نجوم الزمن الجميل
سلسلة لتوثيق تاريخ عظماء الشاشة.. الجيل الذهبى يتحدث لـ«الوفد»

فى زمنٍ باتت فيه الأضواء سريعة الانتهاء، والأعمال الفنية تنسى بطريقة أسرع، يبقى لفناني الزمن الجميل سحر خاص لا يخفت بريقه مهما مرّت السنوات، هم علامات مضيئة فى تاريخ الفن المصرى والعربى، حفروا أسماءهم فى وجدان الجماهير بموهبتهم الفطرية، وأعمالهم الخالدة التى ما زالت تعيش بيننا جيلًا بعد جيل، لم يكونوا مجرّد ممثلين، بل كانوا رسلًا للفن الأصيل، وأيقونات للثقافة التى شكّلت الوعى الجمعى للمجتمع.
من هنا، جاءت فكرة سلسلة الحوارات الصحفية مع عدد من نجوم زمن الفن الجميل، سنستعيد معهم البدايات الأولى، وذكريات الكواليس، ولحظات النجاح والانكسار، وأيضًا رؤيتهم للفن اليوم، وكيف ينظرون إلى الأجيال الجديدة التى ورثت المشهد.
إنها ليست مجرد مقابلات صحفية عابرة، بل محاولة لتوثيق تاريخ حيّ، وسرد لسيرة مبدعين لا تزال أعمالهم تعلّمنا معنى الالتزام والصدق والإخلاص للفن، والتعرّف على أسرار النجومية الحقيقية، واستلهام الدروس من جيلٍ صنع تاريخًا من ذهب، لا يصدأ مهما تغيّرت الأزمنة.
الحلقة الثانية
سميرة أحمد:
الفن رسالة حب واحترام.. وما زلت أعيش على محبة الجمهور.. وأعتز بمشوارى
المرأة ليست سلعة.. وأرفض الأعمال التى تهيننها
تكريمى من الرئيس السيسى لحظة لا تنسى من حياتي
الفن ما زال قادرًا على تغيير المجتمع إذا صدقت النوايا
تبقى الفنانة سميرة أحمد، واحدًا من القلائل الذين جمعوا بين الموهبة الصادقة والإنسانية الرفيعة، امرأة من زمن الحب فعلًا، بالروح والمضمون، وفى زمن تتبدل فيه المعايير، تظل سيرتها دليلًا على أن الفن الحقيقى لا يشيخ، بل يزداد جمالًا مع الأيام.
نجمة تميّزت ببريقها الإنسانى والفنى، وقدّمت على مدى عقود أعمالًا خالدة فى ذاكرة السينما والدراما، منها «الخرساء» إلى «إسماعيل يس فى الطيران» و«خان الخليلي» و«امرأة من زمن الحب»، تظلّ سميرة أحمد نموذجًا للفنانة التى احترمت جمهورها فبادلوها الحب والوفاء.
فى هذا الحوار تفتح النجمة الكبيرة قلبها، وتتحدث عن مشوارها الطويل، ورؤيتها للفن اليوم، سر ارتباطها بجمهورها، ورسالتها للأجيال الجديدة من الفنانين والفنانات.
< فى البداية.. بعد مشوار طويل من النجاح.. كيف تنظرين اليوم إلى مسيرتك الفنية؟
<< أنا راضية جدًا وسعيدة بما وصلت إليه، والحمد لله على كل ما أنعم به على لم أشعر يومًا أننى «تعبت» بالمعنى السلبى، لأن التعب الذى يصاحب الفن كان دائمًا تعبًا لذيذًا، له طعم النجاح.
كنت أستمتع بكل خطوة، بكل تصوير وبكل دور، والفضل أولًا وأخيرًا لله، ثم للجمهور الذى أحبنى ووقف بجانبى طوال رحلتى.
