موسم سينمائى ساخن بالإيرادات
النقاد: السينما تطورت تقنيًّا.. وما زالت تحتاج لسيناريوهات جيدة
الكوميديا التجارية تسيطر وتستقطب الشباب والمراهقين.. و«درويش» و«المشروع إكس» يغردان خارج السرب
عصام زكريا: «طه الدسوقى وعصام عمر» موهبتهما قوية
محمود قاسم: هنا الزاهد «موهوبة ومتطورة».. و«كرارة» تحدى نفسه فى «الشاطر»
ماجدة خيرالله: «ضى» تجربة فنية رائعة تدعو لتقبل الآخر.. والإيرادات ليست أداة قياس لنجاح الفيلم
«سيكو سيكو» يُلامس سقف نصف مليار جنيه «إيرادات»
2025.. عام الزخم الفنى بعد انتكاسة كورونا التى ألقت بظلالها على كم الانتاج السينمائى بشكل كبير، فمنذ بداية العام وحتى الآن تم عرض نحو 19 فيلما سينمائيا، وهى طفرة نوعية وكمية من حيث العدد وتصحيح مسار الكتابة ونوعية الأفكار المطروح مقارنة بأفلام السينما خلال الأعوام الــ5 السابقة، استهل العام السينمائى يوم 1 يناير 2025، حيث عرضت دور السينما ثلاثة أفلام، وهى: الدشاش لعمرو سعد، والمستريحة لليلى علوى، والبحث عن منفذ لخروج السيد رامبو لعصام عمر، ومع منتصف يناير تم عرض ثلاثة أفلام أخرى، وهى: 6 ايام لاحمد مالك وآية سماحة، وسنو ويت لمحمد ممدوح، ولأول مرة لتارا عماد وعمر الشناوى.
ومع حلول عيد الفطر المبارك وانطلاق موسم السينما الصيفى، عرضت دورالعرض أربعة أفلام، وكان لفيلم سيكو سيكو لطه دسوقى وعصام عمر، نصيب الاسد من الايرادات التى بلغت 180 مليون جنيه داخل مصر، و300 مليون جنيه فى دور العرض بالامارات والسعودية، وفيلم نجوم الساحل لأحمد داش ومايان السيد، وفار بـ 7 ارواح للراحل المبدع سليمان عيد، وفيلم الصفا ثانوية بنات لعلى ربيع، ومع حلول شهر إبريل صدر فيلم استنساخ لسامح حسين، وسط تراجع كبير فى الايرادات الأولية للفيلم.

ومن أواخر مايو وحتى 28 أغسطس صدر ثمانية أفلام، تربع على عرش الإيرادات منها أربعة أفلام، فجاء فى المركز الأول فيلم «المشروع X» لكريم عبدالعزيز، باجمالى ايرادات تجاوزت 141 مليون جنيه، وفى المركز الثانى فيلم الشاطر لأمير كرارة بايرادات بلغت 110 ملايين جنيه، وفيلم ريستارت لتامر حسنى بايرادات 96 مليون جنيه، وفيلم درويش لعمرو يوسف بإيرادات بلغت 56 مليون جنيه، متفوقا على فيلم احمد السقا «أحمد وأحمد» الذى حقق قرابة 55 مليون جنيه فقط، وفيلم «روكى الغلابة»، وفيلم ماما وبابا.

«الوفد» تواصلت مع عدد من النقاد السينمائيين، لتقييم الموسم السينمائى ، من حيث المستوى الفنى والتقنيات الانتاجية للأفلام، والكم النوعى والكيفى عددا وكتابة، وأبرز الظواهر الفنية التى سيطرت على انتاج الأفلام، والتى كانت سماتها الأولى الكوميديا، والمستوى الفنى لأداء النجوم، وتعافى سوق صناعة السينما بعد انتكاسة كورونا وأزمة الانتاج الحالية، وأهم الوجه الشابة التى صعدت إلى أعلى قمة الايرادات فى تاريخ السينما المصرية.
