الفيضان الإثيوبي سلاح في حرب إقليمية صامتة
في ضواحي شمال العاصمة السودانية الخرطوم، وأكثر من ولاية سودانية اختفت الممرات المألوفة. مياه النيل المتدفقة، بعد أن اخترقت أجزاء من السد الترابي، تغزو المنازل، وتغمر الساحات، وتحول الطرق الترابية إلى جداول موحلة هائجة.
تتدفق المياه البنية الداكنة، المثقلة بالطمي من المرتفعات الإثيوبية، بعنف، حاملةً تهديدًا صامتًا. يخيم على الهواء رائحة الطين، بينما يتردد هدير النهر كتحذير دائم.
استيقظ السكان على كارثةٍ بدأت تتكشف قبل أيام. الأراضي الزراعية التي كانت خضراء قبل أسابيع قليلة، غمرتها المياه الآن. يتجمع الرجال على حواف الجسر المكسورة، يراقبون بعجزٍ بينما يندفع النهر نحو الداخل.
وسط الفوضى، تتدافع العائلات لإنقاذ ممتلكاتها. يبكي الأطفال، وينادي الرجال محذرين، وفي بعض الأحيان، يرتجف البعض في منازل على وشك الانهيار.
السودان في قلب الكارثة خلال الأيام الماضية، شهدت مناطق عدة في السودان فيضانات غير مسبوقة تسببت في تدمير مئات المنازل وتشريد الآلاف من الأسر، إضافة إلى عدد من الوفيات والمفقودين، وخسائر مادية لن تقل عن مئات الملايين من الدولارات.
دمرت مياه الفيضانات البساتين ومزارع السمسم والذرة، ليفقد الناس محاصيلهم التي شارفت على الحصاد في أكتوبر الجاري.
عاد كثير من المواطنين من رحلة نزوحٍ ولجوءٍ طويلة، فقدوا خلالها مدخراتهم، وجاء الفيضان ليعمق معاناتهم المتواصلة منذ بداية الحرب الأهلية.
كما يعاني سكان المناطق الواقعة شرق النيل الأزرق بين ولايتي الجزيرة وسنار من انقطاع الطرق وتوقف وسائل النقل، فيما انتشرت الأمراض والأوبئة، واضطر الأهالي إلى استخدام مراكب بدائية للتنقل بين القرى الغارقة.
في الوقت نفسه تشهد محافظات مصرية عدة حالة طوارئ قصوى إثر الارتفاع الملحوظ في منسوب مياه نهر النيل.
تسببت المياه في غمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأجزاء من منازل مقامة على أراضي طرح النهر، خصوصًا بمحافظتي المنوفية والبحيرة على فرع رشيد، وكذلك إحدى الجزر النيلية في مركز البداري بمحافظة أسيوط.
وأكدت وزارة الموارد المائية والري أن النيل الأبيض شهد هذا العام زيادة في الإيراد المائي تراوحت بين 60% و100% مقارنة بالمتوسط منذ عام 2020، كما سجل نهر عطبرة أعلى وارد له منذ سنوات، ما يعكس تأثيرات مناخية قاسية تضرب المنطقة.
أما فيما يتعلق بـسد النهضة، فقد أعلنت الوزارة أن بحيرة السد اكتمل ملؤها مؤخرًا، وأن عمليات تصريف المياه بدأت في العاشر من سبتمبر الماضي، بمتوسط تصريف يومي بلغ 750 مليون متر مكعب. ورغم أن هذا المعدل أقل من ذروة التصريفات المعتادة، فإن تزامنه مع موسم الفيضان ساهم في ارتفاع المناسيب وحدوث الفيضانات المفاجئة.
