“كوتارد”.. رحلة بصرية داخل متلازمة الموت الوهمي
يأتي الفيلم القصير “كوتارد” للمخرج أيمن السنبختى والذى شارك فى مهرجان بورسعيد السينمائي الدولى فى دورته الأولى، ونال جائزة جمعية بورسعيد للفنون الثقافية والمسرحية لشباب السينمائيين ، كواحد من الأعمال اللافتة التي تقتحم منطقة شائكة ونادرة التناول في السينما، إذ يسلط الضوء على متلازمة نفسية معقدة تُعرف بـ “كوتارد”، وهي حالة يعتقد المصاب بها أنه ميت بالفعل أو فقد بعض أعضائه الحيوية.
ينطلق الفيلم من لحظة فارقة في حياة طبيب نفسي، يبدأ أول يوم له في عيادته بمواجهة مريض يعاني من هذه الحالة الغريبة، ليجد نفسه في مواجهة غير متوقعة مع فكرة الموت بوصفه حضورًا دائمًا في الحياة اليومية.
سرعان ما تتسع الدائرة لتشمل خطيبته ومساعدته وحتى رجلًا بسيطًا يدير كشكًا، وكلهم يتوهمون أنهم أموات أو فاقدون لأجزاء من أجسادهم.
المدهش أن الأمر لا يظل محصورًا في نطاق المرضى، بل يأخذ بعدًا اجتماعيًا واسعًا، يتجسد في مشهد صدور بيان رسمي من وزارة الصحة يؤكد وجود هذه الظاهرة، وكأنها وباء يتفشى في المجتمع.
ومع توالي الأحداث، يصبح الطبيب نفسه جزءًا من هذه الدائرة المظلمة، حيث يبدأ في الانزلاق داخل الحالة وكأنه يعيش عدوى نفسية أو انعكاسًا لمدى هشاشته الداخلية، هنا يطرح الفيلم سؤالًا فلسفيًا جوهريًا: كيف يمكن للإنسان أن يواجه الموت كفكرة، لا كحدث بيولوجي فقط، وكيف يمكن للمرض النفسي أن يبتلع حتى من يُفترض أنهم معالجون له؟
على المستوى البصري، اعتمد المخرج على أسلوب تصوير يضاعف من التوتر النفسي الذي يعيشه أبطال العمل، فقد ركزت الكاميرا على ملامح الوجوه في لقطات مقربة Close-ups عميقة، تكشف عن أدق التفاصيل الانفعالية للشخصيات، وكأننا نغوص في داخلهم، هذه المعالجة البصرية منحت الفيلم صدقًا نفسيًا وشحنة وجدانية قوية، جعلت المشاهد يعيش بدوره ارتباك الشخصيات ومخاوفها.
كذلك ظهر بوضوح الانتقاء الجيد للممثلين، حيث جاءت اختيارات الشخصيات ملائمة جدًا لطبيعة القصة، سواء في ملامحهم أو في طريقة تعبيرهم، الأمر الذي عزز من واقعية العمل، وجعل التداخل بين الواقع والخيال أكثر إقناعًا. الممثل الذي جسد شخصية الطبيب عكس الحيرة والارتباك بخطوط وجهه ونظراته القلقة، بينما جاءت شخصية الرجل البسيط صاحب الكشك لتضيف بعدًا شعبيًا يعكس انتشار الفكرة خارج النطاق النخبوي أو الطبي.
من الناحية الفنية، حافظ الفيلم على إيقاع متوازن بين السرد النفسي والبعد الرمزي، دون الوقوع في فخ المباشرة أو المبالغة.
الإضاءة الخافتة والألوان الباردة لعبت دورًا مهمًا في تكثيف الشعور بالعزلة والخوف من الفناء، بينما جاء المونتاج ليخدم إيقاع التوتر الداخلي المتصاعد حتى ذروة الأحداث.
يُحسب للفيلم جرأته في خوض منطقة غير مألوفة، وقدرته على تقديم رؤية بصرية وفكرية حول معنى الموت والوجود، في قالب قصير مكثف. “كوتارد” ليس مجرد فيلم قصير عن مرض نفسي، بل هو رحلة فلسفية تبحث في هشاشة الإنسان أمام فكرة العدم، وعن كيف يمكن أن تتحول العدوى النفسية إلى وباء يطال المجتمع بأسره ، العمل تمثيل مصطفى رشدى ، سالى سعيد ، كريم عادل ، يوستينا أشرف ، وائل أبو طالب ، حنان حمدى ، محمد يوسف ، أحمد محمد ، ضيف الشرف أشرف سرحان ، اكسسوار محمود طعيمه ، مساعدين مهندس ديكور سمسم ، إنجى اسحاق ، منفذين ديكور بسام خالد ، حسن هاشم ، مخرج منفذ كريم عادل .