رأت السيناريست والناقدة السينمائية ماجدة خيرالله، ان الموسم السينمائى منذ بداية العام جيد ويعرض فيه عدد كبير من الأفلام التى حققت نجاحا تجاريا، وفيلم رامبو كان «مفاجأة» بسبب مستواه الفنى، فهو عمل مختلف رغم أنه لم يحقق ايرادات، ولكنه فيلم محترم وفيه تصعيد لنجم جديد وهو عصام عمر، بالاضافة لفيلم «سيكو سيكو» الذى حقق نجاحا فنيا وتجاريا ساحقا.

وحكت «خيرالله» أن فيلم درويش والشاطر «أفلام محترمة» وتساعد على انعاش صناعة السينما، ومن حيث المستوى الفنى للكتابة فالاقبال على الأفلام يدل على وجود «أفلام مُرضية» لذوق مختلف الفئات، بغض النظر عن وجود افيهات.
وتواصل الايرادات ليست اداة قياس لنجاح الافلام، والامر متعلق بعدة عوامل، منها: المواسم والأعياد والمناسبات، التى تساعد على تحقيق ايرادات فالإقبال يكون من أجل التسلية والمرح، وتكون فئة معينة من الجمهور «الشباب والمراهقين»، وكل ذلك لا يعنى جودة الفيلم.
وعن مستوى الأداء للنجوم الشباب، قيمت «خيرالله»، قائلة: «لا يوجد نوع من الابتكار أو التجديد أو المغامرة، إلا فى أفلام «رامبو وسيكو سيكو»، فهما اختبار لنجوم شباب للمرة الأولى تُجاريا.
وعن فيلم «ضي» الذى حقق شهرة وتواجد عبر المنصات رغم غياب الإيرادات، وأحدث صدى وبعث رسالة عن تقبل واحترام اختلاف الآخرين، قالت: «ضى حالة فنية جيدة تؤكد أن لدينا مخرجين وكتابا وممثلين ذوي قيمة، وهو تجربة رائعة عن تقبل الآخر، والفيلم يظهر اثره عبر المنصات وليس من خلال شباك التذاكر».
وتؤكد ان عدد 19 فيلما فى عام غير كافٍ، فالسينما المصرية كانت تنتج 100 فيلم وأكثر فى عام واحد، خاصة مع زحام الجمهور، نحن الآن شعب 120 مليون نسمة، هل من المعقول انتاج 19 فيلما فقط، وإذا كانت تكلفة انتاج وصناعة السينما كبيرة، فالعائد ضخم ايضا، والأفلام التى لا تحقق عائدا بسبب قلة عدد دور العرض فى المحافظات، فالأفلام لا تأخذ حقها فى التسويق، ولا يناسب القاهرة هذا العدد من دور السينما، خاصة بعد إغلاق عدد منها فى منطقة وسط البلد، والتغطية الجغرافية غير كافية.

الناقد عصام زكريا:

وقييم عصام زكريا، الناقد السينمائى، الموسم السينمائى، من حيث الايرادات وعدد الافلام المطروحة وتنوع سيناريوهات الأفلام، سواء الكوميديا والتراجيديا والأكشن، والمستوى الفنى والتكنيكى للافلام، فقال فى تصريح خاص لـ «الوفد» إن موسم الصيف جاء بنجوم من الشباب إلى جانب نجوم جيل الوسط، وانتاج الأفلام معتدل، بسبب حرص المنتجين على عدم ضرب الأفلام، كنوع من الترشيد والتعامل بذكاء، الأمر الذى خدم الأفلام وجعلها تحقق هذه الإيرادات التى وزعت على عدد محدود من الأفلام.
وعن تجاوز فيلم «الشاطر» لأمير كرارة وهنا الزاهد، حاجز الـ110 ملايين جنيه إيرادات، قال: إن هذه الأرقام خادعة، ولا يجوز المقارنة بين ايرادات هذا العام والايرادات منذ خمس سنوات مثلا، فهناك زيادة فى أسعار التذاكر، ومبلغ التذكرة عادى عند الجمهور بالتزامن مع ارتفاع أسعار الخدمات والمنتجات وتكلفة صناعة السينما إلى مستويات غير مسبوقة، فالفيلم أصبحت ميزانيته 70 مليون جنيه الآن، كل هذا أدى إلى زيادة الايرادات وهى نتيجة أسعار وليس إقبال الجماهير، وما يؤكد صحة الايرادات هو «عدد التذاكر المباعة»، ففيلم «اللمبى» حقق 20 مليون جنيه فى 2002، ولكنه باع عدد تذاكر أكثر من هذه الأفلام.
