بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الانضباط التربوى بين الحزم والتحفيز

لم يعد الحديث عن الانضباط التربوى فى مدارسنا ترفًا فكريًا أو تنظيرًا بعيدًا عن الواقع، بل أصبح ضرورة ملحّة أمام ما نشهده من ممارسات سلبية يتجاوز فيها بعض الطلاب حدود السلوك القويم، إلى حد التعدى على زملائهم أو معلميهم، وهو ما يهدد المناخ التعليمى ويشوّه رسالة المدرسة فى بناء الإنسان.
لقد أدرك وزير التربية والتعليم هذه الحقيقة جيدًا، فسعى جادًا لتفعيل لائحة الانضباط المدرسى ليس بوصفها أوراقًا على الرف، بل كآلية عملية تُعيد للمدرسة هيبتها وللمعلم مكانته، وفى الوقت ذاته توازن بين مبدأ الحزم فى مواجهة التجاوزات ومبدأ التحفيز والتشجيع للطلاب الملتزمين والمتفوقين. هذه المعادلة الصعبة هى جوهر العملية التربوية الناجحة.
وقد برز ذلك جليًا فى الموقف الأخير حين شهدت إحدى المدارس واقعة تعدى طالب على أحد زملائه داخل الحرم المدرسى، وهو سلوك لا يمكن السكوت عنه، لأنه يرسّخ ثقافة العنف بدلًا من ثقافة الحوار. هنا لم يتأخر الوزير فى اتخاذ موقف واضح وحاسم، إذ وجّه بسرعة تطبيق بنود لائحة الانضباط بحق الطالب المخالف، مع التأكيد على أن العقوبة ليست غاية فى ذاتها، وإنما وسيلة لتقويم السلوك وحماية المجتمع المدرسى من الفوضى.
اللافت فى توجه الوزارة أن العقاب ليس الوجه الوحيد للعملة، بل هناك حرص موازٍ على تفعيل برامج التحفيز الإيجابى: تكريم المتميزين، تشجيع الملتزمين، وإطلاق مبادرات تعزز قيم التعاون والاحترام والمسؤولية. فالمدرسة التى تكتفى بالعقاب دون تحفيز تتحول إلى سجن، أما المدرسة التى توازن بينهما فهى الحاضنة الحقيقية لبناء الشخصية المتكاملة.
إننا اليوم أمام نقلة نوعية فى إدارة الانضباط التربوى: قرارات حازمة ضد التجاوزات، وسياسات داعمة للمتميزين، ورؤية شاملة ترى فى الطالب ليس مجرد متلقٍ للمعلومة، بل مواطن ناشئ يجب أن يتربى على قيم النظام والالتزام والمسئولية.
ويبقى السؤال: هل ينجح هذا التوجه فى إعادة الهيبة للمدرسة؟ الإجابة رهنٌ بمدى تعاون الأسرة والمجتمع مع المدرسة والوزارة معًا. فالانضباط التربوى ليس مسؤولية الوزير وحده، وإنما مشروع وطنى لصناعة جيل جديد يعرف حدوده وحقوقه وواجباته.
وبكل وضوح، يمكن القول إن قرار الوزير الأخير ليس مجرد رد فعل على حادثة، بل رسالة قوية بأن المدرسة لن تكون ساحة للفوضى، وإنما ستظل منارة للتربية والتعليم، حيث يجتمع الحزم مع التحفيز، والانضباط مع الإبداع.