دعاء الغضب من السنة النبوية وخطورته على الإنسان
يعد الغضب انحرافًا عن المنهج الإسلاميِّ القويم، الذي قام على الاعتدال والتوازن في كلِّ شيء، والذي يأمر بالصَّبر وكظمِ الغيظ والتَّواضُع، ففي أكثر من آية في القرآن الكريم ورد التوجيه بهذه القِيَم، فقال الله تعالى في صفات المتقين: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 134].
حكم الغضب:
وامتدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأشجَّ بن عبد القيس رضي الله عنه وقال له: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا عن ضرورة ضبط النفس عند الغضب: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» رواه البخاري ومسلم.
دعاء الغضب
ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجهد: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي قال له: "قل عند الغضب: يا من يكتفي من خلقه جميعًا ولا يكتفي منه أحد من خلقه يا أحد من لا أحد له انقطع الرجاء إلا منك أغثني، أغثني يا عزيز يا حميد يا ذا العرش المجيد أصرف عني شر كل جبار عنيد".
دعاء الغضب
اللهم إني أسألك أن ترزقني الهدوء وأن تهدئ نفسي عند الغضب وتجعلني من أولي العفو،
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم اجعلني من أهل الصبر، وارزقني الهدوء في النفس".
حكم ضبط النفس عند الغضب :
وجاء في قصَّة لقمان مع ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، وقال جلَّ شأنه في صفات من دعاهم عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].
كيفية التحكم في الغضب:
وبجب على الإنسان أن يعرف نفسه حقَّ المعرفة، يعرف ما يُسعدها وما يحزنها، ما يُحفزها وما يُثَبِّطُهَا، ومِنْ ثَمَّ يعرف كيف يَسُوسُهَا، وبالعزم والقوة يملك زمامَها ويقودُها، ولا يترك جوارحَه أسيرةَ اندفاع نفسه للانتقام أو لتحصيل الشهوات، قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: 14].
كما إن الغضب هو حالةُ غليانٍ تنتابُ الإنسان نتيجةَ انْزِعاجِه من أمرٍ من الأمور؛ بحيث يكون مريدًا للتشفي والانتقام، قال الإمام الجرجاني في "التعريفات" (ص: 162، ط. دار الكتب العلمية): [الغضب: تغير يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي للصدر] اهـ.
خطورة الغضب والتحذير منه شرعًا:
ورد أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَا وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ» رواه الترمذي في "سننه" والبيهقي في "شعب الإيمان".
بيان خطورة الغضب :
لهذه الخطورة التي يُحدِثها الغضب ذَمَّت الشريعة الإسلامية الغضب وحذَرت الناس منه، ومن عواقبه؛ فعن معاويةَ بنِ حيدةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مُعَاوِيَةُ: إِياكَ وَالْغَضَبَ، فَإِنَّ الغَضَبَ يُفْسدُ الإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ العَسَلَ». رواه الطبراني في "المعجم الكبير" والبيهقي في "شعب الإيمان"؛ فلخطورة ما يترتب على الغضب، وما قد يؤول صاحبه إليه، كان الغضب من حيث الأصل منهيًّا عنه شرعًا.
وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: «لاَ تَغْضَبْ» فردد مرارًا، قال: «لاَ تَغْضَبْ». رواه الإمام البخاري في "صحيحه"؛ فهذا يدل على أن الغضب في أصله منهيٌ عنه شرعًا.
قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 668، ط. دار الحديث): [والحديث نهى عن الغضب] اهـ.