< أحمد ربى أننى استطعت أن أصل إلى المكانة التى أنا فيها اليوم بحب الجمهور وثقتهم.
ما الدور الأقرب إلى قلبك من بين كل ما قدمتِ؟
<< سؤال صعب جدًا لكون كل أدوارى قريبة إلى قلبى، أنا لا أقبل دورًا إلا إذا كنت مقتنعة بذلك الدور بشكل تام، ولا أستطيع أن أؤدى شخصية لا أشعر بها، وكل عمل قدمته كان جزءًا منى، لكن هناك أعمال أعتز بها بشكل خاص مثل «الخرساء»، و«الشيماء»، و«خان الخليلى»، و«البنات والصيف»، وتلك الأدوار تركت فى أثرًا لا ينسى، لأنها كانت مليئة بالصدق الإنسانى والتحدى الفنى فى الوقت نفسه.
< كيف كنتِ تختارين أدوارك؟ هل بالاعتماد على إحساسك أم برؤية المخرج؟
<< كنت دائمًا أبدأ من الإحساس، فالإحساس هو البوصلة الأولى التى توجهنى نحو الدور، أقرأ السيناريو، فإذا شعرت بشيء يلمسنى من الداخل، أبدأ على الفور بدراسة الشخصية وتحليلها، بعد ذلك أنظر من هو مخرج العمل، لكن القرار الأول دائمًا ينبع من داخلى، الفن بالنسبة لى إحساس قبل أن يكون مهنة، ولهذا كنت أختار أدوارى بقلب الفنان لا بحسابات السوق.
< عملتى مع كبار المخرجين فى تاريخ السينما.. من هو الأكثر تأثيرًا فيكي؟
<< تشرفت بالعمل مع أسماء كبيرة وعظيمة جدًا أثرت فى حياتى الفنية، منهم عاطف سالم، حسام الدين مصطفى، حسن الإمام، صلاح أبوسيف، فطين عبدالوهاب، وغيرهم من عمالقة الإخراج فى مصر، وكل مخرج من هؤلاء ترك بصمة مختلفة فى شخصيتى كممثلة.
ومع عاطف سالم مثلًا تعلمت الصبر والدقة، ومع صلاح أبوسيف تعلمت الواقعية وكيف أجعل الدور يعيش فيّ لا أن أؤديه فقط، هم جميعًا أساتذة أكنّ لهم كل التقدير.
< رأيك ما الذى ينقص الدراما والسينما اليوم مقارنة بزمن الفن الجميل؟
<< فى الماضى كان هناك ترابط حقيقى بين عناصر العمل الفنى، الفنان كان يقدّر الكاتب، والمخرج يحترم الممثل، والجميع يعمل من أجل رسالة فنية واحدة، لكن اليوم رغم وجود أعمال جيدة، لكن هناك شيء من السطحية والاستسهال فى بعض ما يُقدم، خصوصًا فى الدراما.
وفى الماضى كنا نقدم أعمالًا من توقيع كبار الكتّاب مثل نجيب محفوظ، يحيى حقى، إحسان عبدالقدوس، توفيق الحكيم، أسامة أنور عكاشة، أسماء كانت تشكل وجدان الأمة، وتكتب لتغير الوعى، اليوم نفتقد هذه الروح الفكرية العميقة.
< كيف ترين تناول السينما والدراما للمرأة؟
<< ما يحزننى أن بعض الأعمال الحالية تُظهر المرأة بصورة مهينة، كأنها سلعة أو ضحية دائمة، وأرفض أن تُهان المرأة على الشاشة أو تُقدَّم فى مشاهد عنف وبلطجة لا تحمل أى رسالة، المرأة أم وأخت وزوجة، وهى رمز الحب والعطاء، ويجب أن نحترمها فى كل عمل فنى.
