بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

البحث عن ملامح قديمة

في كل مرة أجدد فيها جواز سفري، أضع القديم بجوار ما سبقته، أتأمل تلك الصور الشاحبة. في هذا الصمت، يتردد صدى قصيدة الشاعر الكبير فاروق جويدة "وضاعت ملامح وجهي القديم" تطاردني بكلماتها، وتلاحقني بمعانيها، وكأنها استوطنت أعماق الذاكرة، فأصبحت وشمًا يتسرب داخل تجاعيد الزمن. لا تكتفي هذه القصيدة بمراجعة صوري المثبتة في جوازات السفر، بل تنحت في صميم الجسد كافة خيوط الحنين إلى براءة الأمس، وتصلها بمخاوف صورة جواز السفر القادم، والتي ربما لن أراها.

يرسم جويدة أيقونة للحلم الذى أصبح بقايا رماد. فمحاولاته المتكررة للصراخ ترتطم باعترافه" فما عدت أنطق شيئا جديدا "وتقف عاجزة بين حقيقة " ترى أين وجهي؟" وبين وهم "وقالوا سمعناك بعد الحياة". هذا الحلم الذي يختفى فى الكهوف الصغيرة وبحار الأمل وخلف الزمان حيث تموت العصافير بين جوانحنا، وترقد بذور البدايات بداخلنا. وهنا تبدأ اللحظة المقدسة التي تسعى بلا هوادة لطمس معالم الماضي، وتأكيد ما كان جويدة يجرى منه خائفا "وأصرخ في الناس: هل من دليل؟".

“تذكرت وجهي، كل الملامح، كل الخطوط " هى لحظة استرخاء تعكس ذلك الشعور العميق بالاغتراب الذي يسري كظل قاتم في شرايين القصيدة، لتصطدم بلعنة الاكتشاف "ولكن وجهي ما عاد وجهي". إجابة جويدة تصل بنا إلى النهاية، فقد تحولنا إلى مسافرين غرباء عن تلك النسخة النقية التي حملناها يومًا في أعماقنا، فمع تراكم سنوات العمر وتغير الملامح أصبحنا لا نعرف أنفسنا. إنها ليست مجرد إجابة لسؤاله الحائر "ترى أين وجهي؟"، بل هي الشبح الذي يلازمنا جميعا في لحظات البحث عن اللون وفرشاة الرسم واللحن القديم.
لا شك أن قصيدة "وضاعت ملامح وجهي القديم" تحمل رسالة إنسانية مرسومة بذكريات باهتة. إنها تذكير موجع بقيمة تلك اللحظات الأولى، بصفاء الطفولة الذي تحلل بزيف الكلام، وبحطام الوجوه التى لازلنا نبحث عن بقاياها. إنها دعوة حالمة للتأمل في رحلة العمر القصيرة التي حاول فاروق جويد أن يرسم ملامحها على كل باب، وفوق المآذن، وفوق المفارق، وبين التراب.