بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

كارثة حريق مصنع المحلة تكشف إهمال قاتل وسقوط ضحايا .. صور

حريق مصنع المحلة
حريق مصنع المحلة

في مشهد تقشعر له الأبدان هز مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، ما بدأ كيوم عمل اعتيادي داخل المصنع، حيث كانت أصوات ماكينات الخياطة تملأ المكان والعمال منشغلون بأداء مهامهم، انقلب في لحظة إلى جحيم من الدخان والصرخات، لتتحول ساعات النهار الهادئة إلى مشهد مأساوي لن يمحوه الزمن من ذاكرة المدينة.

اندلع حريق مصنع المحلة للملابس فجأة وحول لحظة عمل هادئة إلى كارثة دامية أودت بحياة 12 شخصا وأصابت أكثر من 35 آخرين بينهم رجال من قوات الحماية المدنية.

تحركت النيابة العامة على الفور فأمرت بفتح تحقيق عاجل، وندبت فرق الأدلة الجنائية لفحص موقع المأساة التي تركت خلفها أنقاضا محترقة وصرخات ذوي الضحايا تتعالى في أرجاء المكان.

حريق مصنع المحلة يحول يوم عمل إلى مأساة كبرى

أصدرت النيابة العامة قراراتها بفتح تحقيقات عاجلة في واقعة حريق مصنع الملابس بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، بعد أن تحولت لحظة عمل اعتيادية إلى مأساة إنسانية كبرى، سقط فيها 12 ضحية وأصيب أكثر من 35 آخرين بينهم ضباط وأفراد من قوات الحماية المدنية، بينما شيع الأهالي في مشهد مؤلم جثامين الضحايا وسط دموع وانهيار عائلاتهم.

بداية الكارثة

صباح يوم الجمعة، دوى صوت انفجار مفاجئ من داخل مصنع الملابس بمنطقة اليماني، أعقبه اندلاع ألسنة لهب التهمت أجزاء واسعة من المبنى في دقائق معدودة.

تشير المعاينات الأولية إلى أن ماسا كهربائيا أدى إلى اشتعال النيران، قبل أن يفاقم انفجار غلاية في الطابق الأول من خطورة الموقف، متسببا في انهيار جزئي للمبنى، وحصار العشرات من العاملين داخله.

وتعالت صرخات العمال المحاصرين داخل المبنى بينما كانوا يطرقون على الجدران طلبا للنجدة، في وقت كان الدخان الكثيف يحجب الرؤية ويخنق الأنفاس، بعضهم حاول القفز من النوافذ للهروب من جحيم النار، فيما سقط آخرون مغشيا عليهم قبل أن تصل إليهم أيادي رجال الإنقاذ.

مع أول لحظات الانفجار، ملأ المكان دوي أشبه بالرعد أعقبه صراخ هستيري من العمال الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين الدخان والنار.

رائحة البلاستيك المحترق والحبر والزيوت الصناعية اختلطت بالهواء حتى خنقت كل من حاول التنفس، البعض سقط مغشيا عليه قبل أن يدرك ما حدث، وآخرون أخذوا يركضون في كل اتجاه يصطدمون بالجدران بحثا عن منفذ للنجاة.

ضحايا الحريق والخسائر البشرية

الحادث أسفر عن مصرع 12 شخصا بينهم 11 مدنيا فقدوا حياتهم نتيجة الاختناق والحصار داخل ألسنة النار، إضافة إلى وفاة أحد رجال الشرطة خلال مشاركته في عمليات الإطفاء، بينما فقدت قوات الحماية المدنية ثلاثة من ضباطها أصيبوا بجروح بالغة نقلوا على إثرها إلى مستشفى الرواد بمدينة المحلة لتلقي العلاج.

كما استقبلت مستشفيات المحلة العام وسمنود المركزي أكثر من 35 مصابا تراوحت إصاباتهم بين الحروق والجروح وحالات الاختناق، وقد خرج 26 منهم بعد تلقي الرعاية الطبية، فيما لا يزال سبعة تحت الملاحظة بينهم حالتان بالعناية المركزة.

أمام مشرحة مستشفى المحلة العام، تجمعت عشرات الأسر المكلومة، بعضهم يردد أسماء ذويهم في رجاء أن يكونوا بين الناجين، وآخرون ينهارون بمجرد سماع خبر الفقد.

مشاهد بكاء نساء ملتصقات بجدران المشرحة وصوت رجال يتحسرون على فقدان أبنائهم رسمت لوحة حزينة لن تمحى بسهولة من ذاكرة المدينة.

إحدى الأمهات وقفت أمام المستشفى تردد باسم ابنها الذي كان يعمل بالمصنع، وعيناها تبحثان بين قوائم المصابين على أمل ضعيف أن تجده حيا.

بينما روى عامل نجا من الحريق أنه سمع انفجار الغلاية ثم رأى النيران تحيط بزملائه، مضيفا بصوت مرتجف "كنا بنجري زي العصافير المحبوسة .. النار في كل حتة والدخان بيكتم النفس".

