بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

طوفان النصر

عندما نحتفل كل عام فى السادس من أكتوبر، بذكرى يوم النصر المجيد، فإن الذاكرة تستعيد على الفور اليوم الذى أعاد فيه المصريون كتابة الكرامة الوطنية بأحرف من دم وتضحية، وتمكّنوا من تحطيم أسطورة جيش العدو الصهيونى الذى لا يُقهر.

لقد كان هذا النصر تتويجًا لسنوات من الإعداد الدقيق والتخطيط المحكم، وتعبيرًا صادقًا عن إرادة شعب رفض الاستسلام، وأبى إلا أن يستعيد أرضه المغتصبة وكرامته التى حاولت الهزيمة فى 1967 أن تنال منها.

لم تكن حرب أكتوبر نصرًا عسكريًا فحسب، بل كانت ملحمة قومية متكاملة الأركان، تجلّت فيها أروع صور التلاحم بين الشعب والجيش، حيث وقف المصريون جميعًا خلف قواتهم المسلحة، يقدمون الدعم بكل أشكاله، ويجسدون فى كل شبر من أرض الوطن، المصير الواحد، والأمل المشترك.

لقد حمل نصر أكتوبر رسائل عديدة، أولاها أن الشعوب حين تمنح ثقتها لقيادتها السياسية، يمكنها أن تصنع المعجزات، وثانيتها أن الجيش المصرى العظيم قادر على صنع ما لم يتوقعه العدو، لذلك فإن ما تحقق فى أكتوبر لم يكن فقط استعادة الأرض، بل أيضًا استعادة الثقة الوطنية، والتحول العميق فى موازين القوى، الذى أكده اعتراف العالم بقدرة مصر على فرض إرادتها، وحماية سيادتها، واستعادة دورها التاريخى فى محيطها العربى والإقليمى.

فى هذا العام، تأتى احتفالات النصر المجيد، تزامنًا مع الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، حيث تتقاطع الأحداث، ولا تتشابه، لكنها تؤكد استمرار الصراع بشكله الأوسع، بعد عملية السابع من أكتوبر 2023، حين أقدمت فصائل المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عملية عسكرية مفاجئة ومرعبة ضد مواقع إسرائيلية، فى لحظة مشحونة بالتوترات السياسية والإنسانية.

ورغم الجدل الذى أثارته هذه العملية فى الأوساط الإقليمية والدولية حتى الآن، فإنها كانت بمثابة تذكير صارخ بأن القضية الفلسطينية لا تزال حية، وأن جمر الاحتلال لم يُطفأ بعد، مهما طال أمد الجمود السياسى أو تعددت مبادرات السلام، وآخرها خطة ترامب التى أيدها العالم، لكنها تواجه تعنتًا من قادة الاحتلال الصهيونى.

لكن المقارنة المباشرة من البعض بين حرب أكتوبر وطوفان الأقصى، أمر غير دقيق من الناحية الاستراتيجية أو السياسية، لأن التزامن الزمنى بين الذكرى الثالثة والخمسين لنصر مصر المجيد واندلاع المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية، يدفعنا للتأمل فى طبيعة هذا الصراع الطويل، الذى لم يُخمد بعد، بل تتجدد أشكاله وأدواته، وتبقى جذوره كامنة فى غياب العدالة واستمرار الاحتلال، ولذلك من المهم، فى هذا السياق، أن يُنظر إلى كل حدث ضمن سياقه الموضوعى، بعيدًا عن الانفعالات أو التوظيفات السياسية، وأن يظل ميزان القِيم مرجعيًّا فى التقييم والفهم.

الآن بعد أكثر من خمسة عقود على تلك الملحمة، تبقى مصر شامخة بجيشها القوى وشعبها الواعى قادرة على حماية أرضها، وصون قرارها، والدفاع عن قضايا أمتها بالحكمة والدبلوماسية حينًا، وبالقوة حين يلزم الأمر.

 

[email protected]