مما أثار التساؤل المنطقي
هل فتح البوابات دون إخطار. للسودان ومصر . هجوم مائي أم خطأ كارثي؟
كشفت تقارير إعلامية أن إثيوبيا فتحت بوابات سد النهضة دون إخطار مسبق لمصر أو السودان،
في خطوة تجعلني اذهب في ظل نوايا اديس ابابا الملبدة بالغيوم مع القاهرة والخرطوم منذ بدأ تنفيذ مشروع السد الي اليوم الي ان ما قامت به الحبشة عبر فتح البوابات دون التنسيق مع مصر والسودان بالتزامن مع ارتفاع فيضان النيل الأبيض لم يكن علي الاطلاق عملا طيب النوايا بل اختبار لمدي فاعلية
سلاح المياه الذي أصبحت تمتلكه و اعطي لها السيادة علي نهر النيل حسب اعتقادها في ظل ان السد اكتمل واصبح سلاحا يحمي نفسه
والرسالة واضحة علي الخرطوم ان تصبح ظلا لاثيوبيا والا فالدمار عبر سلاح المياه في مدة لن تزيد عن اسبوع علي اقصي تقدير، وعلي مصر الاستسلام للأمر الواقع الجديد والاستجابة لطلبات إثيوبيا السياسية والجغرافية
فنهر النيل أصبح ترعة إثيوبية ..
الأمر لا يحتاج لفهم عميق حتي ان نصل لهدف إثيوبيا ورسائلها من هذا الفيضان المفتعل.
فهذا التصرف أدى إلى فيضان مدمر أغرق قرى ومدنًا بأكملها في السودان وأضر بعدة مناطق في مصر،
ومما يؤكد هذا الطرح فكرة ان سد النهضة ماهو الا أداة سياسية للابتزاز، لا مجرد مشروع تنموي فقط؟
هنا لن اذهب الي الأخطاء الفنية في السد التي تعوق تشغيل كامل التوربينات، بل الي تصريح مباشر من رئيس الوزراء الاثيوبي.
فعشية افتتاح سد النهضة الشهر الماضي صرح آبي احمد بأن عدم وصول إثيوبيا الي البحر الأحمر خطأ تاريخي حان وقت تصحيحه .
فهو يدرك كواليس المشهد السياسي الملتهب الذي يحيط بمصر والسودان وفي سعيه الي الوصول البحر الأحمر تدعمه إسرائيل لكي يصبح قاعدة بحرية متقدمة لها تعمل علي ضمان عدم غلق بوابة إسرائيل الجنوبية في البحر الاحمر بواسطة قوات الحوثي وفي الوقت نفسه يهمش من سيطرة الرياض والقاهرة علي البحر الأحمر.
فالجغرافيا السياسية تُحاصر القاهرة:
واصبح السد سلاح في حربٍ إقليمية صامتة، فقد تزامن أزمة فتح بوابات سد النهضة دون تنسيق مع السودان، الغارق أصلًا في حربٍ أهلية طاحنة، مع تصاعد التوترات الإقليمية في محيط مصر الجغرافي.
ففي الوقت الذي تشتعل فيه حرب غزة وتتعالى من جديد الأصوات الداعية إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بدعمٍ من بعض دوائر اليمين الأمريكي والإسرائيلي، تسعى إثيوبيا، على الجانب الآخر، إلى الوصول للبحر الأحمر عبر تحالفات عسكرية واقتصادية مع إسرائيل التي لديها الاستعداد لتحويل سد النهضة لبنك مياه تساوم به القاهرة علي وصول مياه النيل لصحراء إسرائيل والسماح بتهجير شعب غزة الي سيناء .
وكلتا القضيتين — التهجير القسري والتمدد الإثيوبي نحو البحر الأحمر — تمثل خطين أحمرين بالنسبة للقاهرة، التي تدرك أن المساس بهما تهديد مباشر للأمن القومي المصري.
في هذا السياق المضطرب، يطلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جديد، متحدثًا عن رغبته في حل أزمة سد النهضة، في محاولةٍ لـ"مغازلة" القاهرة وإعادة تموضعه في ملفات الشرق الأوسط مستثمرًا تصاعد التوتر الإقليمي والهدف غزة و وصول إثيوبيا الي البحر الأحمر مقابل اتفاق مع إثيوبيا مفادها تبادل المعلومات حول سد النهضة والتنسيق في سنوات الجفاف .
إذن في ظل المعطيات السابقة
فإن التحرك الإثيوبي الأخير بفتح بوابات السد دون إخطارٍ مسبق لا يمكن فصله عن هذا المشهد الجيوسياسي المتشابك؛ فهو رسالة سياسية مبطنة تؤشر إلى أن سد النهضة لم يعد مشروعًا هندسيًا تنمويًا فحسب، بل أصبح سلاحًا جيوسياسيًا يُستخدم للضغط والمساومة.
