الفاعل والمفعول
في اتفاق سلام حماس- إسرائيل
تعتبر الحرب الإسرائيلية- الفلسطينية 2023 أهم حدثٍ في القرن الحادي والعشرين، فهي الأطول بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والأكثر وحشية وإبادة والأقل التزاماً بقواعد الحرب والاشتباك، ما أكسبها طابعاً إنسانياً، وجعل العديد من الأطراف والدول تقحم لها دوراً في اتفاق السلام أكتوبر 2025 بين حماس وإسرائيل بدعم الرئيس الأمريكي وبرعاية مصرية وحضور تركي وقطري، ولهذا فقد وجب تحديد الأطراف الفاعلة للوصول لحل تلك المعضلة الإنسانية:
الشعب الفلسطيني:
استأثر الشعب الفلسطيني بالفاعلية الأولى في الوصول إلى مفاوضات السلام تلك، فقد أسفر هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل حسب الإحصائيات المعلنة عن مقتل 1538 قتیلاً وأسر 248 شخصاً آخرين، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى بدء الحرب معمياً، ومن ثم بدأت إسرائيل هجوماً انتقامياً، غرضه التنكيل بكل ما هو فلسطيني، وخلال اشتداد الهجوم الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين لمعت فكرة تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، ومن هنا اشتدت الإبادة الجماعية والتنكيل من قتل وتجويع وتدمير للمستشفيات ودور العبادة طوال عامين كاملين. لكن الشعب الفلسطيني رغم كل معاناته لم يفكر في مغادرته وطنه ولو بشكلٍ مؤقت، وكانت مناشدات الفلسطينيين وتضرعاتهم دائماً لوقف الحرب والتجويع وفتح المعابر، وليست طلباً لمغادرة وطنهم إلى أي مكانٍ آخر، وقد ظهر ذلك في آلاف المقاطع المصورة التي تم التقاطها بكاميرات المحمول أو القنوات الإعلامية. وقد عزّز الموقفان المصري والأردني بوصفهما طرفين فاعلين بقاء الشعب الفلسطيني في وطنه، حيث عارضا التهجير سواء عن طريق استقبال الفلسطينيين لديهما أو استخدامهما كمعبر للفلسطينيين إلى خارج وطنهم، وقد كان الموقف المصري في هذا الشأن فاعلاً ومشجعاً للموقف الأردني في رفض التهجير بكل أشكاله ورفض مقترح الرئيس الأمريكي ترامب بالترغيب والترهيب.
كذلك كانت حماس خصماً عنيداً للنظام الصهيوني، عجز عن إخضاعه طوال عامين، ولم يستطع كسر عزيمته، وعجز حتى عن الوصول إلى مكان احتجاز الرهائن لديهم رغم كل الإمكانات الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية.
رد الفعل العالمي:
لم تُجدِ الطرق والقنوات الدبلوماسية والسياسية المعلنة على المستوى الإقليمي سواء عن طريق الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي في وضع حد للإبادة الإسرائيلية، ولم يستجب نتنياهو لجهود الوساطة العربية والإسلامية لإنهاء الصراع.
أما على المستوى العالمي فلا بد من التفريق بين رد فعل الأنظمة العالمية وبين رد الفعل على المستوى الشعبي العالمي، فقد رفض العديد من الشعوب في العالم التنكيل والإبادة الجماعية بحق المدنيين، وتمثلت ردود الأفعال في خروج العديد من التظاهرات في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الداعمة لإسرائيل، إضافة إلى قوافل فك الحصار بدءًا من أسطول الحرية وصولاً إلى أسطول الصمود.
على المستوى الرسمي فمع طول أمد الحرب ووحشيتها وضغط القوى الشعبية بدأ تراجع الأنظمة عن الدعم المعلن لدعم إسرائيل- عدا الأمريكي ترامب، ثم مع فشل إجماع الدول على وقف الحرب نتيجة الدعم والفيتو الأمريكي، تصاعدت نبرات الرفض وطالت طلبات المحاسبة الرئيس الأمريكي أيضاً، وضرورة مراجعة سياسات مجلس الأمن، ثم بدأت تظهر ردود فعلٍ غير تقليدية من انسحاب الوفود من كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2025، ومطالبة الرئيس الكولومبي غوستاف بيترو في 25 سبتمبر 2025 بمحاكمة الرئيس الأمريكي، ودعوته إلى تكوين جيش عالمي للدفاع عن فلسطين. كل ذلك أجبر الرئيس الأمريكي أن يتخذ موقفاً بإجبار نتنياهو على وقف الحرب، ويعلن خطته للسلام بين حماس وإسرائيل.
مصر:
تتمثّل فاعلية مصر إلى جانب رفضها لعمليات التهجير- بالإضافة للجهود الدبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي لحل القضية- في استضافتها لمفاوضات السلام وإدارتها البارعة للمفاوضات والتوفيق بين الأطراف شديد التنافر (إسرائيل- حماس) وصولاً إلى توافق مبدئي ووقف إطلاق النار والتحضير لتبادل الأسرى، وإرجاء نقاط الخلاف إلى المراحل التالية، وهو ما جعلها الطرف الأكثر فاعلية في اقتناص المفاوضات والوصول إلى اتفاق.
نتنياهو:
لم تنتهِ الحرب من الناحية السياسية كما بدأت؛ ففي بداية الحرب كان هناك تقارب في الموقف السياسي بين الطرفين الفلسطيني- الإسرائيلي على المستوى الدولي؛ حيث كان هناك اختلاف ما بين رافضٍ للحرب ومبررٍ لها، ولكن مع اقتراب الحرب من نهايتها، خسرت إسرائيل سياسياً وأصبحت شبه معزولة لأول مرة منذ 1973م، ويخطئ من يظن أن إسرائيل لم تكن تريد إنهاء الحرب هي الأخرى، فقد فشلت إسرائيل طوال عامين من القصف المستمر في تحقيق أهداف الحرب، سواء القضاء على حركة حماس، أو تهجير الفلطسينيين، أو حتى عودة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وبات رئيس الوزراء الإسرائيلي في موقع المفعول به، الذي ينتظر خروجاً يحفظ ماء وجهه من مستنقع الحرب، ويستعيد به رهائنه المحتجزين لأكثر من عامين.
أستاذ الدراسات الإيرانية- كلية الآداب- جامعة عين شمس