بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

على فكرة

كم من الحماقات ترتكب باسم الديمقراطية

ما الذى يكسب الإنسان الفرد مكانته فى المجتمع الذى يتحرك فيه ؟
عوامل كثيرة ترسم تلك المكانة، من بينها ما هو موروث وما هو مكتسب . ومنها على سبيل المثال ما يتصل بالتفوق الدراسى والعلمى والثقافى، والتميز المهنى والوظيفى. ومنها ما يرتبط بإسهاماته الفريدة فى المجالات الفكرية والعلمية والإبداعية والسياسية والنضالية. وقبل هذا وبعده طبيعة الفرد والنشأة التى شب وكبر عليها، والصفات الشخصية التى يتحلى بها، وهى هنا تتراوح بين التهذيب وقلة الأدب، والهددؤ والعنف والصدق والادعاء، والشجاعة والجبن، والذكاء والغباء، وهدوء الطبع والاندفاع، والمثابرة والتعجل والمبدئية والانتهازية. تلك العوامل مجتمعة هى وغيرها ما يشكل مسيرة الفرد، ومواقفه فى النظرة للأمور وللحياة ولنفسه، ورؤية المحيط الذى يتحرك داخله له. وكلها عوامل تقود إما إلى النجاح أو الفشل.
تبدأ المشاكل حين يكّون بعض الأفراد صورة ذهنية عن أنفسهم، ثم يتصور هذا البعض أن تلك الصورة هى نفسها نظرة الآخرين والمجتمع إليه. وفى الحياة العامة وفى المجال المهنى والاجتماعى والسياسى والحزبى قابلت أنماطا من كل هؤلاء، وتوقفت طويلا أمام النموذج الانتهازى والافاق الذى يمشى فى الحياة العامة بحثا عن أى منفعة شخصية صغيرة أو كبيرة، ويعمل دون كلل للحصول عليها بكل الطرق،سواء كانت مشروعة أو ممنوعة، أخلاقية أو فاجرة، ثم يغلف تلك الصغائر بأهداف نبيلة، ترفع شعارات تزعم الدفاع عن المصالح العامة والديمقراطية والعدالة والمساواة. وتنتاب هذا الموذج فى العادة، حالة مزدوجة من جنون العظمة والإحساس الدائم بالاضطهاد، ويحمل فى جعبته مظلومية دائمة من أشياء لم يحصل عليها، لظنه باستحقاقه لها، لولا ما يشيعه من انعدام العدالة وسيادة الاحتكار والاستبداد، برغم أنه قد لا يمتلك أى مزايا أو كفاءة تؤهله لذلك.
يفتقد هذا النموذج عادة سمة الثبات الانفعالى، فلا يتحكم فى انفعالاته، ويفشل فى إخفاء مشاعر الكراهية والحقد الدفين تجاه الآخر الذى يظن أنه السبب فيما لم يتمكن من الحصول علية أو تحقيق ما يصبو إليه، سواء كان ذلك خلافا فى الرأى أو ترقية مهنية، أو ميراثا متنازعا عليه، أو منصبا سياسيا، فى الحكومة، أو موقعا قياديا فى حزب، أو مقعدا فى المجالس النيابية. ولا يتورع هذا النموذج عن الخوض فى أعراض من يتخذ منهم خصوما، ولا يستنكف الكذب وكيل الاتهامات دون أدلة وتزوير الوقائع للحط من شأنهم. وحين يفشل فى الوصول إلى هدفه، يتصرف كمجرم مطارد فقد رشده، ولا يتردد فى الهدم والتخريب، وأحيانا إسالة الدماء.
هذا النموذج الخطر تفشى داخل معظم الإدارات التنفيذية المختلفة، وهو شائع فى المنظمات السياسية، بهدف إدامة الصراعات وعرقلة كل خطوة للأمام. وهو نفس الدور الذى يلعبه داخل الحياة الحزبية. ويزداد خطره هنا لأنها تجربة هشة بطبيعتها ومقيدة، ومحكومة بسيل من التشريعات والأوضاع العرفية، التى تمكنت فى سياق الدمج الشائع بين السلطات، فى ظل ظروف سياسية استثنائية معروفة، من استيعاب الوظيفة الدستورية للأحزاب،فى مؤسسات الدولة التنفيذية. ومكمن الخطر يجلو، فى أنه يحول الحركة المحدودة للحزب من قوة ضغط ومؤسسة رقابة شعبية، إلى حلبة للصراع على المكاسب الفردية. لكن تعديل قانون انتخابات المجالس النيابية والتشريعية، وتوسيع نطاق الحريات الديمقراطية التى تحبو خطواته ببطء، سوف يمنح الحياة الحزبية فرصة استعادة بعض أدوارها، ويعجل بتطويرها، وبتوارى تلك النماذج الانتهازية المتسلقة فى الساحة السياسية، ويهميش تأثيرها لتصبح نسيا منسيا.