وهكذا يتضح أن الأزمة المائية ليست معزولة عن صراع النفوذ الإقليمي، بل تقع في قلب حربٍ باردة جديدة تدور رحاها على ضفاف النيل وسواحل البحر الأحمر، تتقاطع فيها أجندات أمريكية وإسرائيلية وإثيوبية، فيما تواصل مصر الدفاع عن وجودها المائي والسياسي في آنٍ واحد متبعة سياسة الصبر الاستراتيجي فالقاهرة لن تدخل معركة الا في الوقت المناسب لها .
خاصة ان في ظل هذه الخسائر البشرية والمادية التي وقعت بفعل فيضان إثيوبيا المفتعل.
أصبح من حق مصر والسودان قانونيًا ودوليًا — وفق مبدأ الدفاع عن النفس ودرء الضرر — اتخاذ كل الوسائل الممكنة لحماية شعبيهما ومقدراتهما المائية من الهمجية الحبشية وتعصبها التاريخي خاصة ضد مصر.
يؤكد ذلك أن سد النهضة، بفعل الشحن الإعلامي الشعبوي داخل إثيوبيا على مدار سنوات، البناء
أصبح أيقونة قومية تُجسّد حلم الانتقام من القاهرة وتعطيش شعبها، أكثر منه مشروعًا للتنمية والرخاء.
وفي الوجدان الإثيوبي، تحوّل السد إلى رمزٍ لما يصفونه بـ"تحرير الأميرة الأسيرة عايدة" من قبضة المصريين وإعادتها إلى موطنها الأصلي.
في تصوري اعتقد أن تلك الأسطورة التي خلدتها أوبرا "عايدة"، التي كتبها عالم الآثار الفرنسي فرانسوا مارييت ولحّنها الموسيقار الإيطالي جوزيبي فيردي، لم تكن مجرد عمل فني فقط بالنسبة للحبشة، بل باتت اليوم تُستدعى في الخطاب الإثيوبي كمجازٍ يعكس العداء التاريخي الموروث تجاه مصر.
فـ"عايدة" لم تكن إلا رمزًا لنهر النيل الذي سخّره المصريون منذ آلاف السنين لبناء حضارتهم وصون وجودهم.
واليوم، يراها بعض الساسة الإثيوبيين أسيرة يجب تحريرها، عبر بناء السدود وفرض الهيمنة على مجرى النهر.
وهكذا يتجلى المشهد الحديث كامتدادٍ لصراعٍ قديمٍ، تتبدّل فيه الأدوات لكن تبقى الرغبة في الانتقام والهيمنة حاضرة في الذاكرة الإثيوبية، وإن غُلِّفت بشعارات التنمية والسيادة.
فمنذ أكثر من عشر سنوات من المفاوضات الماراثونية، لم تتزحزح إثيوبيا عن مواقفها المتعنتة.
وتبنّت خطابًا سياسيًا وشعبويًا يُغذي مشاعر الكراهية ويعكس عداءً متأصلاً تجاه مصر، بعيدًا عن منطق التعاون أو التنمية المشتركة.
يؤكد ذلك هروب إثيوبيا في اللحظات الأخيرة في فبراير 2020 من توقيع الصيغة النهائية لإتفاق سد النهضة برعاية أمريكية اثناء تولي ترامب الحكم ..
كان المنطق الإثيوبي ومازال غاية في التهور. يحكمها العنصرية والطمع ويعد بمثابة انقلاب على القانون الدولي.
هذا المنطق الذي يدار به السد يقوم على وهم السيادة المطلقة، متجاهلاً القانون الدولي الذي ينظم الأنهار العابرة للحدود.
وتحاول أديس أبابا خلق قواعد جديدة تجعلها المالك الوحيد للنهر والمتحكم في توزيع الحصص وبيع المياه وفرض رسوم عليها.
فهل يدرك العالم أن نجاح هذا النهج سيُدخل أكثر من 150 دولة تمر بها أنهار عابرة للحدود في صراعات مائية مدمرة.
