بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أوراق مسافرة

ملحمة ضاع حقها..!

كلما حل الاحتفال بذكرى انتصار 6 أكتوبر العظيم، تنتابنى مشاعر مختلطة من الفخر والألم فى وقت واحد، الفخر لأنى عايشت فرحة هذا النصر وأنا طفلة، وأدركت رغم سنى الصغيرة حينها أن بلدنا رفعت رأسها عاليًا بهذا العبور من الهزيمة للنصر واستردت كرامتها بعد سنوات من الانكسار وصنع رجال مصر ملحمة تاريخية عظيمة بأرواحهم وبتضحيات رائعة تصلح لأن تكون موسوعة تروى عن أبناء شعب عريق صبر على الشدة واستمات فى حرب شرسة ليفوز بالنصر على عدو كان يظن نفسه أسطورة لا تقهر. مشاعر الفخر التى أعيشها وغيرى من أبناء جيلنا بذكرى انتصارنا أقول إنها مختلطة بالألم لأن ملحمة أكتوبر العظيم لم تأخذ حقها أبدا الذى تستحقه حتى تظل حاضرة فى حياة وذاكرة الأجيال التى لم تعاصر تلك المرحلة العظيمة، بل هذه الأجيال قرأت فقط بعض السطور الهزيلة المقتضبة فى كتب التاريخ عن النصر، أو شاهدت احتفاليتها السنوية مكررة المشاهد دون تجديد يذكر عبر أجهزة التلفاز، فلم تلتفت إليها وغيرت مؤشر التليفزيون لقناة أخرى بها ترفيه أكثر جاذبية من كلاسيكية السرد المتكرر الذى يشبه البيانات العسكرية، لأن هذه الأجيال لم تختبر أغوار هذا النصر، لم تعرف بوضوح قصص التضحيات التى قدمها أبناء الجيش العظيم ولا بطولات الفدائيين. وبنظرة حيادية إلى الإعلام، الأعمال الفنية والثقافية التى تناولت انتصار أكتوبر، نجدها فى مجملها هامشية لا تذكر، فكم قصة نعرفها عن أبطال الحرب والانتصار، عن تفاصيل تضحياتهم واستشهادهم، وما آل إليه حال أسرهم وأبنائهم، للأسف قليل القليل جدًا هو ما نعرفه.

فى ذكرى الاحتفال بالنصر تذيع القنوات التليفزيونية ثلاثة أفلام مكررة تناولت هامشيًا بعض من صور الحرب فى قالب درامى سطحى وانتهى الأمر، وهو أمر محزن، وأتساءل، هل عقمت أقلام الكتاب، المؤرخين، والمؤلفين عن كتابة قصص وسيناريوهات حول هذه البطولات؟، هل أفلس المنتجون فأعرضوا عن إنتاج أفلام ومسلسلات تبرز قصص هذه البطولات؟ وأين جحافل المخرجين والممثلين عن الاهتمام بقصص تلك الملحمة؟

وأتساءل أيضًا: لماذا لا يتم عمل معرض أو متحف حول انتصار أكتوبر فى كل محافظة من محافظات مصر على غرار بانوراما أكتوبر بمدينة نصر، لماذا لا يتم تخصيص جناح بكل متحف مصرى لعرض نماذج من كل ما يتعلق بحرب أكتوبر؟ لماذا لا تقوم قصور الثقافة فى كل محافظة بتقديم مهرجان وأعمال فنية بصورة دائمة عن حرب أكتوبر يدعى إليها التلاميذ والطلاب؟ ليس بالضرورة أن يتم هذا فى موعد الاحتفالية السنوية، بل بصورة دورية لتظل ملحمة النصر دومًا فى اهتمام وذاكرة هذا الجيل؟، لماذا لا يتم عمل مسرحيات دائمة ومتنوعة على المسرح القومى وكل المسارح المصرية الصغيرة حول قصص أبطال أكتوبر يحضرها الجمهور بصورة مجانية، لماذا لا يتم عمل مهرجانات دائمة فى كل وسائل الإعلام حول انتصار أكتوبر ولا يتم حصرها فى مرة واحدة كل عام.

