نائب رئيس البورصة فى أول حوار صحفى:
محمد صبرى : صانع السوق «العصا السحرية «فى أحياء الأسهم الراكدة

بين الثقة بالنفس والغرور خيط رفيع لا يرى، لكنه يختبر فى المواقف، فثقتك بنفسك حكمة تزن القول والفعل...تمنح حضوراً يبعث الاحترام، هكذا كل عبقرى فى مسيرته .. النجاح ليس محطة وصول، بل بداية جديدة لمعركة أخرى مع الذات والطموح... لا تكتف بالمجد الذى تحقق، فشغف العظماء ليس اندفاعاً عابراً، بل ناراً تشتعل كل يوم لتدفعهم إلى المزيد من السعي...وكذلك محدثى خطواته ثابتة، وأحلامه متجددة، ورغبته فى العطاء لا تعرف الانطفاء.. كون شغفه لا يسمح له بالهبوط.
فى قاموس الإرادة لا مكان لكلمة «مستحيل»، ولا وجود لظلّ اليأس مهما اشتدت العتمة. فالمستحيل ليس سوى جدارٍ من أوهامٍ نصنعه بأنفسنا، واليأس سرابٌ يتبدد لحظة أن نؤمن بأن فى داخل كل إنسان طاقة تكفى لإشعال ألف شمس.. وعلى هذا الأساس كانت مسيرته منذ الصبا.
محمد صبرى نائب رئيس البورصة... يختار الطريق الذى قد يكون أطول، وأصعب، لكن يقدم قيمة مضافة، فى قاموسه النجاح ليس ضربة حظ، ولا نتيجة خطوات عشوائية، بل ثمرة تركيز، وجرأة، وإصرار على المضى قدماً مهما كانت المطبات، يقاتل بشغف، تعلم من تجارب الآخرين، وهو سر تميزه، يحمل التقدير لكل من دعم خطواته واولهم والداه.
بقلب القرية الذكية، وفى أروقة الحى المالى النابض بالحركة، يقف الكيان شامخًا كصرحٍ يحمل بين جدرانه ذاكرة العالم المالي. ليست جدرانًا صامتة، بل هى جدران ذكية تنبض بالأرقام، وتستحضر عبر خيوطها غير المرئية قصص الأسواق وتقلباتها، حكايات قرون من الصعود والهبوط، من الطموح الإنسانى الذى لا ينطفئ، بالطابق الثالث بمبنى البورصة المصرية، يتكشف أمامك ممر طويل، تغمره سكينة مهيبة... على جانبيه تنتظم الغرف كحراس، الجميع يعمل فى صمت، كأنهم يؤدون طقسًا مقدسًا لا يجرؤ الصوت أن يقتحمه، وكأن المكان يفرض هيبته على كل حركة.
فى نهاية الممر، حيث الغرفة التى تحتضن الأسرار، غرفة تتزين بجدرانها بديكورات أنيقة، ودروع تكريم لرحلة إنجازات طويلة، ومجسمات تلمع كرموزٍ للنجاح والتاريخ..... على سطح المكتب، تنتظم الملفات والأوراق كجندٍ فى صفوف، مرتبة بعناية، تحمل فى طياتها تفاصيل دقيقة لا تعرف الفوضى...الأجندة الخاصة فى زاوية المكان. ليست مجرد دفتر، بل شاهد حيّ على مسيرة طويلة، يضم بين سطوره ملحمة أحلام بدأت منذ زمن بعيد، وما زالت تتوسع بلا حدود، وأهداف لا تعترف بسقف، بل يواصل صاحبها الكتابة على صفحة مفتوحة لا تنتهي، كأنه يسابق الزمن ليترك خلفه أثرًا لا يمحى.
