بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

إسرائيل وأمريكا والنظام العالمي

کان إعادة هيكلة النظام العالمي الجديد لتحل منظمة الأمم المتحدة محل عصبة الأمم نتيجة عجز الأخيرة في إحلال السلام ومنع وقوع الحرب العالمية الثانية.
خلفت الأمم المتحدة عصبة الأمم بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وراعى المنتصرون خلال تأسيس النظام الجديد ضمان فوقية الدول المنتصرة على النظام العالمي الجديد وتسخيره لخدمة مصالحهم، ومن ثم كان نظام الفيتو الذي تم منحه للدول الخمس التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية، وهي أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين، والذي يتيح لأي من تلك الدول تعطيل أي قرار لمجلس الأمن.
تحول النظام العالمي تدريجياً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستتباب القطب الأمريكي الأوحد على رأس النظام العالمي إلى مطية لتحقيق رغبات أمريكا وحلفائها خاصة مع بداية الألفية الثالثة، لكنه كان يحاول التشدق بالديمقراطية في الظاهر بشكلٍ أكثر، بما يشعر الدول الأخرى في العالم بأنهم شركاء في القرار، حتى وإن كان في الظاهر فقط، لكن كان يحفظ ماء وجوههم أمام شعوبهم في الداخل.
رغم ذلك فإن دول الفيتو لم تكن تتورع عن مخالفة قرارات مجلس الأمن إن لم توافق مصالحها، مثلما حدث في الهجوم على العراق في 2003 بغية السيطرة على مصادر النفط، رغم عدم موافقة مجلس الأمن الدولي.
كانت الدول الأخرى في العالم تتحاشى مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية التي كانت تعني العزلة والقطيعة الغربية، لكن مع ازدياد وطأة الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني الأعزل منذ هجوم 7 أكتوبر 2023م بدأت المعارضة على استحياء حتى بلغت أشدها بإعلان الرئيس الكولومبي غوستاف بيترو أن ترامب شريكٌ في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وإعلانه عن إنشاء جيش العالم لتحرير فلسطين بالقوة المسلحة.
يمكن القول إن تردي النظام العالمي والاستياء والمعارضة الشديدة لدى غالبية القوى العالمية أحد أهم أسبابها هو وجود الرئيس الأمريكي المضطرب ترامب على رأس ذلك النظام.. فبالرغم أن عالم السياسة ليس عالماً مثالياً، وإنما تحكم سياستا المصالح والقوة بشكلٍ أساسي، ويتحكم فيه القوي في الضعيف،  ورغم أن الموقف الأمريكي تحديداً لم يتغير عن تأييد ودعم إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين والعرب أجمعين، لكن ما تغير تبجح الرئيس ترامب بدماء الشعب الفلسطيني أمام الكاميرات في مناسبات عديدة، وكذلك استهانته بأي مشاعر إنسانية، حتى أنه صرح في أكثر من حديث بأنه غير مهتم بقراءة تقرير الأمم المتحدة عن إبادة آلاف القتلى الفلسطينيين، ولكن كل ما يهمه هو الأسرى الإسرائيليين، بل إنه رفض حتى وقف إطلاق النار حفاظاً على دماء مئات القتلى الفلسلطيين الذين يقتلون كل يوم، حيث استخدم حق الفيتو ست مرات لوقف قرار مجلس الأمن بوقف الحرب على المدنيين الأبرياء.
كانت قضية أوكرانيا والدعم الأمريكي والغربي لها كذلك من الأمور الفاصلة في تراجع الثقة في الدعم الأمريكي والأوروبي، فلم تستطع تلك القوى العظمى ردع روسيا عن مهاجمة حليفتهم أوكرانيا، كما لم تستطع وقف الحرب حتى بعد عدة سنوات من اشتعالها، وما زاد الطين بلة وقضى على تلك الثقة تماماً هو تلك النبرة الاستعلائية والتنصل من الوعود والتحقير الذي تعامل به ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، ورغم أن تلك النبرة واستعراض القوى ليست جديدة في عالم السياسة ومعاملة الرؤساء، لكن الكارثة التي فعلها ترامب هو أن نرجسيته دفعته لفعل ذلك أمام الكاميرات على مرأى من العالم أجمع، فمثّل إحراجاً كبيراً لنظيره الأوكراني، وصدمة للمثاليين الذين لم يكونوا يتوقعون مثل هذه الممارسات، بل إن الرئيس الأمريكي اعتاد الاستهانة والتجريح مع رؤساء آخرين من بينهم رؤساء بعض الدول الأفريقية النامية.
من هنا بدأ تراجع تماماً الثقة في الاعتماد على أمريكا في ظل وجود هذا الرئيس النرجسي، الذي لا يقيم أي وزن للبروتوكولات ولا الأعراف السياسية، وأصبحت وعوده تذهب مع الريح، ومن ثم فلا يمكن المخاطرة بمحالفة من لا حليف له. 
كانت الإبادة الجماعية الإسرائيلية هي الأخرى أحد أهم أسباب تراجع دور المنظمات العالمية، فرغم المذابح التي ارتكبتها إسرائيل بحق فلسطين على مدار عقود، لكنها كانت متقطعة، ولم تصل إلى هذا الحد من الإبادة الجماعية المتواصلة والممنهجة بحق العُزّل والأطفال والنساء على مدار ما يقرب من عامين، بل إن إسرائيل تمادت في مهاجمة دول أخرى ذات سيادة مثل سوريا ولبنان واليمن وإيران ضاربة بالقوانين الدولية عرض الحائط.
فقدت إسرائيل مصداقيتها في العالم، وظهر وجهها أمام العالم باعتبارها نظام وحشي غير إنساني، ولم تستطع أكاذيب إسرائيل أن تبرر للعالم جرائم قتل عشرات الآلاف وجرح مئات الآلاف، ولم يعد التأييد والدعم الأمريكي لإسرائيل كافياً لإسكات ضمير العالم عن تلك الفظائع والأهوال التي تحدث أمام أنظار الجميع، الذين أحيا بروز القوة الشرقية (الصين) كبديل قوي منافس قادر على إحداث تغيير عالمي- إلى جانب استحكام الصراع الروسي الغربي- الأمل في إمكانية إحداث تغيير عالمي، كي لا يصبح مصير الكثير من قضايا العالم مرهون بقرار إحدى الدول الخمس المهيمنة على النظام العالمي.