بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

في المؤتمر الصحفي للجنة الإقليمية 72:

كلمة المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط..بشأن حل الدولتين

حنان بلخي
حنان بلخي

ألقت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط كلمة في المؤتمر الصحفي، الدورة الثانية والسبعين للجنة الإقليمية.

والى نص الكلمة

السيدات والسادة،

أشكركم على الانضمام إلينا اليوم. في هذا المؤتمر الصحفي، سنستعرض الدورة الثانية والسبعين للجنة الإقليمية، ولكنني أريد أن أتحدث أولًا عن غزة.

في شهر سبتمبر، حضرتُ المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن حل الدولتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اشتركت في رئاسته المملكة العربية السعودية وفرنسا، وسلَّط الضوءَ على مسار إيجابي لإنهاء هذه المأساة.

وقد تحقق تقدمٌ كبيرٌ نحو الاعتراف بدولة فلسطين. وإحرازُ تقدم في حل الدولتين من شأنه أن يُحسِّن كثيرًا من قدرتنا على فتح ممرات إنسانية وضمان استمرار تدفُّق المساعدات إلى غزة.

وآملُ أن يستمر تقدُّم هذه المبادرة، وأن يدوم الزخم بين الدول الأعضاء في هذا الصدد.

والآن، بعد عامَيْن من اندلاع الحرب في غزة، نرى أخيرًا بصيصًا من الأمل بأن نهايتها قد تكون قريبة.

ولكن عندما يتوقف القتال، سيبدأ نضالٌ جديدٌ لإعادة بناء النظام الصحي الممزق في غزة، ولإنقاذ جميع سكانها من حافة المجاعة واليأس. 

وتعكف منظمة الصحة العالمية على التخطيط لليوم التالي لانتهاء الصراع، ولدينا الآن رؤية واضحة تحدد أين وكيف يمكننا المضي قدمًا.

وسنحتاج إلى الانتقال سريعًا من الاستجابة للأزمات إلى التعافي، لأن إعادة بناء النظام الصحي في غزة لن تُنقِذ الأرواح في الوقت الراهن فحسب؛ بل ستُعيد الكرامة والاستقرار والأمل في المستقبل.

أولًا، علينا أن نجعل المستشفيات تستأنف عملها. فيعمل حاليًّا 14 من أصل 36 مستشفى، ولكن بشكل جزئي فقط، بسبب النقص الحاد في الكهرباء والمياه النظيفة والأدوية، فضلًا عن تعطُّل المعدات وتضرُّر البنية التحتية. وتعرضت بعض المنشآت للقصف، وأُعيدَ تأهيلها أكثر من مرة. وقد أوصلت منظمة الصحة العالمية -التي تُورِّد الوقود إلى جميع المستشفيات وسيارات الإسعاف- 17 مليون لتر من الوقود، مما حافظ على استمرار العمليات الجراحية ورعاية الحديثي الولادة وسلاسل تبريد اللقاحات. ولكن توجد حاجةٌ إلى أكثر من ذلك بكثير. كما أن الإمدادات الأساسية –ابتداءً من المضادات الحيوية، ووصولًا إلى ضمادات الجروح– يجب أن تصل فورًا وبلا تأخير إلى جميع أنحاء قطاع غزة.

وفي الوقت نفسه، يجب أن نواجه الجوع وسوء التغذية. ويكفي أنه قد فات الأوان لإنقاذ 455 شخصًا، منهم 151 طفلًا معظمهم دون سن الخامسة، كانت السلطات الصحية الفلسطينية قد أعلنت وفاتهم بسبب سوء التغذية منذ شهر كانون الثاني/ يناير. وهناك أكثر من نصف مليون شخص محاصَرين في ظروف شبيهة بالمجاعة، وأكثر من مليون شخص آخر يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد. وسبعةٌ من كل عشر نساء حوامل ومرضعات يعانين من سوء التغذية الحاد، وطفلٌ من كل خمسة أطفال يُولَد ناقص الوزن أو مبتسرًا، والأمراضُ المعدية في ازدياد كبير.

وتدعم المنظمةُ وشركاؤها مراكز الإسعاف المتبقية التي تعالج الأطفال من سوء التغذية الحاد، ونعمل على فتح مراكز إسعاف جديدة. ولكن التعافي الدائم يتطلب إعادة بناء النُّظم الغذائية، واستعادة المياه النظيفة، وتعزيز خدمات الصرف الصحي، وهي أسس الصحة العامة.

ومن بين مراكز الرعاية الصحية اﻷولية في غزة البالغ عددها ١٧٦ مركزًا، ﻻ يزال نحو ثلث هذه المراكز فقط يعمل بشكل جزئي. ويجب علينا -على وجه السرعة- إعادة تأهيل جميع مرافق الرعاية الصحية الأولية لاستعادة العمود الفقري للصحة العامة، أيْ مراكز التلقيح، وعيادات التوليد، والصيدليات، وخدمات الصحة النفسية. ويجب أن تواصل الفِرَق المتنقلة والمستشفيات الميدانية خدمة السكان النازحين إلى أن يُعاد فتح المرافق الدائمة.