مزيج متوازن بين السكينة والحماس ينساب من ملامحه؛ لا كلمة تُقال عبثا، فكل حرف عنده موزون بميزان الدقة..... يبحر وسط أوراقه بتركيز حاد، فى جعبته آمال كبرى، يترجمها إلى خطط منظمة، محكمة التفاصيل، تستند إلى رؤية بعيدة المدى، لا يعمل ليخلّد اسمه فى جدار المكان، بل ليضيف إلى السوق قيمة حقيقية، وليكتب فصولًا جديدة لم تُكتب بعد فى سجلات هذا الكيان العريق. يحمل الملفات بين يديه كما لو كانت مفاتيح لأبواب المستقبل، يتعامل معها بحذر المبدع، وبتركيز الجراح، فلا يترك تفصيلاً صغيرًا دون تمحيص، ولا قرارًا دون حساب.
يتعامل مع الملفات بروح من البساطة والوضوح، وكلماته تنساب سهلة لكنها محملة بمعان عميقة، إذ يرى أن البورصة ليست مجرد ساحة لتداول الأسهم، ولا منصة حصرية للأثرياء، بل لاعب رئيسى فى تمويل الاقتصاد الوطني. فمن خلالها تستطيع الشركات أن تزيد من رؤوس أموالها باستمرار، وهو ما يجرى العمل على تعزيزه ، ليصبح للبورصة نصيب أكبر ومساهمة أوضح فى الناتج المحلى الإجمالي.
البورصة فى رؤيته هى جسر التمويل الحقيقى للمشروعات الاستثمارية، إذ توفر للشركات إمكانية الحصول على تمويل طويل الأجل، يساعدها على التوسع والإنتاج، ومن ثم التصدير، فينعكس ذلك على خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز دور القطاع الخاص فى دفع عجلة النمو والتنمية المستدامة، وأيضا العمل على رفع النقد الأجنبي، واستقرار العملة عبر الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة .
لأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا بالثقة، فإن دور البورصة وفقًا لقوله يتسع ليشمل الالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة، وحماية حقوق المساهمين، ما يرفع من مستوى الثقة فى الاقتصاد الوطني، ويجعل السوق أكثر جاذبية وقدرة على المنافسة عالميًا....إنها – كما يصفها – منصة للجميع: للمستثمر الصغير كما للشركات الكبرى، ولرؤوس الأموال الباحثة عن نمو مستقر كما للحالمين بصناعة مستقبل أكثر رسوخًا.
تفكير عميق، يبحث فيه عن جوهره الخفي، واكتشافاً لما وراء المألوف، ويتبين ذلك فى حديثه عن الإجراءات التحفيزية، وحزمة المحفزات المقدمة للشركات بالتبسيط والتيسير على شركات السوق بقدر الإمكان، عبر استعراض المزايا الذى يحققها القيد، من تنويع مصادر التمويل وزيادة فرص التوسع والنمو، مع العمل على التواصل برجال الأعمال والمستثمرين للترويج لفكرة القيد، EGXtalk .
• أقاطعه متسائلًا....هل عمليات القيد سواء بالسوق الرئيسى أو سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة يتوقف على الأوراق المقدمة للقيد فقط أما أن إجراءات أخرى ستتخذ فى الاعتبار؟
• علامات ارتياح ترتسم على ملامحه، كأنه كان ينتظر هذا السؤال، ليجيبنى قائلًا إن الإجراءات الجديدة، بالتنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية، لم تعد تكتفى بالملفات الورقية، بل تعتمد على الزيارات الميدانية المباشرة لهذه الشركات، بهدف أن نتحقق من الأصول المملوكة بالفعل، وأن نضمن وجود أرضية واقعية وصلبة تستند إليها الشركات، من مبانى وأصول حقيقية، فالأمر فى جوهره ليس شكليات، بل حماية حقيقية لأموال المستثمرين، واستقرار السوق».