ومن يقول إن فيلم «سيكو سيكو» حصد أعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية بنحو «180 مليون جنيه» خاطئ ويضحك على الجمهور، فالايرادات تقاس على اسعار التذاكر والعدد المباع منها، وهى افلام تجارية هدفها الربح أولا وأخيرا.
وقيم «زكريا» المستوى الفنى لأفلام الموسم الصيفى، على أنها كوميديا تجارية، نُفذت بمقومات انتاجية ضخمة من تصميم معارك سفر ولوجستيات والمؤثرات السينمائية، وتشمل: المؤثرات الخاصة (SFX) والمؤثرات البصرية (VFX)، ومؤثرات رقمية، وتقنية الشاشة الخضراء، وتقنية التقاط الحركة، وتُستخدم هذه المؤثرات لإضفاء الواقعية أو الخيال على المشاهد، بالتالى هناك تطور ملحوظ فى الجزء التقنى، ومن الناحية الفنية فهى افلام متوسطة لا تحتوى على الابتذل أو الضعف الذى كان ثمة الافلام خلال الفترة الأخيرة، خاصة أفلام الأعياد، فهناك تحسن فى الكتابة والاخراج والأداء، وخطوة للأمام تشبه نسبيا افلام التسعينيات التى بها صنعة، فالمشكلة أنها نوع فنى واحد «كوميديا» ولا يوجد تنوع، قصص الأفلام واحدة، ما عدا «المشروع X» وهو شبه كثير من الأفلام المصرية عن المغامرة والجاسوسية.
وأضاف زكريا، ما يفرح فى هذا الموسم هو غياب ظاهرة المشاهد الابتذال والعودة تدريجيا إلى الذوق العام المصرى، حتى فى السياق الكوميدى، فالعودة إلى عُرف وعادات وتقاليد المجتمع ظاهرة صحية، فالانتاج غير مباشر ولكنه يخضع لإشراف الدولة، وجميعها افلام كوميديا ولا تحتوى على ظواهر غريبة، وتحمل مواعظ ورسائل واتنماء للوطن وفكرة التضامن بين الاصدقاء مثل: فيلم «سيكو سيكو»، وهى أفلام شعبوية تتماشى مع الدولة والشعب.
وعن الوجوه الشابة اللافتة للنظر خلال الفترة الأخيرة، قال: كل الشباب شاطر، يحتاج إلى تدريب وسيناريو جيد مع تكثيف خبراتهم، ومزيد من احترام المهنة والجمهور، مثل: طه دسوقى وعصام عمر، فهما ممثلان قويان وموهبتهما ثقيلة، يحتاجان إلى سيناريوهات قوية تمنحهما مساحة أكبر فى الأداء بعيدا عن الكوميديا، واتمنى أن يطورا من نفسيهما والبُعد عن غرور النجومية المبكرة التى تخلق حالة من عدم الاتزان وغياب الفطنة، وفى المناخ العام للممثل يحدث خلل بسبب النجومية، كما حدث مع نجوم كثيرة من الجيل السابق.
محمود قاسم: غاب الابتذال وحضرت الإفيهات

وقيم الناقد السينمائى محمود قاسم، موسم الصيف السينمائى، على أنه صورة نمطية معتادة، من حيث الافكار وحبكة افلام العيد والصيف فى إطار كوميدى وأكشن ومغامرة، ولا يوجد بها جديد، والأمر اللافت هو الاستغناء عن الابتذال، على رغم من أنها سينما الإفيهات والضحك، فى حين يختلف فيلم «المشروع X» لكريم عبدالعزيز، عن باقى الأفلام لأنه يدور فى إطار المغامرة.
