بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ﻗﺒﻞ إﻋﻼﻧﻬﺎ ﺑﺴﺎﻋﺎت

ﻣﻦ أﻧﻔﺎق ﻏﺰة إﻟﻰ أروﻗﺔ أوﺳﻠﻮ.. ﺗﺮاﻣﺐ ﻳﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ

بوابة الوفد الإلكترونية

اقترب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من أكبر اختبار دبلوماسى فى ولايته الثانية، بعدما أصبح على وشك التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب المدمرة بين إسرائيل وحماس، وهى الحرب التى دخلت عامها الثانى وتسببت فى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتدمير شبه كامل لقطاع غزة. وفى مساء الأربعاء، أوضح ترامب عبر منصته «تروث سوشيال» أنه حريص على السفر إلى الشرق الأوسط للترؤس بنفسه على مراسم وقف إطلاق النار والترحيب بالرهائن الذين قضوا عامين فى الأسر تحت الأرض. وحسب إعلانه إنه قد يتوجه الاحد او السبت مساءاً إلى مصر وسط تكهنات بزيارة اسرائيل وغزة

بالنسبة لترامب، فإن هذه اللحظة تمثل ذروة مشروعه السياسى الخارجى فهو يعتبرها دليلًا على أنه «صانع الصفقات وصانع السلام»، كما يصف نفسه. وبالنسبة له أيضا، فإن نجاح هذه المبادرة قد يشكل جسرا مباشر نحو الفوز بجائزة نوبل للسلام التى لطالما عبّر عن رغبته فى الحصول عليها منذ سنوات، فى سعى منه إلى وضع اسمه إلى جانب رؤساء أمريكيين سابقين مثل ثيودور روزفلت وودرو ويلسون وجيمى كارتر وباراك أوباما.

تأتى هذه التطورات بينما تستعد لجنة نوبل النرويجية لإعلان الفائز بجائزة هذا العام اليوم الجمعة  فى أوسلو. وبحسب الجدول الزمني، فإن إعلان اللجنة سيجرى قبل ساعات قليلة فقط من الزيارة المرتقبة لترامب إلى القاهرة وتل أبيب إذا ما تم تثبيت وقف إطلاق النار. وتصف صحيفة «نيويورك تايمز» هذا التزامن بأنه لحظة «شديدة الرمزية» قد تضع ترامب أمام فرصة تاريخية، لكنها أيضا محاطة بمخاطر كبيرة نظرا لتعقيدات الصراع وعدم يقين مستقبل غزة.

غير أن الشرق الأوسط، كما تحذر تقارير «الجارديان» و«لوموند»، ليس ساحة مضمونة النتائج فالاتفاق الذى يسعى إليه ترامب قد يكون مجرد هدنة مؤقتة فى حرب متجذرة منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948. ومع ذلك، يرى مراقبون أن إتمام إطلاق سراح آخر 20 رهينة على قيد الحياة، بالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية من قلب مدينة غزة، سيمثل نقطة تحول غير مسبوقة. وإذا تحقق ذلك بالفعل، فسيكون خطوة أولى نحو خطة سلام أكبر لطالما سعت إليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء إدارة ترامب أو سلفه جو بايدن، لكنها تعثرت بسبب غياب الثقة وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين.

ضغط غير مسبوق على نتنياهو

يرى محللون أن أكبر اختبار يواجه ترامب ليس فقط فى إقناع حركة حماس بالقبول بالصفقة، بل فى كيفية فرض قيود على حليفه التقليدى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. فإقناع نتنياهو بسحب قواته من مدينة غزة، ووقف الحملة العسكرية التى أودت بحياة أكثر من 60 ألف فلسطينى وفق تقديرات الأمم المتحدة، قد يكون إنجازا غير مسبوق لأى رئيس أمريكي.

آرون ديفيد ميلر، الباحث فى مؤسسة كارنيغى للسلام الدولي، قال لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إن وقف إطلاق النار هذا وإطلاق الرهائن، إن حدثا، لم يتحققا إلا بفضل استعداد ترامب للضغط على نتنياهو. لم يسبق لأى رئيس أميركى أن اتخذ موقف بهذه الصرامة من رئيس وزراء إسرائيلي».

ووفق «أكسيوس»، فإن الخلاف بين ترامب ونتنياهو بلغ ذروته عندما استهدفت إسرائيل مفاوضى حماس فى قطر بضربة جوية، ما أثار غضب البيت الأبيض ودفع ترامب لإجبار نتنياهو على تقديم اعتذار رسمى للدوحة. وفى النهاية، قَبِل نتنياهو خطة مكونة من عشرين بندًا، كان يراهن على أن حماس سترفضها، لكنها قبلت على مضض، مدفوعة بحجم الخسائر فى صفوفها وضغط الوسطاء الإقليميين.

ذاكرة من الاتفاقيات السابقة

 

فى الذاكرة الأمريكية، يبقى أعظم إنجاز خارجى لترامب فى ولايته الأولى هو توقيع «اتفاقيات إبراهيم» عام 2020، التى دشنت التطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، ولاحقا السودان والمغرب. لكن مراقبين مثل الباحثة تمارا كوفمان ويتس من معهد بروكينغز يرون أن تلك الاتفاقيات شكلت جزءا من الديناميكية التى دفعت حماس لاحقا لشن هجوم السابع من أكتوبر 2023، باعتبار أن التطبيع مع الدول العربية كان يهدف لتهميش القضية الفلسطينية.