يستكمل أن «الرقابة ليست سيفًا مسلطًا للعقاب فقط، بل مظلة تحمى السوق وتبنى الثقة داخله، حيث جوهر دورها يتمثل فى ضمان الشفافية وترسيخ الاطمئنان لدى المستثمرين، قبل أن يكون مجرد ردع للمخالفين. ومن هذا المنطلق، جرى تعزيز فرق التفتيش الميدانى على شركات الوساطة والشركات المقيدة، للتأكد من التزامها بالقواعد والمعايير، خاصة أن الهدف يتجاوز مجرد الرقابة الشكلية، ليصبح آلية لضبط الإيقاع ورفع مستوى الحوكمة والشفافية فى السوق، بما يعزز من قوة البنية المؤسسية، ويمنح المستثمرين ثقة أكبر فى عدالة ونزاهة المعاملات. فحين يدرك المستثمر أن السوق محكوم بالرقابة الرشيدة، لا بالترك المطلق ولا بالقمع العشوائي، يصبح أكثر استعدادًا لضخ أمواله والاستثمار على المدى الطويل».
شجاعة واعية، فى علاج المشكلات، وضمانًا لحماية السوق من أى ارتباك أو اهتزاز. وفى هذا السياق، تتجلى رؤيته العملية فى الحرص على المتابعة الدقيقة والتنسيق المستمر مع الهيئة العامة للرقابة المالية، بحيث لا تتوقف الجهود ، فالمتابعة الدورية لمتحصلات زيادات رؤوس الأموال للشركات ليست إجراءً شكليًا، وإنما صمام أمان للتأكد من أن تلك الموارد توجه إلى الأغراض التى رسمت من أجلها، وفق خطط واضحة ومحددات دقيقة، و بذلك يزرع الثقة للمستثمرين، ويؤكد أن السوق ليس مجرد مضمار للربح السريع، بل منظومة متكاملة تحمى نفسها من الداخل، وتبنى نموّها على أسس صلبة.
التعلم المستمر ليس ترفًا فكريًا، ولا مجرد هواية تضاف إلى قائمة الإنجازات، بل نهج لا غنى عنه لمن يسعى إلى البقاء فى قلب التغيير وصناعة المستقبل. بهذه الرؤية يتعامل مع دوره فى البورصة، حيث يعمل مع فريق الإدارة على صياغة استراتيجية متكاملة، قوامها 9 محاور رئيسية، يتصدرها زيادة عدد الشركات المقيدة لتعزيز عمق السوق، وكذلك تطوير أدوات مالية جديدة ، من شأنها أتاحه فرص استثمار متنوعة، بجانب تعزيز الشفافية والإفصاح لرفع مستوى الثقة، وأيضًا العمل نشر الثقافة المالية لضمان اتخاذ القرار الاستثمارى الصحيح للمستثمر، وأيضًا تفعيل الأدوات والمنتجات المالية الحديثة، مثل المشتقات المالية وآلية اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع (Short Selling)، وهى أدوات قادرة على زيادة عمق السوق، ورفع كفاءته، وجعله أكثر قدرة على جذب المستثمرين المحليين والدوليين.
دار فى ذهنى سؤال حول الأسهم غير النشطة وكيفية التعامل معها، لكن قبل أن أطرحه، بادرني، وكأنه قرأ ما بداخلى قائلاً بثقة إن «تفعيل دور صانع السوق هو الخطوة الجوهرية لعلاج مشكلة الأسهم غير النشطة، فمن خلاله يمكن زيادة حجم السيولة، وبالتالى تنشيط حركة التداول، وهو ما يعيد الحياة إلى هذه الأسهم ويمنحها مساحة أوسع للحركة وجود صانع للسوق لا يقتصر على ضخ السيولة فحسب، بل يدفع الشركات المقيدة نفسها إلى تحسين أوضاعها المالية، ويحفزها على التواصل الفعّال مع المستثمرين، لأن الشفافية والإفصاح يظلان العاملين الحاسمين فى جذب المتعاملين وتشجيعهم على التداول، حيث إن الأسهم غير النشطة تتحول من عبء على السوق إلى أدوات استثمارية جاذبة، تسهم فى توسيع قاعدة الاستثمار وتعميق السوق».
