بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مايكروسوفت تتراجع تحت ضغط أوروبي.. تعديلات على برنامج أمان ويندوز 10

بوابة الوفد الإلكترونية

في خطوة تُعد انتصارًا جديدًا لمستهلكي الاتحاد الأوروبي، أعلنت شركة مايكروسوفت عن تراجعها عن بعض الشروط المثيرة للجدل في برنامج تحديثات الأمان الموسعة (ESU) لنظام التشغيل ويندوز 10، وذلك بعد ضغوط متزايدة من منظمات حماية المستهلك الأوروبية وتحذيرات من خرق لوائح الأسواق الرقمية (DMA) التي تفرضها المفوضية الأوروبية.

فبعد انتقادات حادة وتهديدات بفتح تحقيق رسمي وغرامات محتملة، قررت مايكروسوفت تعديل سياساتها في المنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA) فقط، لتتوافق مع متطلبات التشريعات المحلية التي تمنع ممارسات الاحتكار وربط الخدمات بمنتجات إضافية بشكل قسري.

وأكد متحدث باسم الشركة لموقع "ويندوز سنترال" أن مايكروسوفت تُجري تحديثات على عملية التسجيل الخاصة ببرنامج الأمان لتلبية توقعات المستخدمين الأوروبيين. وأضاف أن الهدف الأساسي هو توفير تجربة آمنة ومبسطة مع منح العملاء حرية أكبر أثناء انتقالهم إلى نظام ويندوز 11، مع استمرار حصولهم على التحديثات الأمنية الحيوية.

هذا التراجع يأتي بعد الجدل الذي أثارته مايكروسوفت مطلع العام الجاري بشأن مستقبل ويندوز 10، حيث أعلنت أنها ستوقف التحديثات الأمنية المجانية للنظام اعتبارًا من 14 أكتوبر 2025. واعتبر كثيرون أن هذه الخطوة تمثل "نهاية عمر النظام" الذي لا يزال يعتمد عليه ملايين المستخدمين حول العالم.

وللتخفيف من أثر القرار، أطلقت الشركة برنامج "تحديثات الأمان الموسعة" (ESU)، الذي يتيح للمستهلكين شراء عام إضافي من التحديثات الأمنية مقابل 30 دولارًا. لكن المعضلة ظهرت عندما قررت مايكروسوفت ربط الوصول إلى هذه التحديثات بخدماتها السحابية ومنظومة مكافآتها الرقمية، مما اعتبره المدافعون عن المستهلكين نوعًا من "الإجبار غير المباشر" على استخدام خدمات الشركة الأخرى.

فقد وفرت مايكروسوفت خيارين إضافيين “مجانيين” للمستخدمين: الأول هو تفعيل النسخ الاحتياطي السحابي باستخدام حساب مايكروسوفت عبر خدمة OneDrive، لكن بمجرد تجاوز الحد المجاني البالغ 5 جيجابايت، سيُطلب من المستخدمين دفع رسوم إضافية. أما الخيار الثاني فيعتمد على إنفاق 1000 نقطة من برنامج مكافآت مايكروسوفت، وهو خيار لا يتاح للجميع ولا يوفر استدامة حقيقية للوصول إلى التحديثات.

هذه السياسات أثارت انتقادات واسعة من منظمة "يورو كونسيومرز" (Euroconsumers) التي تضم اتحادات المستهلكين في عدة دول أوروبية. ووصفت المنظمة تلك الممارسات بأنها شكل من أشكال "التقادم المخطط" – أي تصميم الأجهزة أو البرمجيات بحيث تنتهي صلاحيتها خلال فترة محددة لإجبار المستخدمين على شراء نسخ جديدة أو أجهزة أحدث.

وقالت المنظمة في بيانها: “تقييد الأمان يعني تقييد عمر المنتج، ومايكروسوفت تُجبر المستخدمين إما على الترقية لجهاز جديد قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، أو الاستمرار في استخدام جهازهم الحالي مع تحمل مخاطر أمنية متزايدة”.

وحذرت المنظمة من أن 22% من مستخدمي الحواسيب في الاتحاد الأوروبي لا يزالون يعتمدون على أجهزة تعود إلى عام 2017 أو أقدم، وهي غير مؤهلة لتشغيل نظام ويندوز 11 بسبب متطلباته التقنية المرتفعة. وبناءً على ذلك، فإن ملايين المستخدمين كانوا سيُتركون بدون حماية أمنية أو يُجبرون على شراء أجهزة جديدة.

قانون الأسواق الرقمية الأوروبي (DMA) الذي دخل حيز التنفيذ حديثًا يمنح الاتحاد الأوروبي صلاحيات قوية لمحاسبة عمالقة التكنولوجيا في حال ثبوت ممارسات احتكارية أو تقييدية. ويمكن أن تصل الغرامات إلى 10% من إجمالي الإيرادات السنوية العالمية للشركة المخالفة. وبالنظر إلى حجم مايكروسوفت المالي، كان هذا يعني مليارات الدولارات المحتملة كغرامات.

لكن بفضل الضغط الشعبي والتنظيمي، حصل المستخدمون في المنطقة الاقتصادية الأوروبية على عام إضافي من التحديثات دون الاضطرار إلى القبول بشروط إضافية أو خدمات مرتبطة. ومع ذلك، يبقى هذا الامتياز محصورًا في أوروبا فقط، فيما لا يزال باقي مستخدمي العالم أمام ثلاثة خيارات صعبة: الترقية إلى ويندوز 11، أو دفع 30 دولارًا سنويًا، أو الاعتماد على خدمات مايكروسوفت السحابية ومكافآتها الرقمية.

هذه الواقعة تمثل درسًا جديدًا في كيفية تأثير القوانين الأوروبية الصارمة على سياسات الشركات التقنية العالمية. فبينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ترسيخ مبدأ "الحق في الاختيار"، تواصل شركات التكنولوجيا العملاقة اختبار حدود القوانين لتحقيق توازن بين أرباحها ومتطلبات حماية المستهلكين.

وفي النهاية، يبدو أن مايكروسوفت لم تتراجع بدافع الكرم أو الرغبة في خدمة العملاء، بل بفعل ضغط قانوني وتنظيمي متصاعد، لتؤكد التجربة أن المستهلك الأوروبي أصبح أكثر قدرة من أي وقت مضى على تغيير سياسات عمالقة التكنولوجيا.