ما أحوجنا الأن إلى إحياء روح أكتوبر أكثر مما مضى، إلى تبصير كل أبناء الجيل بهذه البطولات والتضحيات، إلى إنعاش الأجواء المفعمة بالعطاء والوطنية وروح التكاتف والمساندة بين بعضنا البعض، ملحمة أكتوبر تحتاج إلى تخليد حقيقى وتذكير دائم بها لدى أبناء هذا الجيل الذى يكاد يفقد بالكامل هويته.

وأقارن فى أسف بين ملحمة اكتوبر التى ضاع حقها فى كتب التاريخ وفى مجالات الثقافة والفن والإعلام، وبين الأفلام والأعمال الفنية التى يقدمها الغرب عامة ويتم فيها صناعة بطولات لجيوشهم لإظهارهم بمظهر «رامبو» القوى الذى لا يهزم، وما يرافق هذه الأعمال من قصص إنسانية وتراجيدية تكسب تعاطف العالم مع هؤلاء رغم أنهم غزاة ومستعمرون ولا يستحقون أى احترام أو تعاطف، لكنهم يجيدون إدارة آلة الإعلام العالمى والتى نعلم تمامًا من يتحكم بها للسيطرة على أفكار وعقول ومشاعر كل أجيال العالم الصاعدة، وأقارن هذا بما حدث لملحمة أكتوبر وأتعجب، نحن لا ينقصنا مؤرخون، كتاب، مؤلفون، سيناريست، مخرجون، إعلاميون وطنيون، ولكن ينقصنا إرادة وطنية وجهات إنتاج وطنية لتقديم وإبراز بطولات أبناء مصر كما ينبغى وتدوين قصصهم فى كتب للتاريخ لتصل لكل الأجيال.

الغرب يصنع بطولات وهمية لهم من فراغ، ونحن لدينا بطولات تستحق ان نقدمها من أرض الواقع، وأكاد أقسم أن أغلب هذا الجيل لا يعرف شيئًا تقريبًا عن خلفيات نصر أكتوبر وكيف نجحت قواتنا المسلحة فى عمل المستحيل باقتحام خط بارليف المنيع، والتغلب على نيران النابالم المستعرة التى كانت تهدد بإحالة مياه قناة السويس إلى نار يشوى من يقترب منها وأن أبطالنا حملوا جسور عبورهم وعبور الآليات العسكرية الثقيلة على أكتافهم وتسلقوا بها الساتر الرملى المنيع، كم من أبناء هذا الجيل يعلمون قصة ابن الشرقية محمد محمد العباسى أول بطل رفع علم مصر على خط بارليف عقب العبور ولم يهاب الأسلاك ولا الألغام وأطلق النيران على جنود اسرائيل الذين كانوا يحرسون الدشمة وكيف استشهد وهو يحتضن العلم ويأبى ألا يسقط العلم من يده، أو قصة أول شهيد فى حرب أكتوبر الرقيب محمد حسين ابن الإسماعيلية الذى كان فى مقدمة صفوف المدرعات المصرية وهى تعبر جسر الصناعى لقناة السويس وانفجر فيه لغم أرضى فانقلبت المدرعة فى المياة واستشهد الجندى محمد فيما أكمل رفيقه فى المدرعة السير برًا فى بسالة فريدة حتى أستشهد هو الأخر بنيران العدو، أو قصة الجندى عبدالعاطى، إبن احدى قرى الشرقية والذى دمر وحده 23 دبابة اسرائيلية وأطلق عليه صائد الدبابات، وغيرهم الآلاف، فى الواقع أرى أن ملحمة أكتوبر لم تأخذ إلا هامشًا مما تستحقه من الاهتمام، وظهور أجيال لا تعرف عن هذا الانتصار وأبطاله إلا العناوين فى تصورى خطيئة وطنية لن يغفرها التاريخ لكل المعنين بهذا الأمر.

 

[email protected]