< هل تؤمنين بأن الفن لا يزال قادرًا على تغيير المجتمع كما فى الماضي؟
<< بالطبع، الفن ما زال قادرًا على التغيير، لكن يحتاج إلى نية صادقة ورسالة واضحة، الفن ليس مجرد تسلية، بل هو قوة ناعمة تستطيع أن تبنى وعى أمة بأكملها، حين قدمنا فى الماضى أفلامًا مثل «صراع الأبطال» أو «الخرساء»، كنا نناقش قضايا إنسانية حقيقية تمس الناس.
اليوم يمكننا أن نغيّر، لكن بشرط أن نعود إلى الصدق الفنى وأن نبتعد عن العنف والابتذال.
< ما اللحظة التى تعتبرينها الأصعب فى حياتك؟
<< الحقيقة أننى لا أستطيع أن أحدد لحظة بعينها على أنها الأصعب، لكون أن حياتى كانت مليئة بالتحديات الجميلة، وكل تعب مر بى كان يقابله تقدير من الجمهور ومن الله.
ولكن هناك لحظات أعتز بها جدًا كانت عندما، كرّمنى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشعرت فى تلك اللحظة بأن كل السنين والتعب لم يضيع هباءً، كانت لحظة امتنان حقيقية لا تُنسى.
< أنت من أكثر الفنانات قربًا من الجمهور.. ما سر هذه العلاقة الخاصة؟
<< أعتقد أن السر فى الصدق، كنت دائمًا قريبة من الجمهور فى أعمالى، قدّمت شخصيات تشبههم وتعيش معهم، ما زلت حتى اليوم ألتقى بأشخاص ينادوننى باسم «أبلة وفية» وهو اسمى بمسلسل امرأة من زمن الحب، وهذا يسعدنى جدًا.
حين يشعر الجمهور أنكِ صادقة معهم، سيحبونك بلا حدود، وسيظلون أوفياء لكِ حتى لو غبتِ عن الشاشة لسنوات.
< ما الرسالة التى تودين توجيهها لجمهورك الذى يفتقدك؟
<< أقول لهم من قلبي: «وحشتونى جدًا جدًا»، أنتم السبب فى كل ما وصلت إليه، وبدونكم لم أكن لأستمر.
< وماذا تقولين للفنانين الشباب؟
<< رسالتى لهم أن يختاروا أعمالهم بعناية، وأن يدركوا أن الفن ليس شهرة أو أضواء فقط، بل مسئولية تجاه المجتمع والناس، احترموا ما تقدمونه، ولا تقبلوا أدوارًا لا تضيف شيئًا لتاريخكم أو لضميركم، أتمنى أن أراكم دائمًا فى أفضل حال، لأن نجاحكم هو نجاح لنا جميعًا، وأنا دائمًا ما أكون سعيدة بكم كأنكم أبنائى.
< كيف استطعت الحفاظ على مكانتك كفنانة راقية بعيدة عن الصخب والجدل؟
<< ربما لأننى كنت دائمًا أضع حدودًا واضحة بين حياتى الشخصية والفنية، لم أكن أسعى وراء الشهرة الزائفة أو الظهور فى كل مكان.
كنت أترك أعمالى تتحدث عنى، وأؤمن أن الاحترام هو الذى يبقى الفنان، لا الضجيج ولا الجدل، وهذا ما حاولت أن أفعله طوال حياتى.
< فى رأيك، ما الذى يحتاجه الفن المصرى ليستعيد بريقه؟
<< نحتاج أولًا إلى الكتابة الجيدة، ثم الاحترام المتبادل بين صناع العمل، يجب أن نعود إلى الورق القوى، والفكرة التى تحمل رسالة، والمخرج الذى يؤمن بما يقدمه، والممثل الذى يحترم موهبته، كما نحتاج إلى أن نعيد للفن هيبته، ليكون أداة تنوير لا مجرد وسيلة ترفيه، إذا فعلنا ذلك، سيعود بريق السينما والدراما كما كان فى زمن الفن الجميل.