ويضيف «قاسم» أن السينما التجارية دائما ما تستهدف الربح دون النظر إلى المحتوى أو المضمون، فلم يعُد هناك سينما الأفكار، فنحن فى حاجة ماسة إلى كُتاب أفكار وإبداع وخارج الصندوق للظهور مرة أخرى على الشاشة، والأمر الايجابى هو عدد الأفلام مُرضى فى ظل أزمة السينما والانتاج حاليا، ومازال هناك نجوم ووجوه شابة قادرة على الاستمرار والابداع رغم كل الظروف المحاطة بصناعة السينما، وعدد الأفلام المنتجة خلال 2025 رسالة أن السينما مازالت على قيد الحياة، والإيرادات تؤكد أنها جاذبة لمختلف الفئات العمرية.
ويشير إلى أن هناك كما هائلا من الانتاج الدرامى خلال السنوات الماضية، وأغلبها تقوم على الإفيهات والابتذال ـ وسط ندرة الانتاج المسرحى والإذاعى والسينمائى، فمنذ 10 سنوات لم يتم انتاج عمل إذاعى أو مسرحى، وكل ما يتم عرضه أو بثه من ارشيف الإذاعة وتراث المسرح وذاكرة ماسبيرو، حتى إن الراديو يبث شهريا 48 مسلسلا من أرشيف الإذاعة المصرية لنجوم الزمن الجميل، والدراما المصرية تمرض ولا تموت، وحول الحكم على جودة وتأثير ونجاح الفيلم من الإيرادات، يؤكد أن ارتفاع الإيرادات إلى هذا الحد غير المسبوق يأتى نتيجة عدة عوامل، منها: زيادة أسعار التذاكر وارتفاع تكلفة الإنتاج، على سبيل المثال: التذكرة كانت بعشرين جنيها وصلت لـ200 جنيه، وحسب دور السينما، وأغلب رواد السينما شباب ويدفعون للترفيه والمرح والتسلية، فهذه الملايين ليست أداة قياس لنجاح الفيلم، والأداة الحقيقية هى عدد التذاكر التى يتم بيعها فعليا، وحصد جوائز من مهرجانات عدة، وهذه الأفلام لا تصلح لان تكون عروضا فنية ذات ثقل سينمائى فى المهرجانات، وهذه طبيعة السينما التجارية عموما الربح ليس إلا.
واشاد «قاسم» بأداء الفنانة هنا الزاهد فى فيلم الشاطر، قائلا: «موهوبة ووجهها معبر وشاطرة وفى تطور دائما ومتنوعة فى ادوارها ويغلب عليها الطابع الكوميدى، وتأخذ السينما بشكل جدى»، وأعتقد أن امير كرارة، تحدى نفسه فى فيلم الشاطر، حيث يقال عنه إنه ممثل الاكشن فقط، وسعدت برؤية أحمد السقا، مجددا على الشاشة بعد غياب، وفيلم أحمد وأحمد مختلف عن ما قدمه خلال مشواره الفنى، والفيلم كسر حواجز كثيرة، وحقق ايرادات ما يشجع المنتجين والمخرجين من الجيل الجديد على انتاج مثل هذه الأفلام.
وحول المستوى الفنى للأفلام، يمكن إعطاؤها 65 %، وهذا بالنظر الى قصص الأفلام وافكارها وليس بالنظر للإيرادات فأغلبها افلام افيهات وكوميديا.
وعن فيلم «سيكو سيكو» الذى حقق أثناء عرضه فى السعودية نحو 193 مليون جنيه مصرى، ارجع ذلك إلى ان الجمهور السعودى قديما كان يأتى لمصر فى الصيف لمشاهدة الأفلام والسياحة، والآن أصبح لديه دور عرض وسينمات ومسارح ضخمة، بالتالى تذهب الأفلام إليه وهم دائما ما يبحثون عن النكتة والفكاهة والافيهات فى الافلام المصرية، ونجاح سيكو سيكو فى السعودية، أمر طبيعى، خاصة أن رواد السينما السعودية اغلبهم من الشباب والمراهقين.
ويؤكد أن الأفلام المطروحة فى دور السينما بمثابة طفرة وتصحيح مسار بعد انتكاسة «كورونا»، اضافة إلى أن إنتاج الدولة الدرامى كبير ويشهد زخما غير موضوعى اضافة الى المنصات، مقارنة بالانتاج السينمائى التجاري.