بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نجوم الزمن الجميل "3"

أﺣﻤﺪ ﻧﺒﻴﻞ: »اﻟﺒﺎﻧﺘﻮﻣﺎﻳﻢ« ﻏﻴّﺮ ﺣﻴﺎﺗﻰ

الفنان أحمد نبيل
الفنان أحمد نبيل

فى زمنٍ باتت فيه الأضواء سريعة الانتهاء، والأعمال الفنية تنسى بطريقة أسرع، يبقى لفنانين الزمن الجميل سحر خاص لا يخفت بريقه مهما مرّت السنوات، هم علامات مضيئة فى تاريخ الفن المصرى والعربى، حفروا أسماءهم فى وجدان الجماهير بموهبتهم الفطرية، وأعمالهم الخالدة التى ما زالت تعيش بيننا جيلاً بعد جيل، لم يكونوا مجرّد ممثلين، بل كانوا رسلًا للفن الأصيل، وأيقونات للثقافة التى شكّلت الوعى الجمعى للمجتمع.

من هنا، جاءت فكرة سلسلة الحوارات الصحفية مع عدد من نجوم زمن الفن الجميل، سنستعيد معهم البدايات الأولى، وذكريات الكواليس، ولحظات النجاح والانكسار، وأيضًا رؤيتهم للفن اليوم، وكيف ينظرون إلى الأجيال الجديدة التى ورثت المشهد.

إنها ليست مجرد مقابلات صحفية عابرة، بل محاولة لتوثيق تاريخ حيّ، وسرد لسيرة مبدعين لا تزال أعمالهم تعلّمنا معنى الالتزام والصدق والإخلاص للفن، والتعرّف على أسرار النجومية الحقيقية، واستلهام الدروس من جيلٍ صنع تاريخًا من ذهب، لا يصدأ مهما تغيّرت الأزمنة.

الحلقة الثالثة 

أحمد نبيل: التمثيل الصامت غير حياتى.. والفن الآن بلا عمق

المسرح الحقيقى اختفى.. و«الملك لير» أنقذ الخشبة من الصمت

الاعتزال.. قرار فرضه غياب الإتقان والصدق الفنى

يعدّ الفنان أحمد نبيل أحد أبرز روّاد فن «البانتومايم» فى مصر والعالم العربى، وهو الفن القائم على التمثيل الصامت والتعبير بالحركة والإيماءة دون استخدام الكلمات، استطاع أن يضع بصمته الفريدة على خشبة المسرح، وأن ينقل للجمهور مشاعر إنسانية عميقة بأدائه العالى وقدرته القوية على توصيل الفكرة من دون حوار، ليظل نموذجًا للفنان الذى عاش للفن لا من أجله، وآمن أن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، برحلته الطويلة فى فن «البانتومايم»، حيث أثبت أن الفن الصادق لا يموت، بل يظل يضىء الطريق للأجيال القادمة.

فى حوار خاص لـ«الوفد»، يتحدث عن بداياته، وأهم محطات مشواره الفنى، وتكريمه فى مصر وخارجها، كما يوجه رسائل صادقة إلى الجيل الجديد من الفنانين، ويكشف عن رؤيته للمسرح والدراما فى الوقت الراهن.

< كيف تتذكر أول ظهور لك على المسرح أوعلى الشاشة؟

- أول ظهور لى كان على مسرح الأطفال بمسرح سيد درويش فى الإسكندرية، وهنا بدأت علاقتى الحقيقية بالفن والتمثيل، أما على الشاشة، فكان أول ظهور لى فى برنامج للأطفال مع «ماما سميحة» والتى كانت تقدمه المذيعة الرائعة سميحة عبدالرحمن، وهى واحدة من أشهر المذيعات التى قدمت برامج الأطفال فى الإذاعة المصرية منذ تأسيسها، وقتها جاءت لتصوير حلقة للأطفال، وشاركت معها فى الفقرة، بعد ذلك انتقلت إلى القاهرة وبدأت مشوارى الفنى من جديد بخطوات ثابتة.