لقد تحمَّل الأطباء والممرضون والمساعدون الطبيون في غزة الإرهاق والتعب وفقدان الأحبة. ولقي أكثر من 1700 عامل صحي حتفهم منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ولا غنى لمَن يواصلون تقديم الخدمات عن الحماية والأجور والدعم النفسي الاجتماعي. ويجب أن تبدأ عملية إعادة بناء النظام الصحي في غزة بسكانها، من خلال تدريب مهنيين جُدد، وإعادة فتح الكليات الطبية وغيرها من الكليات والمدارس المتعلقة بالصحة، وإعادة الذين أُجبروا على الفرار إلى وطنهم.

وستتطلب إعادة بناء القطاع الصحي تكلفة كبيرة –تزيد على 7 مليارات دولار أمريكي مُوزَّعة على الاستجابة الإنسانية والتعافي المبكر وتلبية احتياجات أطول أمدًا– ولكن هذا الاستثمار ضروري لتحقيق السلام والاستقرار اللذين يمكن أن تجلبهما الصحة. 

وعلى الجهات المانحة ألَّا تكتفي بتقديم المساعدات الطارئة التي تُلبي الاحتياجات الإنسانية العاجلة فحسب، بل عليها أيضًا تقديم الدعم المرن الذي يمكن التنبؤ به لعدة سنوات، اللازم لإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز القدرات المحلية، والسماح للمؤسسات الفلسطينية بقيادة عملية تعافٍ شامل وشفاف ومستدام.

وعندما نعيد البناء، يجب أن نعيد البناء على نحو أفضل. فيجب أن يكون النظام الصحي في غزة أكثر إنصافًا واستدامةً وقدرةً على الصمود مما كان عليه قبل الحرب. وينبغي إمداد المستشفيات بالطاقة المتجددة، وتجهيز العيادات بشبكات المياه النظيفة، وتحديث شبكات المعلومات الصحية لتتبُّع الفاشيات وتوجيه التخطيط.

إن منظمة الصحة العالمية ظلت بعد كل قصف وقطع للخدمات موجودة في الميدان، وتواصل أداء عملها في غزة. وكانت المنظمةُ الجهةَ الرئيسية التي تُقدِّم الأدوية والمستلزمات الطبية، إذ قدمت الدعم لأكثر من 22 مليون علاج وعملية جراحية. ونسقنا عمليات إجلاء طبي لأكثر من 7800 مريض في حالة حرجة –من بين ما يزيد على 15000 من المحتاجين– وشاركنا في قيادة حملات تطعيم حَمَت 600 ألف طفل من شلل الأطفال. ووقفنا إلى جانب العاملين الصحيين في غزة حينما لم يتبقَّ لهم سوى شجاعتهم، وسنقف إلى جانبهم الآن.

والمنظمة على أهبة الاستعداد لدعم الاستجابة وتعافي النظام الصحي في غزة فور توقف الصراع، وذلك من خلال استعادة الخدمات الأساسية، وتعزيز القوى العاملة الصحية، وإعادة بناء نظام رعاية قادر على الصمود ويُركِّز على الناس.

***

في الأسبوع المقبل، سيجتمع في القاهرة وزراء الصحة وراسمو السياسات وقادة الصحة الإقليميون للمشاركة في الدورة الثانية والسبعين للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط. 

وسنحتفل بإنجازاتنا العديدة، إلى جانب التصدي للتحدي الاستثنائي الذي تشهده الصحة العالمية في هذه اللحظة.

فقد تضافر الصراع وتغيُّر المناخ والهشاشة الاقتصادية والأزمات الإنسانية غير المسبوقة لتضع النُّظُم الصحية تحت ضغوط شديدة. كما أن تخفيضات المساعدات الخارجية تهدد بتفاقم هذه الضغوط، فالأثر الكامل لتلك التخفيضات بدأ للتو في الظهور.

وستُتيح اللجنةُ الإقليمية للبلدان منصةً للتناقش بشأن مسائل تقنية عاجلة، وبشأن الخيارات السياسية التي ستشكل ملامح مستقبل الصحة في الإقليم.

ويجمع جدولُ الأعمال بين الأولويات العاجلة المُنقذة للأرواح والإصلاحات الطويلة الأجل، مُستندًا إلى الخطة التنفيذية الاستراتيجية الإقليمية، والمبادرات الرئيسية الثلاث بشأن إتاحة الأدوية، والقوى العاملة الصحية، وتعاطي مواد الإدمان.

وسوف نستعرض ونناقش أيضًا أربع ورقات تقنية والقرارات المرتبطة بها، إضافةً إلى إطلاق عملية تشاور إقليمية بشأن الصحة وتغيُّر المناخ.

