بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

صفقة TikTok في أمريكا تمنح أبوظبي موطئ قدم استراتيجي

تيك توك TikTok
تيك توك TikTok

في خطوة مثيرة للجدل تعكس التداخل المتزايد بين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توقيع مرسوم رئاسي يمهد الطريق لتسوية شاملة بشأن تطبيق TikTok داخل الولايات المتحدة.

 الصفقة التي قدرت قيمتها بنحو 14 مليار دولار، أعادت تشكيل خريطة ملكية التطبيق في واحدة من أهم أسواقه العالمية، وفتحت الباب أمام دخول مستثمرين جدد من داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وبموجب الاتفاق، ستستحوذ عائلة آل نهيان الحاكمة في أبوظبي، عبر صندوق الاستثمار التكنولوجي MGX الذي يرأسه الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، على حصة تبلغ 15% من عمليات TikTok في الولايات المتحدة.

 هذه الخطوة تعكس بوضوح رغبة الإمارات في تعزيز حضورها في قطاع التكنولوجيا العالمي، لاسيما في ظل تزايد أهمية التطبيقات الاجتماعية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة. 

ومن المقرر أن يحظى الصندوق الإماراتي بمقعد داخل مجلس إدارة الشركة المستقلة بعد فصلها عن الشركة الأم الصينية "بايت دانس".

المرسوم الذي وقعه ترامب مساء الخميس منح مهلة 120 يوماً لإتمام جميع التفاصيل القانونية والإدارية المرتبطة بالصفقة.

 وأكد الرئيس الأمريكي أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو ضمان "ملكية أمريكية" للتطبيق ومنع أي تدخل أجنبي قد يؤثر على بيانات المستخدمين الأمريكيين.

ترامب شدد في كلمته على أن التطبيق سيظل خاضعاً لقيادة أمريكية بحتة، مضيفاً أن مستثمرين بارزين مثل لاري إليسون مؤسس "أوراكل"، إلى جانب مجموعة الأسهم الخاصة "سيلفر ليك"، سيكونون في طليعة إدارة الشركة الجديدة. 

كما كشف عن أسماء أخرى من كبار رجال الأعمال الأمريكيين المتوقع أن تكون لهم مساهمات مهمة، بينهم مايكل ديل، مؤسس "ديل"، وروبرت مردوخ، مالك "فوكس".

ووفقاً لتقديرات الصفقة، فإن الشركات الأمريكية ستسيطر على نحو 65% من أسهم TikTok في الولايات المتحدة، في حين ستحتفظ "بايت دانس" الصينية بحصة تصل إلى 19.9%. 

هذا التوازن يعكس، بحسب مراقبين، محاولة للحفاظ على المصالح التجارية للشركة الصينية وفي الوقت ذاته الاستجابة للمخاوف الأمريكية بشأن الأمن القومي وحماية البيانات.

المثير أن الصين لم تعلن رسمياً موافقتها على الصفقة حتى الآن، إلا أن ترامب أشار إلى أنه أجرى محادثات وصفها بـ"الإيجابية" مع الرئيس الصيني شي جين بينج، مؤكداً أن الأخير "أعطى الضوء الأخضر" للاتفاق.

من جانبه، قال نائب الرئيس الأمريكي جيف دانس إن قيمة الصفقة بلغت 14 مليار دولار، موضحاً أن المفاوضات لم تخلُ من اعتراضات صينية، لكنها انتهت إلى صيغة تحقق توازناً بين متطلبات الطرفين. 

وأضاف: "لقد كان هدفنا منذ البداية هو حماية بيانات المواطنين الأمريكيين وضمان ألا يتم استخدامها كأداة دعائية أو سياسية ضدهم".

وأشار دانس إلى أن هذه الصفقة ستمنح الأمريكيين ثقة أكبر في استخدام TikTok، بعدما أثيرت على مدار الأعوام الماضية تساؤلات عديدة حول مدى أمن بيانات المستخدمين. وأكد أن التطبيق سيواصل العمل في السوق الأمريكي لكن في بيئة أكثر شفافية تخضع لقوانين صارمة فيما يخص إدارة البيانات.

أما في أبوظبي، فيُنظر إلى دخول صندوق MGX في الصفقة باعتباره خطوة استراتيجية تسعى من خلالها الإمارات إلى ترسيخ موقعها كلاعب محوري في الاستثمارات التكنولوجية العالمية، فالصندوق الذي يقوده الشيخ طحنون بن زايد يركز على الاستثمار في الشركات ذات النمو السريع، خاصة تلك العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

ويرى محللون أن حصول الإمارات على 15% من ملكية TikTok في الولايات المتحدة يمنحها نفوذاً غير مباشر في واحدة من أكثر المنصات تأثيراً على الرأي العام العالمي. فالمنصة التي تضم أكثر من مليار مستخدم حول العالم باتت تشكل ساحة رئيسية للتواصل والتأثير الثقافي، ومن المتوقع أن تستمر في النمو مع دخولها مرحلة جديدة من التطوير في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.

وبينما يرى أنصار الصفقة أنها تمثل حلاً وسطاً يحقق مصالح جميع الأطراف، فإن بعض المنتقدين في الولايات المتحدة لا يزالون يشككون في جدواها. هؤلاء يحذرون من أن استمرار احتفاظ "بايت دانس" بحصة معتبرة قد يعني استمرار النفوذ الصيني، حتى وإن كان بشكل غير مباشر.

في المقابل، يعتبر المدافعون عن الاتفاق أن وجود شركاء أمريكيين كبار إلى جانب مستثمرين استراتيجيين من الشرق الأوسط مثل الإمارات سيعزز من استقرار الشركة ويفتح أمامها آفاق توسع جديدة. كما أن إدراج أسماء لامعة في عالم الاستثمار مثل لاري إليسون ومايكل ديل يمنح الصفقة ثقلاً إضافياً.

ختاماً، يبدو أن صفقة TikTok في الولايات المتحدة قد وضعت نهاية لواحدة من أكثر الأزمات إثارة للجدل بين واشنطن وبكين خلال السنوات الأخيرة. غير أن دخول الإمارات على خط الاستثمار أضاف بُعداً جديداً للمعادلة، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على تنافس أمريكي-صيني فقط، بل أصبح جزءاً من لعبة استراتيجيات أوسع تشمل قوى إقليمية طامحة لتعزيز مكانتها في عالم الاقتصاد الرقمي.

بهذا تصبح أبوظبي لاعباً أساسياً في واحدة من أبرز قصص التكنولوجيا في العقد الجديد، بينما يترقب العالم ما إذا كانت هذه الصفقة ستفتح الباب أمام نموذج جديد من الشراكات العابرة للقارات في صناعة المنصات الرقمية.