< ما الدور الذى تعتبره نقطة تحول فى مشوارك؟

- لا أستطيع أن أحدد دورًا معينًا كنقطة تحول، لكن التحول الحقيقى فى حياتى كان عندما بدأت أتعرف على فن «البانتومايم»، واكتشفت أن التمثيل الصامت له قوة كبيرة فى التعبير، فبدأت أدرسه بنفسى من الكتب الأجنبية التى أقوم بشرائها، وتعمقت فيها حتى تعلمت الإخراج وعلوم البانتومايم من فنانين من الاتحاد السوفيتى، هذا الفن غيّر مسار حياتى وجعلنى أرى التمثيل بمنظور مختلف.

هل ترى أن الفن ما زال يحتفظ بدوره التنويرى فى المجتمع كما كان من قبل؟

للأسف لا، فى الوقت الحالى لم يعد الفن كما كان فى جيلنا، الجيل الذى تربى على الفن منهم عادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم وصلاح السعدنى كنا نعمل من أجل الفن نفسه، ونقدّم أعمالًا لكى تظل فى ذاكرة الجمهور بعد مئة عام، اليوم الكثيرين من الفنانين يعملون فقط من أجل المال، لا من أجل تقديم فن هادف، ومن الواضح أمام الجميع أن الفن فقد جزءًا من عمقه وتأثيره التنويرى.

< كيف كنت تختار أدوارك؟

كنت أدقق كثيرا فى اختياراتى خاصة فى المسرح، لأن المسرح مسئولية كبيرة أمام الجمهور، وكنت أقرأ النص وأدرس الشخصية جيدًا قبل أن أقبل الدور، أما فى السينما فكنت أحرص على أن تكون الأدوار ذات بصمة وتأثير فى الأحداث حتى لو كانت أدوار صغيرة.

والحمد لله، كل أدوارى تركت أثرا واضحا، خصوصا فى أفلام الأبيض والأسود، لأنها كانت تُبنى على جودة الأداء وليس على عدد المشاهد.

< لماذا قررت الاعتزال منذ أكثر من 14 عاما؟

- لأننى شعرت أن الأمور تغيرت، فى الماضى كنا نقضى ستة أشهر فى بروفات لمسرحية واحدة أو مسلسل، لكى يخرج بأتفانٍ شديد، أما اليوم نجد الممثل يأخذ ورقة صغيرة ويطلب منه التصوير فى اليوم التالى، لا يوجد وقت للتحضير أو لفهم النص، وهذا جعلنى أشعر أن الأمور أصبحت مجرد «سلق بيض».

الفن بالنسبة لى إبداع وليس صناعة سريعة، لذلك فضلت الابتعاد عندما فقدت تلك الروح الجميلة التى عشناها فى البدايات.

< بصفتك من أبناء المسرح، كيف ترى حال المسرح الآن؟

- بصراحة، لا يوجد مسرح حقيقى الآن، لولا وجود الفنان الكبير يحيى الفخرانى الذى قدّم مسرحية «الملك لير»، لكانت خشبات المسرح خالية تمامًا.

لكن ما يبعث على الأمل أن الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة الحالى، بدأ يتحرك فى اتجاه إعادة المسرح إلى الشارع، من خلال العروض فى القرى والنجوع، المسرح يجب أن يعود إلى الجمهور، لا أن يبقى حبيس القاعات المغلقة.

< كيف ترى الدراما المصرية فى الوقت الحالى؟

- أغلب الأعمال اليوم سطحية ولا تحمل عمقًا فكريًا أو إنسانيًا منذ ظهور محمد رمضان أصبحت معظم الدراما تعتمد على المظاهر والعنف والتكرار، بينما غاب الهدف والرسالة الفن الحقيقى هو الذى يعبّر عن الإنسان ويقدّم فكرًا وثقافة، لا مجرد استعراض أو شهرة مؤقتة.

