بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

سَلَام صُنْع فِى مِصْر

فى أدبيات العلوم السياسية يتم التفرقة ما بين حفظ السلام، صنع السلام، وبناء السلام. حفظ السلام هى المرحلة أو الخطوة الأولى فى طريق التسوية النهائية الشاملة والسلام الدائم، وهو يعنى تدابير ضبط الأمن، مثل المراقبة والتنظيم والفصل بين الأطراف. وهو جهدٌ لوقف أو الحد من الأعراض الضارة للنزاع المتصاعد - العنف المباشر، أى أنه يهدف إلى تحقيق الاستقرار مؤقتًا عن طريق وقف العنف والسيطرة على الموقف.
أما صنع السلام فهو الخطوة التالية التى تشتمل على آليات الحوارَ والتشاورَ وحلَّ النزاعات مثل التفاوض والوساطة من أجل اتفاقات عادلة، وهو جهدٌ يبذله كلُّ طرفٍ لفهم ومعالجة احتياجات ورغبات الأطراف الأخرى المتنازعة معه، وإشراك هذه الأطراف فى صياغة قرارٍ مشتركٍ حول كيفية إصلاح الوضع الراهن. وبخلاف حفظ السلام، يستخدم صنع السلام الحوارَ المتبادل للتوصل إلى اتفاقٍ عادلٍ حول كيفية حلِّ المشكلة المُلحَّة، مما يُزيل دوافع الأطراف لاستخدام العنف. وهنا تختبر مفاوضات السلام صدق الأطراف واستعدادها للتعايش، وتُظهر مدى قدرتها على وضع خطة شاملة للسلام.
المرحلة الثالثة والأخيرة هى بناء السلام بما يعنى إصلاح العوامل النظامية والجذور التى كانت تُسبب النزاعات وتُفاقمها. ويعنى نظام بناء السلام إعدادًا شاملًا ومستمرًا لسلام عادل ودائم.
قد تكون هذه المقدمة وهذا التأسيس نظرياً نوعاً ما، لكن رأينا لها تطبيقا عمليا فى قمة شرم الشيخ للسلام، فالقمة وضعت اللبنة الأولى لانطلاق عملية السلام بمراحلها الثلاثة، فعلتها مصر، والبداية كانت بنجاح الجهود المصرية فى فرض المفاوضات ووقف العدوان.
الرسالة الرئيسية للقمة، والتى نفخر بها جميعا هى أن العالم أصبح على يقين تام بأن مصر هى مركز الثقل الحقيقى فى معادلة الشرق الأوسط. فما بين قمة القاهرة للسلام 21 أكتوبر 2023، إلى قمة شرم الشيخ أكتوبر 2025، وخلال عامين متواصلين من الحرب والعدوان، أدارت القاهرة سلسلة من الجهود السياسية والأمنية، والإغاثية الإنسانية الشاملة والمتكاملة توجت بقمة شرم الشيخ وهذا الاتفاق. التحركات المصرية التى جمعت ما بين الصرامة فى حماية الأمن القومى المصرى وصيانة السيادة الوطنية المصرية، صلابة المواقف، ورسوخ الثوابت تجاه القضية الفلسطينية، إلى جانب الكفاءة والمهارة فى إدارة عمليات التفاوض. كلها نجحت فى إعادة ترتيب المشهد الإقليمى وصولا إلى قمة شرم الشيخ للسلام التى يمكن اعتبارها المحطة المفصلية الثالثة فى مسار الصراع العربى الإسرائيلى بعد مؤتمر مدريد 1991، واتفاق أوسلو 1993. وإن كانت قمة شرم الشيخ مرشحة لأن تكون الأكثر مفصلية فى تاريخ هذا الصراع بعدما نجحت فى بناء إطار إقليمى دولى لعملية التسوية.
لكن رغم النجاح الكبير للقمة علينا ألا نفرط فى التفاؤل، وأن نتفاءل بحذر، والوسطاء أمام اختبار صعب بشأن المراحل المقبلة من اتفاق غزة، والنجاح لا يقاس بالتصريحات أو «الضمانات اللفظية» كما قال الرئيس الأمريكى، بل بالقدرة على تحويل بنود الاتفاق إلى واقع ملموس فى مواجهة عراقيل إسرائيلية متوقعة ومنتظرة. لذلك؛ الاتفاق الحالى يفتح نافذة لمسار سياسى أوسع، لكنه لن ينتقل إلى مراحل صنع وبناء السلام ما لم يتبع بخطوات تقنية، سياسية وقانونية، أمنية ومؤسسية ملزمة للجميع، ونقطة البداية تثبيت وقف النار وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع.