لا سلام ولا تسوية دون مصر
كتبت مرارا أنه لا يمكن صناعة خريطة سلام مستدام وحقيقى فى منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن مصر. وها هى بلادنا تثبت مرة أخرى حضورها كدولة محورية ومؤثرة فى مجريات الأحداث بالعالم من خلال قمة شرم الشيخ للسلام، وما سبقتها من وساطة دولية نجحت فى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية غير المسبوقة ضد المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ فى قطاع غزة، لتضع بذلك حدا لمذبحة دامية، وتُفسد مخططا شيطانيا لتهجير الشعب الفلسطينى بعيدا عن أرضه.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023 تبدى الموقف المصرى قويا ومتماسكا وصلبا فى رفض كافة الأطروحات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية المنحازة ضد فلسطين والتى حاولت الضغط فى طريق تهجير سكان القطاع الفلسطينى كحل غير عادل للصراع.
وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية مُعلنا رفضه أى عرض يُبعد الفلسطينيين عن أرضهم، وقال خلال مناسبات عديدة إن مصر لن تكون أبدا بوابة لتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وإنما ستبقى دائما مدخلا للمساعدات الإنسانية، ضاربا بذلك أروع الأمثلة وأشرفها فى التعامل مع الكارثة الإنسانية.
وعلى مدار عامين كاملين ظل الموقف المصرى ثابتا شريفا لا يساوم ولا يتزحزح، رافضا كافة الإغراءات والوعود، ومؤيدا للحق والعدل بقوة، وهو ما أفشل مخططات التصفية، وأقام سدا منيعا أمام فرض إسرائيل للأمر الواقع.
وواصلت مصر دورها كوسيط أساسى ومباشر لتصل بعد مفاوضات مُضنية إلى عقد اتفاق وقف لإطلاق النار فى القطاع، وانسحاب الجيش الإسرائيلى منه، وتسليم الرهائن، والإفراج عن الأسرى، والسماح بدخول المساعدات، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة بإعمار قطاع غزة مرة أخرى وإعادته كأرض صالحة للحياة.
لقد عادت مصر إلى دورها القوى والمؤثر فى المنطقة، وأثبتت بلا أدنى شك للعالم كله أنها الدولة الأكثر استقرارا، والأقدر تأثيرا، والأغنى عقولا وهمما، والتى تتسق مواقفها مع تاريخها ومكانتها فى القضايا المصيرية للأمة العربية.
أمام الشاشات علت رؤوسنا فخرا ونحن نشاهد قادة دول العالم يحتشدون فى مصر كشهود على السلام. سعدنا بوطن عظيم متحضر قوى وفعال وقادر على صناعة السلام والأمان والاستقرار بعد جهود دبلوماسية وسياسية عظيمة تعكس مهارة وحرفية الكوادر المصرية فى مؤسسات الأمن والدبلوماسية على حد سواء، خلف قيادة حكيمة وقوية وواثقة.
لقد أحيت قمة شرم الشيخ التى حضرها قادة وزعماء دول العالم، بريق الأمل مرة أخرى فى إمكانية استعادة السلام بالشرق الأوسط بعد دمار وخراب وانتهاكات صهيونية شديدة الوحشية. فكثير من بلدان العالم تغيرت قناعاتها وصححت تصوراتها لتعمل بجد وصدق فى سبيل التسوية العادلة، بدلا من الانحياز لإسرائيل. وهكذا انحازت حكومات عديدة فى أوروبا إلى رؤى شعوبها لتعترف بالدولة الفلسطينية تحت مظلة إنهاء الصراع الذى طال عقودا ولم يخلف سوى الهلاك.
إن قدر مصر، بحكم موقعها الجغرافى، ومكانتها التاريخية، وتأثيرها السياسى يجعلها دائما صاحبة الدور الأهم فى استئناف أى مفاوضات جادة، وحقيقية للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو ما تدركه كافة دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ينبغى البناء عليه.
ومرة أخرى تحية صادقة للجهود الوطنية المصرية المخلصة الداعمة دائما لقضايا العدالة، ولكافة الجهود العربية التى بذلت لدعم الحق الفلسطينى المشروع فى وطن محرر، وسلام، وتنمية.
وسلام على الأمة المصرية