وسينظر الوزراء في مشروع قرار لخفض عدد الأطفال غير الحاصلين على أي جرعة من اللقاحات إلى النصف بحلول عام 2030، والالتزام في الوقت نفسه بالقضاء على الحصبة الألمانية ومتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية. ففي الفترة بين عامَي 2019 و2023، سُجِّل 12.6 مليون طفل لم يتلقَّوا أي جرعة من اللقاحات في شتى أنحاء الإقليم، ومعظم هؤلاء الأطفال في المجتمعات النازحة المتضررة من النزاعات. وتتجسد في كل طفل منهم مأساة يمكن الوقاية منها – حياة مُعرَّضة لخطر الإصابة بالحصبة أو شلل الأطفال أو الحصبة الألمانية. وهذا القرار ليس خطوة تقنية رئيسية فحسب، بل هو أيضًا بيان سياسي يشدد على استحقاق كل طفل للحماية.

وسيدعو قرار آخر إلى جعْل الرعاية المُلطفة جزءًا أساسيًّا من النُّظُم الصحية الوطنية. فلا يحصل فعلًا على الرعاية الملطِّفة في الوقت الراهن سوى 1% من 2.4 مليون شخص يحتاج إلى تلك الرعاية كل عام في إقليمنا. ولا يزال ملايين الناس –ومنهم مرضى السرطان، والأطفال المصابون باعتلالات خلقية، واللاجئون المصابون بمرض مزمن– يموتون بعد معاناة طويلة بآلام يمكن تفاديها. والتوسع في تقديم الرعاية الملطفة مسألةٌ تتعلق بالكرامة والرأفة والإنصاف.

وفي ظل تزامن 16 حالة طوارئ، واحتياج أكثر من 115 مليون شخص إلى المساعدة، يقع على عاتق إقليم شرق المتوسط ثلث عبء العمل الإنساني في العالم أجمع. فمن غزة إلى السودان، ومن اليمن إلى أفغانستان، مُزِّقت النُّظُم الصحية بسبب الحرب والصدمات المناخية والانهيار الاقتصادي. وسيدعو أحد القرارات الجديدة إلى جعل تعافي النُّظُم الصحية أساسَ القدرة على الصمود، بما يضمن أن تسير الاستجابة الإنسانية جنبًا إلى جنب مع الاستثمار المبكر في إعادة بناء الخدمات، واستعادة الثقة، وتمهيد الطريق للسلام.

ولطالما كانت سلامة المختبرات من الجوانب البعيدة عن الأضواء في مجال الأمن الصحي الإقليمي. فضعف الحوكمة، وتفكُّك الرقابة، وعدم كفاية التدريب يجعل المرافق عُرضة للحوادث أو سوء الاستعمال. وسيُناقش الوزراءُ أطرًا لسد هذه الثغرات، وحماية العاملين الصحيين، وتعزيز دور المختبرات في الترصُّد والتشخيص والتأهب.

وأخيرًا، سنتناول الآثار الصحية لحالة الطوارئ المناخية في إقليم شرق المتوسط. فالعواصف الترابية والحرارة الشديدة والفيضانات وندرة المياه تُعيد تشكيل المشهد الصحي، وتؤدي إلى تفاقم مواطن الضعف. واستنادًا إلى خطة العمل العالمية بشأن تغيُّر المناخ والصحة التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية في وقت سابق من هذا العام، ستُطلق اللجنةُ الإقليمية الثانية والسبعون عملية تشاور لوضع إطار تنفيذي إقليمي بشأن المناخ والصحة. وسيكون ذلك الإطارُ خريطةَ طريق مُحدَّدة السياق يتبناها الإقليم لجعل النُّظُم الصحية مُنصِفة وجاهزة للمستقبل، وقادرة على التكيف مع تغيُّر المناخ. وسيُعزز الإطارُ نُظُمَ الترصُّد والإنذار المبكر، والمرافق الصحية المقاومة لتقلبات المناخ، وحشد التمويل الذي يركز على الإنصاف، وإنشاء مرصد إقليمي جديد معني بالصحة والمناخ.

وسيُدعَى الوزراء أيضًا إلى إقرار دعوة إلى العمل بشأن سرطان الثدي – وهو أكثر السرطانات شيوعًا بين النساء في الإقليم. 

وإلى جانب هذه المسائل الرئيسية، سيناقش المشاركون مجموعة من المسائل التقنية وأمور الحوكمة، ومنها الأعمال التحضيرية للمجلس التنفيذي المقبل. وسنستعرض عملية التحوُّل الجارية، وسندرس أولويات التمويل الصحي، وسنُسلِّط الضوء على التقدُّم الـمُحرَز في استئصال شلل الأطفال.

إن إقليم شرق المتوسط لديه كثيرٌ مما يمكن أن يُقدمه للعالم أجمع -من خلال تضامنه وشجاعته وابتكاره- وستظهر مواطن القوة هذه في اللجنة الإقليمية هذا العام.

ولا تزال منظمة الصحة العالمية ملتزمة بمساعدة الدول الأعضاء على تحقيق نتائج حقيقية من أجل الصحة والإنصاف في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط.

وأدعوكم جميعًا إلى متابعة مداولات الدورة الثانية والسبعين على الهواء مباشرة عبر الموقع الإلكتروني لمكتب المنظمة الإقليمي وقنواته على وسائل التواصل الاجتماعي.