أما وقف الحرب الحالية، التى تسببت فى تدمير 90% من منازل غزة وفق تقديرات الأمم المتحدة، فيراه كثيرون أعظم بكثير. صحيفة «الجارديان» أشارت فى تقرير لها إلى أن «رد إسرائيل العنيف على هجوم 7 أكتوبر تركها فى وضع غير مسبوق: أقوى عسكريا لكنها أكثر عزلة من أى وقت مضى»، مضيفة أن الحملة الأخيرة حتى على أقرب الحلفاء أدت إلى اتساع رقعة الدعوات لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

طموح نوبل وسجال أوروبي

فى نظر ترامب، فإن نجاح وقف الحرب وعودة الرهائن سيعنى أن جائزة نوبل للسلام يجب أن تكون من نصيبه. لكن داخل أوروبا، يثير هذا الطموح جدلاً واسعا. صحيفة «التليجراف» البريطانية نقلت عن مصادر مطلعة أن أعضاء لجنة نوبل لا ينظرون بعين الرضا إلى أسلوب ترامب «المثير للانقسام». هنريك سيس، العضو السابق فى اللجنة، وصف ضغوط ترامب بأنها «غريبة للغاية»، فيما قال القاضى الحالى آسلى توجى إن الحملات العلنية المكثفة للفوز بالجائزة «قد تأتى بنتائج عكسية».

المتحدث باسم لجنة نوبل إريك آشايم أكد أن المداولات انتهت بالفعل يوم الاثنين الماضي، وأن القرار سيعلن فى الموعد المحدد الجمعة عند الحادية عشرة صباحا بتوقيت أوسلو. وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن بعض الخبراء لا يستبعدون أن تتجنب اللجنة منح الجائزة هذا العام بالكامل بسبب الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة.

ومع ذلك، يذكّر آخرون بتاريخ الجائزة نفسه؛ فقد مُنحت فى السابق لمرشحين مثيرين للجدل مثل هنرى كيسنجر عام 1973 بعد اتفاق وقف إطلاق النار فى فيتنام، وياسر عرفات مع إسحق رابين وشمعون بيريز عام 1994 عقب اتفاق أوسلو. لكن مصدرا دبلوماسيا قال لـ «لوموند»: «من الصعب الدفاع عن ترامب بسبب سياساته السابقة، سواء خفض المساعدات أو الرسوم الجمركية أو طريقته فى التعامل مع الحلفاء».

بالنسبة للعديد من الخبراء، قد لا تكون جائزة نوبل هى الهدف النهائى بقدر ما هى وسيلة لترامب لتثبيت إرثه السياسى فى التاريخ. يقول ستيفن إيرلانغر فى «نيويورك تايمز»: «الشرق الأوسط يشبه بركانا قديما، تنظيف حطامه قد يؤدى لانفجاره من جديد».

وبينما يرى خصومه أن مجرد التفكير فى فوز ترامب بالجائزة «مزحة»، يؤكد أنصاره أن «صانع الصفقات» يستحقها أكثر من أى وقت مضى. النائبة الجمهورية كلوديا تينى وعدت بالفعل بأنها ستواصل ترشيحه «حتى يحصل عليها».

وفى الوقت الذى أعلنت فيه إسرائيل وحماس التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن الخميس، يبقى القرار النهائى بيد لجنة نوبل فى أوسلو. لكن الأكيد أن ترامب، سواء نال الجائزة أم لا، تمكن من فرض نفسه مجددا فى قلب أكثر ملفات العالم تعقيدا: غزة، الحرب والسلام.

رهان على المستقبل

حتى لو لم يفز ترامب بجائزة هذا العام، يرى مؤيدوه أن الفرصة الأكبر قد تكون العام المقبل إذا تمكن من تثبيت اتفاق طويل الأمد. فقد لعب دورا محوريا فى إشراك قطر كوسيط رئيسى للضغط على حماس، وقدم ضمانات أمنية لإسرائيل عبر تفاهمات مع الجيش الأمريكى فى المنطقة.

لكن المؤرخ النرويجى آسلى سفين كتب فى صحيفة «آفتربوستن» أن «ترامب لن يحصل على نوبل إلا إذا أصيبت اللجنة بانهيار عصبي»، فى إشارة إلى صعوبة التوفيق بين شخصيته المثيرة للجدل ومتطلبات الجائزة.

مع ذلك، تبقى الحقيقة أن ترامب واصل رفع سقف التوقعات. ففى بيانه الأخير قال: «سيتم إطلاق سراح جميع الرهائن قريبا جدا، وستسحب إسرائيل قواتها إلى خط متفق عليه كخطوة أولى نحو سلام قوى ودائم. ستُعامل جميع الأطراف بإنصاف».

لكن هذا البيان الطموح لا يحجب الواقع الصعب. فالمستقبل السياسى لغزة لم يتضح بعد  هل ستديرها سلطة انتقالية تكنوقراطية؟ هل سيكون للسلطة الفلسطينية دور فيها؟ وكيف يمكن ضمان نزع سلاح حماس؟ كلها أسئلة مفتوحة بلا إجابات واضحة.

معركة داخل إسرائيل

إلى جانب هذه التحديات، يواجه نتنياهو تمردا داخليا من شركائه فى اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، الذين هددوا بالانسحاب من الحكومة إذا تم التنازل عن السيطرة على غزة. ووفق «أكسيوس»، فإن نتنياهو أعرب لترامب عن تشاؤمه قائلًا إن حماس «لن تلتزم»، لكن ترامب رد: «لا أعرف لماذا أنت دائمًا متشائم للغاية... هذا فوز. استغله».

وبحسب مسئولين أمريكيين، فإن ترامب يخطط لزيارة القاهرة وتل أبيب خلال ساعات لتوقيع الاتفاق بنفسه إذا صمد وقف إطلاق النار، وهى خطوة غير مسبوقة لرئيس أمريكى فى إدارة مباشرة لاتفاق بهذا الحجم.