< كيف ترى تكريمك فى المهرجان القومى للمسرح المصرى؟

- شعور لا يوصف حينما يكرم الفنان فى بلده وسط جمهوره وأهله فذلك أعظم تكريم، هذا هو التكريم الثانى لى من الدولة، فالأول كان من عهد الوزير فاروق حسنى عام 2010، والثانى من الدكتور أحمد هنو عام 2025.

وقد نلت جوائز وتكريمات من دول عديدة حول العالم، منها روسيا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا والهند وأستراليا، لكن تكريم بلدى له طعم مختلف، لأنه يأتى من المكان الذى بدأت فيه.

< حدثنا عن الجوائز التى حصلت عليها خلال مشوارك؟

- الحمد لله، حصلت على المركز الثالث على مستوى العالم فى روسيا عن عروض البانتومايم، وهذا كان شرفًا كبيرًا لى كمصرى وعربى، كما كرمتنى مؤسسات فنية فى أستراليا والهند وألمانيا وسويسرا وإيطاليا وعدة دول عربية، هذه الجوائز كانت تقديرًا لفن البانتومايم الذى سعيت لنشره وتعريف الجمهور به.

< ما الأعمال التى تعتز بها وتعتبرها علامة فى مشوارك؟

- بالتأكيد عروض «البانتومايم» التى قدّمتها فى دار الأوبرا المصرية هى الأقرب إلى قلبى والجمهور أحبها جدًا، وشعرت أننى أوصلت رسالة راقية من خلال هذا الفن النبيل.

كنت أرى السعادة فى عيون الجمهور وهم يشاهدون عرضًا صامتًا لكن مليئًا بالمشاعر، اليوم أشعر بالفخر حين أرى الأطفال والشباب يشاهدون هذه العروض على اليوتيوب ويتعلمون منها. هذه هى المكافأة الحقيقية لأى فنان.

< ما النصيحة التى توجهها للفنانين الشباب؟

- نصيحتى لهم أن يبحثوا عن الكيف لا الكم لا تجعلوا المال هدفكم الأول، بل اجعلوا الفن نفسه هدفًا ورسالة، فى الماضى كنا نعمل بحب، ولم نسأل عن الأجر قبل قراءة الدور، وأتذكر أننى قدمت فيلمًا بأجر 300 جنيه فقط، ولم أستلم آخر قسط من أجرى، لكننى كنت سعيدًا لأننى أقدم ما أحب.

اليوم، للأسف، أول سؤال يطرحه الفنان على مدير الإنتاج «هاخد كام؟» قبل أن يقرأ السيناريو، وهذه العقلية تقتل الإبداع وتُفرغ الفن من روحه.

< ما أصعب موقف مررت به فى حياتك الفنية أو الشخصية؟

- لم أواجه مواقف صعبة بمعناها القاسى، لكن التحدى الحقيقى كان الاستمرار فى فن «البانتومايم»، لأنه لا يدر دخلًا كبيرًا، وكنت أقدمه من أجل المتعة الفنية والشعور بالتميز.

عندما حصلت على جائزة الفنان المتميز عن هذا الفن، شعرت أن كل ما بذلته من جهد لم يذهب هباءً، وأن الفن الصادق يجد طريقه مهما تأخر التقدير.

< لو عاد بك الزمن هل كنت ستختار طريق الفن من جديد؟

- نعم، بالتأكيد أنا وُلدت فنانًا بالفطرة، منذ طفولتى وأنا أرسم وأكتب وأمثّل وأخرج، الفن يجرى فى دمى، وهو الذى منحنى السعادة طوال حياتى، الحمد لله أننى تركت بصمة وتاريخًا، وهذا أعظم ما يمكن أن يحققه أى فنان.

< ماذا تقول لجمهورك اليوم؟

- أقول لهم شكرًا على الحب الذى منحتمونى إياه طوال مشوارى، مازلت أشعر بمحبة الجمهور ومحبتهم رغم غيابى عن الساحة، وأتمنى أن تعود الروح الحقيقية للفن، وأن يظل المسرح والدراما مرآة صادقة للمجتمع، لا مجرد وسيلة للربح، الفن رسالة نبيلة، ومن يخلص لها سيبقى اسمه خالدًا مهما مر الزمن.