وبينما كان الداخل يلتهمه الحريق، كانت الشوارع المحيطة تعج برجال الإسعاف وقوات الأمن الذين هرعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

تحرك عاجل واستنفار أمني

فور تلقي البلاغ، دفعت وزارة الصحة والسكان بـ 26 سيارة إسعاف وصلت إلى موقع الحريق خلال دقائق، وجرى نقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج.

كما فرضت قوات الأمن كردونا حول المنطقة، وفصلت المرافق الحيوية عن المبنى لمنع امتداد النيران، فيما واصلت قوات الحماية المدنية عملها الشاق لساعات طويلة بين ألسنة الدخان والأنقاض، بحثا عن ناجين.

وسط ألسنة النيران والدخان، اندفع رجال الحماية المدنية دون تردد، بعضهم اقتحم المبنى المحترق مرات متتالية لإخراج العمال العالقين، وآخرون ظلوا يرشون المياه رغم انهيار جزء من السقف فوقهم.

وفاة أحد أفراد الشرطة وإصابة ثلاثة ضباط آخرين لم تكن إلا شهادة على شجاعة رجال وضعوا أرواحهم في مواجهة الموت لإنقاذ الآخرين.

بيانات رسمية وتصريحات المسؤولين

وزارة الصحة أعلنت في بيان رسمي أن إجمالي الحصيلة بلغت 12 وفاة وأكثر من 35 مصابا، مقدمة التعازي لأسر الضحايا ومؤكدة استمرار المتابعة الطبية للحالات الباقية.

من جانبه، تابع الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة الموقف ميدانيا، ووجه بتأمين بنوك الدم في مستشفيات الغربية، فيما أعلن اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية رفع درجة الاستعداد القصوى في المحافظة، مشددا على أن أرواح المواطنين وحمايتهم هي الأولوية القصوى.

مشاهد الجنازات والحزن الشعبي

مع حلول المساء، شيع المئات من أهالي مدينة المحلة جثامين 12 نعشا خرجت من مشرحة المستشفى، في جنازة مهيبة غلبت عليها أصوات الصراخ والبكاء.

انهارت أسر الضحايا على الأكتاف بينما سارعت لجان التضامن الاجتماعي والقوى العاملة لتقديم الدعم المادي والمعنوي للأسر المكلومة، تنفيذا لتوجيهات رسمية بضرورة إغاثة المتضررين.

النيابة تحقق في كارثة حريق مصنع الملابس بالمحلة الكبرى

النيابة العامة التي انتقلت إلى موقع الحريق أصدرت أوامرها بندب خبراء الأدلة الجنائية لمعاينة آثار الحريق ورفع التقارير الفنية حول سبب اندلاع النيران وانفجار الغلاية.

كما أمرت بالتحفظ على ملف المصنع ومراجعة تراخيص التشغيل وسلامة الاشتراطات الوقائية، إضافة إلى تشريح الجثامين لبيان أسباب الوفاة وتسليمها لذويهم فور الانتهاء من الإجراءات القانونية، كما كلفت النيابة الأجهزة الأمنية بالاستماع لشهادات المصابين والعاملين بالمصنع للوقوف على تفاصيل ما جرى.

مع انطفاء آخر لهب، بدا المشهد كمدينة أشباح جدران سوداء متصدعة، آلات الإنتاج تحولت إلى كتل حديدية متفحمة، وأرض مغطاة ببقايا رماد ممزوج بدماء الضحايا، المكان الذي كان يعج بالحركة صباحا صار خرابا صامتا لا يسمع فيه سوى نحيب أهال فقدوا أعز ما يملكون.

ملحمة إنقاذ وتكاتف إنساني

فرق الهلال الأحمر المصري شاركت بدورها في تقديم الإسعافات النفسية الأولية للأهالي المنهارين، فيما هرع الأهالي من مختلف أحياء المحلة لتقديم يد العون لرجال الإطفاء والمسعفين، في مشهد جسد وحدة المجتمع في مواجهة الكارثة.

وبينما تستمر التحقيقات لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات، يبقى الحادث الأليم جرحا مفتوحا في قلوب أسر الضحايا وكل من تابع المشاهد المروعة للحريق.

بعد إخماد النيران، بدا المصنع وكأنه أطلال حرب، آلات الخياطة تحولت إلى كتل حديدية متفحمة، الجدران سوداء متشققة، والزجاج متناثر على الأرض كأنه شظايا قنبلة.

وفي الخارج، صف طويل من النعوش البيضاء ينتظر ذوي الضحايا، بينما أطفال صغار تمسكوا بملابس آبائهم يبكون في صمت لا يفهمون حجم الكارثة التي خطفت أحب الناس إلى قلوبهم.

هكذا انتهى يوم عمل عادي كان يفترض أن يبدأ بماكينات الخياطة وينتهي بروتين المصنع، لكنه تحول في لحظة إلى مأساة كتبت بدماء الأبرياء ودموع مدينة كاملة.