• إذن ماذا عن نظام التداول الجديد للبورصة؟
• لحظات صمت تسود المكان قبل أن يقطع السكون بقوله إن «الانتهاء من نظام التداول الجديد، والذى يخضع حاليًا لسلسلة من التجارب العملية الدقيقة، بالتعاون الوثيق مع الشركة الموردة للنظام. هذا النظام لا يأتى من فراغ، بل صُمم خصيصًا ليتواءم مع خصوصية السوق المصرية، آخذاً فى الاعتبار طبيعة بنيتها وآليات عملها، ويمتاز النظام الجديد بكونه يحمل فى طياته قفزة نوعية للسوق، إذ يفتح الباب أمام إضافة باقة من الأدوات والآليات المالية الحديثة التى طال انتظارها. فى مقدمة هذه الأدوات تأتى المشتقات المالية، إلى جانب تفعيل آلية اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع (Short Selling)، وهى أدوات من شأنها أن تمنح السوق مرونة أكبر، وتعزز من عمق التداول، وتضعه على خط المنافسة مع الأسواق الإقليمية والعالمية، حيث يتوقع دخول الخدمة العام القادم2026».
• وماذا ينتظر السوق من مقترحات لتعديل وتطوير قواعد القيد؟
• بثقة وهدوء يجيبنى قائلًا إنه «يجرى التنسيق مع الرقابة المالية للعمل على تقديم عدد من المقترحات التى من شأنها رفع كفاءة السوق والشركات».
حصيلة طويلة من التجارب صقلت خبراته، يتجلى ذلك بوضوح فى تعامله مع سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث لا يكتفى بالإجراءات التقليدية، بل يسعى إلى صياغة خطة أكثر إبداعًا تستهدف تحسين الصورة الذهنية لهذا السوق، وتحويله من حالة الركود النسبى إلى مسار نمو مستدام، وتقوم رؤيته على دراسة معمقة لحالة الشركات المقيدة فى هذا السوق، بما فى ذلك تلك التى لم يبدأ التداول عليها بعد، بغرض تشخيص التحديات، وفتح أبواب جديدة أمامها للانطلاق. ولعل هذا التوجه يكتسب أهمية خاصة فى ظل انتقال 10 شركات بالفعل إلى هذا السوق، ما يجعل المرحلة الراهنة لحظة فارقة تتطلب فكرًا مختلفًا، وإدارة أكثر ابتكارًا، لتفعيل دوره كمحرك حقيقى للاقتصاد، ومظلة دعم للشركات الطموحة الباحثة عن التمويل والنمو.
قدرة على قراءة تفاصيل السوق بوعى مختلف، وشغف مستمر، فى عمله وعلى نفس الوتيرة فى الترويج والعمل على زيادة استقطاب المؤسسات الحكومية، وزيادة مساهماته فى نشر التوعية داخل السوق المحلي، بالاعتماد على الشباب، بناء وعى استثمارى لديهم، بالإضافة إلى الزيارات المتتالية للمحافظات، وكذلك: التعاون مع الجامعات والبنوك، بيتم تنظيم ندوات مفتوحة لشرح أساسيات الاستثمار، أهمية الادخار، وطريقة دخول سوق المال، ونشر الثقافة المالية ، حيث تم توقيع 40 اتفاقية مع جامعات مصرية علسان تضمّن الثقافة المالية فى الأنشطة الجامعية، والمشاركة فى المعارض، والبرامج التدريبية لطلاب الجامعات، مع التركيز على الترويج الدولى جزء محورى من الاستراتيجية فى مؤتمرات عالمية، وعقد لقاءات مع صناديق استثمار أجنبية، بهدف جذب رؤوس أموال جديدة وتوسيع قاعدة المستثمرين، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة هو أحد أهم أدوات تحقيق الأهداف.
يجعل من عمله عملاً ملهِماً، ومن فكرة مجردة إلى مشروع ناجح، هكذا لمسته الإبداعية، يحمل الفضل لكل من تعلم منهم، واثر فى حياته العملية، ومنهم الدكتور محمد فريد رئيس الرقابة المالية، يحث أولاده على بذل الجهد والعمل، عاشق للرياضة، لما تمنح من صفاء ذهني، والاولوان التى تعزز الاحترام والتقدير....لكن يظل شغله الشاغل تعظيم ريادة البورصة المصرية من خلال استراتيجية طموحة تخدم السوق والمستثمرين.. فهل يستطيع تحقيق ذلك؟