسب بيانات وزارة الطيران المدنى، فإن المبنى الجديد سيخدم الرحلات الدولية والترانزيت طويلة المدى، ما يعزز دور مصر كممر جوى بين ثلاث قارات.. ومع انتقال عدد من الرحلات العابرة من أوروبا وآسيا إلى القاهرة، قد تشهد بعض المطارات الإقليمية فى البداية انخفاضًا نسبيًا فى الرحلات المباشرة، خاصة تلك التى تعتمد على الطيران العارض (CHARTER FLIGHTS) خلال مواسم الذروة السياحية.. لكن وزارة الطيران تؤكد أن الخطة الاستراتيجية لا تستهدف تركيز النشاط فقط فى القاهرة، بل تسعى إلى إعادة توزيع نوعى للحركة الجوية بما يحقق التكامل بين جميع المطارات.
ثانيًا: فرص جديدة للمطارات الإقليمية
مطار الغردقة الدولى:
يُعد الغردقة ثانى أكبر مطار فى مصر بعد القاهرة، وقد استقبل خلال عام 2024 أكثر من 9.5 ملايين راكب، وهو رقم قياسى مقارنة بما قبل الجائحة.
وتعمل وزارة الطيران حاليًا على رفع السعة إلى 13 مليون راكب سنويًا، مع تحديث ساحات الطائرات وزيادة بوابات السفر.. الهدف هو جعل الغردقة مطار السياحة الأوروبية الأول لمصر، خاصة مع تزايد الرحلات منخفضة التكلفة القادمة من ألمانيا وبولندا وإيطاليا.

مطار شرم الشيخ الدولى
سجّل المطار فى العام نفسه نحو 8.7 ملايين راكب، مع خطة تطوير تستهدف رفع القدرة إلى 10 ملايين راكب سنويًا.. ويركز المشروع على تحسين الخدمات الترفيهية والأمنية، لجعل المطار نموذجًا للمطارات السياحية الآمنة فى الشرق الأوسط.
مطار برج العرب الدولى
يُعد مطار برج العرب ركيزة النقل الجوى فى غرب الدلتا والإسكندرية، ويخضع حاليًا لتوسعة كبرى بتمويل من الوكالة اليابانية للتعاون الدولى (JICA) بقيمة 275 مليون دولار.. المشروع يستهدف زيادة السعة إلى 6 ملايين راكب سنويًا، وتحديث أنظمة الملاحة والبنية الخضراء، ليصبح أول مطار صديق للبيئة فى مصر.
ثالثًا: التكامل بدلاً من التنافس
يؤكد الدكتور سامح الحفنى، وزير الطيران المدنى، فى تصريحاته الأخيرة أن الدولة تتبنى سياسة «المطارات المتخصصة» لا «المطارات المتنافسة». فمطار القاهرة سيظل مركز العمليات الدولية والترانزيت، بينما تتحول المطارات الإقليمية إلى بوابات سياحية مستقلة تستقطب أسواقها المباشرة.
ويضيف أن الاستراتيجية الوطنية للطيران 2030 تهدف إلى تحقيق توازن بين المركز والأطراف، عبر ربط جميع المطارات بشبكة نقل موحدة تشمل خطوط السكك الحديدية السريعة والطرق الذكية الجديدة، لتقليل زمن الانتقال وتعزيز التكامل السياحى.
رابعًا: البعد الاقتصادى والتنموى
تقدّر وزارة الطيران أن مشروع مبنى الركاب الجديد وحده سيُسهم فى خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وزيادة إيرادات المطار بنحو 40% بعد التشغيل الكامل.. كما يتوقع أن يرتفع إجمالى إيرادات المطارات المصرية بنسبة تتراوح بين 35% و45% خلال أول خمس سنوات بعد تشغيل المبنى الجديد.
أما على المستوى الإقليمى، فمن المنتظر أن تؤدى زيادة السعة الإجمالية للنقل الجوى فى مصر إلى رفع عدد السياح الدوليين إلى نحو 30 مليون سائح سنويًا بحلول 2030، ما ينعكس مباشرة على تنشيط الغردقة وشرم الشيخ وبرج العرب.
خامسًا: رؤية نحو المستقبل
توحيد الجهود بين المطارات المصرية يعنى توزيع العائد الاقتصادى بعدالة على المحافظات، وتحقيق التوازن بين التنمية المركزية فى القاهرة والتنمية الساحلية فى البحر الأحمر والمتوسط.. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن نجاح المشروع يتوقف على التكامل اللوجستى، وليس المنافسة، بحيث تعمل مطارات الغردقة وشرم الشيخ وبرج العرب كـ«أذرع داعمة» لمطار القاهرة، ضمن شبكة طيران وطنية قوية قادرة على جذب الاستثمارات الدولية وشركات النقل منخفض التكلفة.
القاهرة مركز.. والأطراف تنبض بالحياة
إن مبنى الركاب الجديد فى مطار القاهرة لا يمثل مجرد توسعة هندسية، بل مشروع وطنى لإعادة رسم خريطة الطيران المصرى.. وإذا نجحت الحكومة فى تحقيق التوازن بين مركز العاصمة والمطارات الإقليمية، فإن مصر ستتحول خلال عقد واحد إلى أحد أهم مراكز النقل الجوى فى الشرق الأوسط وأفريقيا مركز اقتصادى وسياحى ينبض من القاهرة، وتتكامل حوله الغردقة وشرم الشيخ وبرج العرب فى منظومة واحدة.

