بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ظل الأزقة: عندما تتحول مدينة الإسكندرية إلى بطل خفي

بوابة الوفد الإلكترونية

يأتي الفيلم التسجيلي “ظل الأزقة” للمخرج محمد السباعى وهو مشروع تخرجة من المدرسة العربية للسينما والتلفزيون ويشارك فى مسابقة شباب مصر قسم الطلبة بمهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط فى دورته الـ 41 والذى يشرف عليه مدير التصوير جوزيف كرم، كمحاولة صادقة لاكتشاف العلاقة المعقدة بين الإبداع والمكان، وبين الإنسان وذاكرته. من خلال تجربة مخرج سكندري يقرر أن يفتح حوارًا عميقًا مع مخرجة أخرى “مروة الشرقاوى” وفنانة تشكيلية “شيرين شومان” ، يتحول الفيلم إلى مساحة لتبادل الرؤى، ومشاركة الهواجس، ورصد المسارات المختلفة التي يسلكها الفنانون في سبيل تحقيق ذواتهم وأحلامهم.

الفيلم لا يعتمد على السرد التقليدي أو المعلومات المباشرة، بل يصوغ مشاهده كأنها خيوط متشابكة تلتقي في نقطة مركزية: مدينة الإسكندرية. فالإسكندرية في الفيلم ليست مجرد مكان عابر أو خلفية للأحداث، بل تظهر كـ”بطل خفي”، له روح مؤثرة وملهمة. الأزقة، البحر، العمارة، والوجوه العابرة كلها تتحول إلى عناصر جمالية وفكرية تغذي إبداع الشخصيات، وتعيد تشكيل نظرتهم لأنفسهم ولحياتهم.

 

من أبرز القضايا التي يطرحها ظل الأزقة هي فكرة الغربة. فالشخصيات – رغم انتمائها إلى الإسكندرية – كثيرًا ما تشعر بأنها تعيش حالة شد وجذب مع المدينة: أحيانًا يغادرونها بحثًا عن فرص أوسع أو تجارب مختلفة، وأحيانًا يعودون إليها ليكتشفوا أنها ما زالت تمنحهم السحر والدهشة. هذا التناقض يولد إحساسًا مركبًا: غربة من وإلى المكان، وارتباط أبدي لا ينقطع مهما بعدت المسافات.

 

يعكس الفيلم أيضًا التحديات التي واجهها الفنانون في رحلتهم: صعوبات مادية، نظرة المجتمع للفن كرفاهية أكثر منه كضرورة، وضغط الحياة اليومية الذي يهدد باستنزاف طاقاتهم. لكن في المقابل، يوضح الفيلم أن هذه التحديات تتحول مع الوقت إلى جزء من التجربة نفسها، تمنحها معنى أكبر وتجعل من الإنجاز الفني فعلًا مقاومًا للظروف.

 

من الناحية البصرية، يعتمد ظل الأزقة على لغة تصوير شاعرية، تركز على التفاصيل الصغيرة التي قد تمر على الناس مرور الكرام: ظل على جدار قديم، انعكاس البحر على النوافذ، خطوات عابرة في ممر ضيق. هذه التفاصيل تتحول إلى رموز تحمل معاني عميقة، وتؤكد أن الأزقة – رغم ضيقها – هي فضاء واسع للخيال والإلهام.

 

رسالة الفيلم تتلخص في أن الفن لا ينفصل عن المكان، وأن الإسكندرية، بكل ما تحمله من تناقضات، تظل أرضًا خصبة للذاكرة والإبداع. كما يبين أن التحديات ليست نهاية الطريق، بل وقود يمنح الفنان عزيمة على الاستمرار، وأن الحوار بين الفنون (السينما والفن التشكيلي) يكشف عن طاقات جديدة، ويمنح كل طرف مرآة يرى فيها نفسه بوضوح أكبر.

 

في النهاية، يترك ظل الأزقة المشاهد أمام سؤال مفتوح: هل نحن من نصنع المكان، أم أن المكان هو الذي يصنعنا؟ وبين أزقة الإسكندرية يظل الجواب معلقًا، لكن المؤكد أن الفن هو اللغة الوحيدة القادرة على كشف هذا السر.