في العالم اليوم أكثر من 800 سد دولي، منها 45 سدًا ضخمًا، أُنشئت جميعها بالتوافق ووفق مبدأ "عدم قتل الأنهار"، لكن إثيوبيا تريد الانقلاب على هذا المبدأ.
ولم يتوقف الأمر عند المياه فقط، بل امتد إلى محاولة التحكم في السياسة الداخلية لدول المصب باشتراط موافقتها على أي مشروع تنموي داخل أراضيها.
فقد جاء خطاب مندوبها في مجلس الأمن عام 2020 ليكشف الوجه العدواني بوضوح، إذ أعلن اعتراض بلاده على مشاريع مصرية داخل حدودها مثل توشكي والسد العالي وخزان أسوان، في تجاهل تام لحقيقة أن مصر دولة مصب لا تضر أحدًا بمشروعاتها.
كان هذا التصريح بمثابة إدانة ذاتية فضحت سوء نية أديس أبابا أمام العالم، وأثبتت أن الهدف ليس التنمية، بل الهيمنة وهدم مبادئ القانون الدولي.
إن ما حدث من غرق السودان وتضرر مصر ماديًا جراء فتح بوابات السد دون تنسيق، هو دليل دامغ على خطورة الممارسات الإثيوبية وسوء نواياها.
لقد أصبح العالم اليوم شاهدًا على العدوان الإثيوبي على حق مصر في الحياة، وهو ما يُعدّ مكسبًا استراتيجيًا للقاهرة بعد عقدٍ من الصبر والمفاوضات.
لقد نجحت مصر في تحويل الأزمة إلى قضية وعي عالمي، وكشفت بمهارة عن الوجه الحقيقي لإثيوبيا التي ترفع شعار التنمية بينما تمارس سياسات العطش والغرق والإقصاء. .
هذا الوعي العالمي سيكون داعما للقاهرة.
فالدفاع عن استمرار الحياة في مصر، هبة النيل، ليس محض اختيار، فمصر بدون نهر النيل تصبح مجرد سفينة في الصحراء، ولا يمكن لأي نظام أن يفرّط في حقوق مصر في مياه النهر ؛ فهو عار لن يصمت عنه التاريخ ولن يغفره الشعب.
فهذا السد الذي تحول إلى سلاح تستخدمه إثيوبيا وإسرائيل
كأداة لتقزيم مصر ومحاصرتها مائيًا، وجيوسياسيا .
ويصبح ورقة ضغط في يد أديس أبابا وهي دولة هشة تحكمها الصراعات العرقية. واكتمال بناء السد مجرد مسكن مؤقت لتلك الصراعات العرقية التي جذورها غير قابلة للعلاج، ومسألة وقت وستظهر علي السطح مرة اخري في ظل احتقان عرقية امهرة من حكم عرقية الأورومو التي ينتمي لها رئيس الوزراء الاثيوبي.
وكذا عرقية تيجراي وباقي ال 90 عرقية التي تتكون منها إثيوبيا في حالة عدم توافق مع بعضهم البعض.
وحتى منطقة بني شنقول التي يقع عليها السد هي في الأساس أرض سودانية ومعظم سكانها يريدون الانفصال عن الحبشة والانضمام الي السودان وطنهم الأم.
ولولا ظروف الحرب الأهلية في السودان كان معادلة سد النهضة سوف تتغيير لصالح القاهرة والخرطوم.
إذن فسلب سلاح سد النهضة من يد هذه الدولة المتهورة يبدأ فور انتهاء الحرب الأهلية في السودان وحسمها لصالح الجيش السوداني وهذا الأمر بات قريب في ظل الانتصارات والسيطرة من قبل الجيش السوداني علي مساحات كبيرة استراتيجية علي رأسها الخرطوم العاصمة ..
هذا هو الهدف الأهم الآن الذي تعمل عليها القاهرة كخطوة تفتح باب تغيير معادلة سد النهضة وتحرير نهر النيل، فمصر، بتاريخها الممتد آلاف السنين، تدرك أن البقاء على ضفاف النهر هو بقاء الدولة ذاتها، وأنها بدون مياه النيل تصبح مجرد سفينة في الصحراء.
ولذلك، فإن معركتها من أجل النهر ليست سياسية فقط، بل معركة وجود، وحق في الحياة، وحماية لتاريخ ومستقبل أمة كاملة.